كرتي ..(السلام هو الحل)!!
أشرف عبدالعزيز
1 October, 2023
1 October, 2023
الصباح الجديد -
ما أن أصدرت الخزانة الأمريكية عقوباتها على أمين الحركة الإسلامية في السودان حتى إنبرى المدافعون وفي مقدمتهم حركته وربيبها حزب المؤتمر الوطني المحلول، فقد إعتبرا العقوبات وسام وقلادة شرف على صدر كرتي، فيما دافع بعض الموالين لنظام المخلوع عن كرتي ووصفوه بالإسلامي المعتدل وأكثر وزير خارجية في عهد المخلوع البشير عمل على تطوير وتحسين العلاقة الملتبسة بين الخرطوم وواشنطن منذ مهاد الإنقاذ، مستدلين بالعلاقات الجيدة للرجل برجالات الدين المتشددين في أمريكا واستيراده منظومات الري الخاصة بشركة زادنا من واشنطون بدلاً من الصين التي لم تكن وقتها تحاصر الإنقاذ كما فعلت الولايات المتحدة.
هذا الدفاع يصطدم بكثير من الحقائق الدامغة التي تشير إلى أن الحديث المكرور لعلي كرتي منذ سقوط البشير بأن الحركة الاسلامية السودانية اختارت السلمية كطريق للمقاومة ونأت عن ممارسة العنف السياسي، هو حديث تكذبه الوقائع والأحداث.
منذ سقوط البشير هدفت الحركة الإسلامية إلى الوصول لسدة الحكم مرة أخرى مهما كلفها ذلك من تكاليف، وراهنت قيادات المؤتمر الوطني المحلول على علي كرتي، وأوكلت إليه مهمة التغيير لتبدأ الحركة الإسلامية إفتعال الأزمات ليس بالتظاهرات ومسيرات الزحف الأخضر وإنما بالضلوع في مجزرة فض الاعتصام وتدبير الإنقلابات (إبتداء من إنقلاب هاشم إلى انقلاب 25 أكتوبر)، مع مواصلة التضليل بالضرب على وتر الخوف على الدين من العلمانيين الذين لن يطبقوا الشريعة الإسلامية.
وبالرغم من أن خطة كرتي نجحت في تقويض حكومة الثورة بقيادة دكتور عبدالله حمدوك إلا أن خطاب الحركة الإسلامية لم يغيب الحقائق الصلبة لفسادها خاصة وأن ذاكرة الشعب السوداني مليئة بما نشرته لجنة إزالة التمكين واسترداد الأموال المنهوبة في هذا الصدد وخير نموذج ومثال لذلك إستحواذ كرتي على 99 قطعة أرض بالخرطوم.
في المقابل ظل موقف المكون العسكري بشقيه (الجيش- الدعم السريع) غير مهتم بالتهديدات والوعيد البائن لخطاب قيادات الحركة الإسلامية عبر تجمعاتها التي بدأت بما يسمى بمسيرات الزحف الأخضر .. من المؤكد أن صمت المكون العسكري عن الممارسات التهديدية الواضحة أغرى أنصار المؤتمر الوطني بتفجير الأوضاع حال أي تسوية سياسية، خاصة بعد أن بدلت قوات الدعم السريع موقفها وأبدت موافقتها على الإتفاق الإطاري.
ليس ما وثق بالصورة والصوت من مخاطبات قيادات الحركة الإسلامية هو شاهد العدل الوحيد على أن ثمة نية مبيتة لعرقلة الإتفاق الإطاري بأي وسيلة، بل كان واضح تماماً فقد أشارت بعض القيادات السياسية أن الضباط الإخوان في الجيش ظلوا يضغطون على قائده الفريق عبدالفتاح البرهان لإشعال هذه الحرب، وبحسب ما روى القيادي البارز في قوى الحرية والتغيير طه عثمان فإنه في اليوم الذي اشتعلت فيه الحرب فجر السبت الـ 15 من أبريل الجاري كان هناك اجتماع مهم انتهى في الساعة الثالثة من فجر ذلك اليوم بين كل من البرهان وحميدتي مع الرباعية والثلاثية والأحزاب الموقعة على الاتفاق الإطاري، وانتهى الاجتماع بالاتفاق على تكوين لجنة لخفض التوتر بين الجيش والدعم السريع برئاسة الدكتور الهادي إدريس وعضوية الفريق خالد عابدين ممثلاً للقوات المسلحة واللواء عثمان ممثلاً للدعم السريع، لتتلقى الرباعية والأطراف التي كانت في ذلك الاجتماع بعد ساعة من انفضاضه، أي في الرابعة صباحاً، إخطاراً من قيادة الدعم السريع في معسكر منطقة سوبا بأن قوة من الجيش تحاصر معسكرهم ومعسكرات أخرى للدعم السريع محاصرة من طرف الجيش، وتندلع الحرب بعد ذلك في الساعة التاسعة صباحاً، أي بعد ست ساعات من اجتماع البرهان وحميدتي والرباعية واتفاقهما على خفض التوتر.
