كرار وحميدتي صراع خارج الحلبة
أن التغيير الذي تحاول أن تحدثه القوى السياسية في أي مجتمع بعد سقوط النظام الشمولي، سوف يواجه بتحديات عديدة داخليا، أولها بقايا النظام السابق، ثانيا القوى الاجتماعية التي كانت مستفيدة من النظام السابق، و القوى المحافظة التي لا ترغب في عملية التغيير، الثقافة الشمولية التي خلفها النظام السابق، المؤسسات التي تعمل خارج دائرة القانون و رقابة الدولة، الأزمات الاقتصادية و السياسية التي خلفها النظام السابق. و خارجيا الدول الإقليمية التي تعتقد أن التغيير سوف يهدد نظامها السياسي مستقبلا. و أيضا الدول التي استغلت ضعف النظام في التمدد علي الأراضي السودانية و غيرها. كل ذلك يتطلب الفطنة و الحكمة من قبل القوى السياسية، و قراءة الساحة قراءة جيدة و معرفة توازن القوة فيها، و معرفة فاعلية أدوات الصراع لكل جانب، مع معرفة التحولات و التغييرات التي تحدث في الشارع، و لذلك إدارة الصراع تتطلب تقديم عناصر ذات كفاة عالية من ناحية النضج السياسي، و من ناحية الخبرة و اتساع المعرفة، و القدرة علي المناورة التي تكون مطلوبة في عملية التغيير. و للأسف الشديد أن أغلبية القوى السياسية فاقدة لمثل هؤلاء، و هي تدير الفعل السياسي كما يديره الطلاب في المدارس الثانوية، أتضح أن أغلبية القيادات التي علي قمة الأحزاب هي قيادات كانت موظفة في أحزابها تنفيذيا، أو كانت علي هامش المشاركة، لذلك فشلت في أن تعد مشروعا سياسيا لتحالف عريض، و حتى مشروعا لحزبها تطرحه علي الآخرين، و تجد الخطاب السياسي للحزب الواحد يتناقض عندما يتحدث عضوان من الحزب في منبرين منفصلين. تعقيدات الفترة الانتقالية جاءت ليس بسبب تأمر من جهة و لكن بسبب الضعف الإداري و الخبرة الكافية.
بالأمس القريب: و في الاحتفال الذي أقامته قوات الدعم السريع بتخريج دفعة جديدة خاصة تسمى " درع السلام" وصف النائب الأول لرئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلة قائد قوات الدعم السريع دعاة الديمقراطية بالكاذبين، وقال: " والله ما دايرين ديمقراطية والفتن ماشة الآن بزرعوها عشان ما دايرين إنتقالية.. دايرين فترة انتقالية 10 سنوات يفصلوها على كيفهم"، وأضاف قائلا "نحن ما عملنا حاجة فقط بدلنا تمكين بتمكين أشد لفئة قليلة ويمكننا إثبات ذلك بالإثبات والمستندات"، و أيضا أتهم مجموعة قليلة بقيادة الحكومة في الخفاء، وقال: "هم ماسكين الحكومة كلها ويقولوا ليك طلعوا من الحكومة ومن الحرية والتغيير.. الوزارات هم والوكلاء.. الشلاقي ما خلى عميان وتاني ما بنتغشى" طبعا لا يخف علي أي متابع سياسي أن حميدتي يتهم الحزب الشيوعي بهذا القول. رغم أن حميدتي قد أرسل رسائل عديدة في كلمته، و منها أقوال مطاطة تقبل التآويلات منها، "إننا لن نسمح بالفوضى، وأن الديمقراطية لا تعني الفوضى بل الشورى والتحضر والتفاهم، و لن نسمح بالفوضى ولن نصمت" هذه الفقرة تقبل التآويل: إذا حولناها لسؤال من أنتم و ما هو تعريف الفوضة و الديمقراطية؟ و هنا البعض يتهم حميدتي بأنه يتهم المدنيين بالفشل، و يحاول إقناع الشارع بعملية التغيير من قبل الجيش..! رغم أن الكل يعلم أن حميدتي محدود التعليم و خبرته في العمل السياسي لا تؤهله أن يغلف الرسائل ، بل يرسلها بشكل مباشر، لكن حديثه يخضع لتحليل لمعرفة الحمولات السياسية داخله، و ماذا يريد من هذه التصريحات و هي ليست بريئة، فالرجل رغم إنه عسكر لكن عسكريته مرتبطة بوضع سياسي، و الصراع الذي تعلوا راياته بين المدنيين و العسكر أيضا غير بريء، و كانت الثورة مقنعة أن العسكر يجب أن يخرجوا تماما من العمل السياسي، و الذي يريد منهم السياسة عليه بخلع البزة العسكرية.