ورغم محاولات النكران المستمرة لقادة الجيش بعدم صلتهم بالحركة الإسلامية تجد تحركاتهم تكشف بالدليل القاطع علاقتهم بالتنظيم، ففي الوقت الذي ينشط فيه كرتي وهرون في دعم الجيش وقيادة الإستنفار زار قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان فور خروجه قائد كتيبة البراء بن مالك الجهادية المصباح ابو زيد طلحة الذي اصيب خلال اشتباكات بين الجيش والدعم السريع بالخرطوم حيث كان يرقد مستشفياً بمستشفى عسكري بمدينة عطبرة.
قبلها في 15 يوليو 2023 ، ذكرت وكالة السودان للأنباء أن إسماعيل العاقب والي ولاية الجزيرة المكلف، واللواء الركن أحمد الطيب عمر قائد الفرقة الأولى مشاة، دشنا بمعسكر الإحتياطي المركزي بمدينة ودمدني إنطلاق إستنفار المجاهدين لنصرة القوات المسلحة، إستجابة لنداء القائد العام للقوات المسلحة للشباب.
هذا جزء من حالة عبثية لها أبعاد خطيرة تتجه نحوها الحرب الدائرة في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، خاصة بعد الحديث عن تورط عناصر جهادية سودانية متطرفة جرى قتلها أو أسرها وهي تحارب بجوار الجيش. كما أن هذا التطور الخطير، لا يعزز فقط من حالات التحذير من مغبة وقوف عناصر من التنظيمات الجهادية وراء إحتدام المعارك في الخرطوم، والعمل على إفشال مبادرات وقف الحرب وعرقلة الوساطات لمنع العودة إلى العملية السياسية السابقة، بل يتعداها إلى مظان ترفع عقيرتها بدخول خلايا الإرهاب الدولي للقتال جنباً إلى جنب مع الجيش السوداني.
هذا الأمر أعاد بلا شك نظر كثير من الجهات التي التزمت الحياد في الحرب، أو تلك التي دافعت عن البرهان باعتباره ينتمي إلى مؤسسة عسكرية نظامية تدافع عن وحدة الدولة، بينما هو يدير حرباً لحساب (الحركة الإسلامية السودانية) والتي وجدت فيها فرصة لخلط الأوراق طمعاً في السيطرة على المشهد العام
وبحسب تقرير للمركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات، فإن استمرار الصراع في السودان، خصوصاً في العاصمة الخرطوم، إلى تداعيات سلبية، بما يعيد أنشطة الجماعات المتطرفة مجددا، ليس فقط بسبب كميات الأسلحة التي باتت في الشوارع، وإنما لتوارد أنباء عن عمليات هروب لعدد من المتطرفين الذين كانوا موقوفين في السجون. كذلك تصاعدت المخاوف من ازدهار تجارة البشر ناهيك عن المخاوف المتعلقة من تسرب “الجهاديين” من دول تنشط فيها هذه الجماعات عبر الحدود في 8 مايو 2023.
ويرى “فيديريكو مانفريدي فيرميان” المحاضر في معهد الدراسات السياسية بباريس”هناك خطر من أن الجماعات الإسلامية ذات الإيديولوجية السلفية الجهادية يمكن أن تنتهز الفرصة لتأسيس وجودها في بلد استراتيجي للغاية يقع بين منطقة الساحل والقرن الأفريقي وأن “احتمال الانهيار الكامل للدولة السودانية في هذه المرحلة مرتفع للغاية.
في 28 يونيو الماضي، نشرت رويترز تقريراً يتحدث عن قتال الآلاف ممن عملوا في جهاز المخابرات العامة ولديهم صلات بالتيار الإسلامي وآلاف الإسلاميين، إلى جانب الجيش، ما يعقّد جهود إنهاء إراقة الدماء، ولكن هذه ليست البداية فقد سبقتهم في القتال جنباً إلى جنب مع الجيش كتيبة البراء بين مالك التي تتبع إلى قوات الدفاع الشعبي.
وبعد عزل البشير، ورغم المطالب الشعبية بحلّها، قرر البرهان تحويل اسمها إلى قوات الاحتياط، وما أن زادت حدة المعارك حتى استعان الجيش بمجاهدي البراء اللذين لم يخفُ مشاركتهم مع الجيش، بل أعلنوها عبر (فيديو) بثوه في مواقع التواصل الإجتماعي مرددين فيه شعارات جهادية إسلامية مثل (فليعد للدين مجده أو ترق كل الدماء).
لقد تواجدت عناصر كتيبة البراء بن مالك في سلاح المدرعات، وسلاح المهندسين، وفي قاعدة قوات الاحتياطي المركزي في أم درمان (وهي فصيل تابع لقوات الشرطة فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات لدوره في قمع الاحتجاجات السلمية الرافضة استمرار الحكم العسكري في العنف المفرط).
وبعد هروب قيادات الإخوان المتهمين في قضية إنقلاب البشير 1989 وفي جرائم الإبادة الجماعية في دارفور وفي قضايا متصلة بالفساد، أزداد التحاق الإسلاميين بالجيش وبدأوا يتحركون بقوة للحشد وتحريض قواعدهم والمواطنين للقتال مستفيدين من دعوة أطلقها القائد العام للجيش عبدالفتاح البرهان للمواطنين للقتال مع الجيش في معركة الكرامة.
ولم تمض أيام من إعلان نائب رئيس المؤتمر الوطني المحلول أحمد هرون عن تأييد حزبه للجيش وإسناده له في معركة الكرامة حتى وإنشغلت وسائل التواصل الإجتماعي بمقتل رئيس منظومة الفكر والتأصيل في (الحركة الإسلامية السودانية) محمد الفضل عبد الواحد عثمان خلال مواجهات عسكرية بمنطقة الشجرة وهو يقاتل في صف الجيش ضد قوات الدعم السريع.
إن نشاط خلايا الجهاديين وظهور ملامح بمشاركة العناصر المتطرفة في الحرب يؤكده دخول تنظيم أنصار الشريعة الحرب بقوة، وللتنظيم علاقة وثيقة بنظام البشير وإسلامييه وعلاقة البيعية مع تنظيم القاعدة.
أسس هذا التنظيم في السودان عبد الإله حمزة، نجل الزعيم الراحل لأنصار السنة أبو زيد محمد حمزة المدان في قضية مقتل الموظف في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية جون غرانفيل مطلع 2008
في أغسطس الماضي نشر التنظيم عبر دار “بيت المقدس” إحدى الواجهات الإعلامية لتنظيم القاعدة كتاباً جديداً بعنوان: (الآن جاء القتال.. رسائل حرب إلى المجاهدين في السودان) ذكر أنّه “للشيخ أبي حذيفة السوداني يوجهه للسودان بشكل خاص”.
وقال المؤلف في مقدمة كتابه: “هذه رسائل حرب أضعها في بريد المجاهدين في السودان، ذلك أنّ الواجب الشرعي يحتم علينا القتال نصرة للدين حتى تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى.
والغريب أنه بعد كل هذه الخطوات وهذه التحركات المكشوفة والمبذولة ظن أنصار النظام البائد أن أمريكا فقط ستسل سيفها على الدعم السريع فقط وتغض الطرف عنهم، وأن قانون العقوبات الخاص باللذين يعوقون الاستقرار والتحول الديمقراطي لن يطالهم لأن لديهم حصانة ضده، خاصة بعد علو كعب صوتهم عن طريق حملات المزايدة بالوطنية ومحاربتهم لدعاة وقف الحرب ووصفهم بأنهم مجرد خونة يصطفون في (طابور) تمام قوات الدعم السريع ويأتمرون بأمرها.