و جاء رد كمال كرار علي أقوال حميدتي من خلال المقابلة التي أجرتها جريدة " الراكوبة الالكترونية" حيث قال كرار "اعتقد هي محاولة لتعليق الفشل على “شماعة” مجلس الوزراء وقحت، بينما هو في قمة السلطة ويتولي ملف الاقتصاد أيضا..موضحا الشاهد أن السلطة التنفيذية وأقصد مجلس الوزراء تخلت عن الكثير من سلطاتها المخولة لها في الوثيقة الدستورية لصالح المكون العسكري في مجلس السيادة، وجاء تكوين مجلس الشركاء مؤخرا ليضعها في كنبة الاحتياطي،وأصبحت (ترلة) تقودها شاحنة عسكرية ..وتماهت مع أجندات لم تكن يوما مطالب لجماهير الثورة (مثل التطبيع) ..هذا الضعف أغرى الكثيرين للهجوم عليها ..ليس نائب رئيس المجلس السيادي فحسب ..بل حتى فلول النظام البائد" . و لكن نقول لكرار إذا فشلت الفترة الانتقالية يتحمل حزبكم 70% من فشلها، و ذلك أن الزملاء كانوا خميرة عكننة الفترة الانتقالية، و كانوا يحاولون فقط فرض أرائهم علي الآخرين. كانوا يشتغلون فيها من موقعين مشاركين و معارضين في ذات الوقت، و هذا الحديث أشار إليه محمد ضياء الدين من حزب البعث في دار حزب الأمة و نقل علي الهواء عبر القنوات التلفزيونية منذ التفاكر في اختيار الوزراء قال " أن الزملاء قالوا لن يشاركوا في الفترة الانتقالية بينما يقدمون ترشيحات عضويتهم من خلال واجهاتهم الآخرى" و هذا ليس إتهام بالفعل قد تم تعيين أغلبية كوادرهم في وزارة الصحة من خلال " رابطة الأطباء الشيوعيين" التي كان قد جعلها الدكتور أكرم علي التوم هيئته الاستشارية، و أيضا في التربية و التعليم و الإعلام. و الزراعة و مشروع الجزيرة و في الخارجية و الطاقة و التعدين، لذلك خروجهم من قوى الحرية لا ينفي أنهم كانوا وراء عدم وصول "قحت" لبرنامج يتوافق عليه الجميع، كانوا فقط يريدون أن يقبل الجميع مجموعة من الأراء كانوا يطرحونها، الهدف منها تقوية قبضتهم علي مفاصل الفترة الانتقالية، و تعاملوا مع المجموعات الأخرى إنها لا تستطيع إدارة الصراع لكي تخفف هذه القبضة، و لكي يوقفوا نقد الآخرين لم يجدوا طريقة غير إرسال فزاعات، حيث كانوا يطلقون الاتهامات، أن هناك البعض تعاون مع العسكر و أن هناك مجموعة تم شرائها. و نسوا أن العسكر أيضا أصابتهم شظاية نيرانهم. فالعسكر كانوا السبب في فك قبضة الزملاء، و استطاعوا أن ينقلوا الصراع داخل تحالف " قحت" و يعزلوا منها الجبهة الثورية، ثم بعض القوى التي لا تريد عزل العسكر في الفترة الانتقالية، و ترغب في التعامل معهم وفقا لما تنص عليه الوثيقة الدستورية. باعتبار أن الذي حدث هو مساومة سياسية و يجب التناغم بين جميع فئاتها، لكن الزملاء فضلوا مخالفة الآخرين. رغم أن الآخرين نفسهم أخيرا نسوا قضايا الوطن و المواطن و انهمكوا في تحقيق مصالح حزبية و شخصية، و هذا يعود لحالة الضعف التي تعاني منها كل القوى السياسية.
شعر الزملاء إنهم بدأوا يخسرون معركة السيطرة علي سلطة الفترة الانتقالية، رغم تعيين العديد من عضويتهم في الوظائف القيادية للخدمة المدنية، و فقدوا كل تحالفاتهم داخل قحت، حاولوا إعادة السيطرة من خلال السيطرة علي تجمع المهنيين لكنهم فشلوا أن يجعلوا الأغلبية تسير معهم، لذلك رجعوا للشارع ليس بهدف تصحيح الأخطاء و تقييم الفترة، و لكن بهدف أن لا يحملهم الآخرين مسؤولية إخفاق الفترة الانتقالية. أما حديث حميدتي لتحميل المدنيين الفشل كما قالها رئيسه من قبل، هذه غير صحيحة أن العسكريين يتحملون أيضا المسؤولية إذا فشلت الفترة الانتقالية ،و يرجع ذلك لحالات الانفلات الأمني حيث أصبح المواطنون غير آمنيين حتى في بيوتهم، و أيضا العسكريين يعدوا جزءا في الأزمة الاقتصادية لرفضهم حل مشكلة المؤسسات الاقتصادية التابعة للمؤسستين العسكرية و الأمنية، و محاولاتهم المستمرة لتجاوز الوثيقة الدستورية، إلي جانب محاولاتهم لإضعاف الجانب المدني، رغم أن " قحت" لم تختار الكفاءات المطلوبة لشغل الحقائب الدستورية في المجلسين " الوزراء و السيادي" و خيبة الأمل في رئيس الوزراء، و رغم أن القيادات السياسي تقول أن تحالف " قحت" هو أكبر تحالف مر علي السودان و لكنه كغثاء السيل لا فائدة حققها، و ذلك يرجع لتواضع مقدرات أغلبية القيادات فيه، و في نفس الوقت بدل أن تكون ملتحمة مع الشارع و تشاركه في قراراتها عزلته، و أصبحت تواجه حالة ضعفها.
فالصراع الدائر الآن هو صراع مصالح ليس له علاقة بالوطن و المواطن، هي قوى سياسي تريد أن تفرض سلطتها و تستغل الدولة كما استغلتها الحركة الإسلامية ثلاثين سنة. دون مراعاة لمشاكل الناس التي جعلتهم ليس تحت مستوى الفقر بل مستوى ذهلت عنه المؤسسات الاقتصادية في العالم و يفرض سيطرته، و كل الذين يتعاركون من آجل السلطة ليس لهم أية تصور لخروج البلاد من أزماتها، و السيد رئيس الوزراء الذي جعل " كلمة سنعبر كلمة لازمة" لا يعرف كيف يجعل البلاد تعبر. كلمة أخيرة سؤال تتهرب منه كل القوى السياسية و ليس لها إجابة ( من الذي رشح حمدوك لرئاسة الوزراء؟) نسأل الله حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com
///////////////////