راهن كرتي على زيارات البرهان الخارجية خاصة وأن المناخ كان مهيأ لقبول الرجل بيد أن أكبر تحدي واجهه هو قربه من عناصر النظام البائد اللذين يصرون على استمرار الحرب غير مكترثين لتحذير أقرب حلفائهم.. فقد قال مدير تحرير الإهرام المصرية بوضوح إن مصر ستبلغ البرهان أنها لا توافق على تشكيل حكومة من البحر الأحمر، وعضدت ذلك التحذير تغريدة الخبير الإقتصادي الألماني باتريك هانشن الذي أوضح فيها أن زيارات البرهان الخارجية فشلت وأن حليفه السيسي يرفض تشكيل حكومة مؤقتة خوفاً من تقسيم السودان على غرار السيناريو الليبي، هذا فضلاً عن تأكيد المدعى العام للبرهان بأن التحقيقات الخاصة بجرائم الحرب في دارفور ستشمله.
عاد البرهان من نيويورك إلى السودان تشده أيادي المجتمع الدولي الطامحة لتحقيق السلام عبر المفاوضات فيما تصر على قيادات الحركة الإسلامية على استمرار الحرب و(البل) مهما ثقلت تكاليف هذا الخيار، ونست غافلة قانون دعم الإنتقال الديمقراطي للسودان، والمصادق عليه بتاريخ ١٠ ديسمبر ٢٠٢٠م، بأغلبية ديمقراطية وجمهورية بالكونغرس، والملحق بقانون تمويل ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية.
وعندما لم تجد الولايات المتحدة طريقاً لإعادة استقرار السودان غير استخدام العصا لجأت لسيف العقوبات والذي طال هذه المرة الأمين العام للحركة الإسلامية في السودان ، ومهما كان رد فعل الحركة قوياً وبيانات ربيبها المؤتمر الوطني المحلول أكثر قوة إلا أن الرسالة الأولى التي تقرأ من هذه العقوبات هي تأكيدها على ضلوع الحركة الإسلامية في إشعال الحرب وتورط أمينها العام في ذلك وفي عرقلة المسار التفاوضي لوقفها.
صحيح أن قوات الدعم السريع إرتكبت إنتهاكات واسعة باحتلالها لبيوت المواطنين والمشافي فضلاً عن اغتصاب النساء وغيرها من الفظائع ولذلك هي أيضاً نالت جزاءها من قبل الخزانة الأمريكية بتوقيع عقوبات على القائد الثاني عبدالرحيم دقلو وشركات تتبع لهذه القوات ، وهذا يمثل ضربة موجعة لهذه القوات
لكن العقوبات التي وقعت على كرتي تعتبر ضربة كبيرة للإسلاميين وفيها رسالة مباشرة للفريق أول عبدالفتاح البرهان بالكف عن صلاته وتنسيقه مع الحركة الإسلامية (وما منحه لقائد كتيبة البراء بن مالك رتبة الرائد ببعيد عن ذلك).
يجب أن يدرك الأمين العام علي كرتي وقيادات الحركة الإسلامية بأن وهم العودة إلى السلطة عبر آلة العنف لم يرفضه الشعب السوداني فحسب بل أن هذا القرار سيجعل المجتمع الدولي أكثر يقينا بأن الحركة الإسلامية هي التي أشعلت الحرب وبالتالي ستتوالى العقوبات.
من المؤكد أن هذه العقوبات ستقوي من الجبهة المدنية لوقف الحرب وتعطي فرصة لبروز خطاب وقف الحرب وفي ذلك عودة صحية سترجح كفة السلام ، ويجب على العقلانيين في الحركة الإسلامية طي هذه الصفحة وتجنيب البلاد المهالك فلم تعد هناك فرصة واحدة للمناورة والمزايدة بإسم الدين أو الوطنية المزعومة فعقارب الساعة لن تعود إلى الوراء والانتحار جريمة ...و(السلام هو الحل).
الجريدة
ما أن أصدرت الخزانة الأمريكية عقوباتها على أمين الحركة الإسلامية في السودان حتى إنبرى المدافعون وفي مقدمتهم حركته وربيبها حزب المؤتمر الوطني المحلول، فقد إعتبرا العقوبات وسام وقلادة شرف على صدر كرتي، فيما دافع بعض الموالين لنظام المخلوع عن كرتي ووصفوه بالإسلامي المعتدل وأكثر وزير خارجية في عهد المخلوع البشير عمل على تطوير وتحسين العلاقة الملتبسة بين الخرطوم وواشنطن منذ مهاد الإنقاذ، مستدلين بالعلاقات الجيدة للرجل برجالات الدين المتشددين في أمريكا واستيراده منظومات الري الخاصة بشركة زادنا من واشنطون بدلاً من الصين التي لم تكن وقتها تحاصر الإنقاذ كما فعلت الولايات المتحدة.
هذا الدفاع يصطدم بكثير من الحقائق الدامغة التي تشير إلى أن الحديث المكرور لعلي كرتي منذ سقوط البشير بأن الحركة الاسلامية السودانية اختارت السلمية كطريق للمقاومة ونأت عن ممارسة العنف السياسي، هو حديث تكذبه الوقائع والأحداث.
منذ سقوط البشير هدفت الحركة الإسلامية إلى الوصول لسدة الحكم مرة أخرى مهما كلفها ذلك من تكاليف، وراهنت قيادات المؤتمر الوطني المحلول على علي كرتي، وأوكلت إليه مهمة التغيير لتبدأ الحركة الإسلامية إفتعال الأزمات ليس بالتظاهرات ومسيرات الزحف الأخضر وإنما بالضلوع في مجزرة فض الاعتصام وتدبير الإنقلابات (إبتداء من إنقلاب هاشم إلى انقلاب 25 أكتوبر)، مع مواصلة التضليل بالضرب على وتر الخوف على الدين من العلمانيين الذين لن يطبقوا الشريعة الإسلامية.
وبالرغم من أن خطة كرتي نجحت في تقويض حكومة الثورة بقيادة دكتور عبدالله حمدوك إلا أن خطاب الحركة الإسلامية لم يغيب الحقائق الصلبة لفسادها خاصة وأن ذاكرة الشعب السوداني مليئة بما نشرته لجنة إزالة التمكين واسترداد الأموال المنهوبة في هذا الصدد وخير نموذج ومثال لذلك إستحواذ كرتي على 99 قطعة أرض بالخرطوم.
في المقابل ظل موقف المكون العسكري بشقيه (الجيش- الدعم السريع) غير مهتم بالتهديدات والوعيد البائن لخطاب قيادات الحركة الإسلامية عبر تجمعاتها التي بدأت بما يسمى بمسيرات الزحف الأخضر .. من المؤكد أن صمت المكون العسكري عن الممارسات التهديدية الواضحة أغرى أنصار المؤتمر الوطني بتفجير الأوضاع حال أي تسوية سياسية، خاصة بعد أن بدلت قوات الدعم السريع موقفها وأبدت موافقتها على الإتفاق الإطاري.
ليس ما وثق بالصورة والصوت من مخاطبات قيادات الحركة الإسلامية هو شاهد العدل الوحيد على أن ثمة نية مبيتة لعرقلة الإتفاق الإطاري بأي وسيلة، بل كان واضح تماماً فقد أشارت بعض القيادات السياسية أن الضباط الإخوان في الجيش ظلوا يضغطون على قائده الفريق عبدالفتاح البرهان لإشعال هذه الحرب، وبحسب ما روى القيادي البارز في قوى الحرية والتغيير طه عثمان فإنه في اليوم الذي اشتعلت فيه الحرب فجر السبت الـ 15 من أبريل الجاري كان هناك اجتماع مهم انتهى في الساعة الثالثة من فجر ذلك اليوم بين كل من البرهان وحميدتي مع الرباعية والثلاثية والأحزاب الموقعة على الاتفاق الإطاري، وانتهى الاجتماع بالاتفاق على تكوين لجنة لخفض التوتر بين الجيش والدعم السريع برئاسة الدكتور الهادي إدريس وعضوية الفريق خالد عابدين ممثلاً للقوات المسلحة واللواء عثمان ممثلاً للدعم السريع، لتتلقى الرباعية والأطراف التي كانت في ذلك الاجتماع بعد ساعة من انفضاضه، أي في الرابعة صباحاً، إخطاراً من قيادة الدعم السريع في معسكر منطقة سوبا بأن قوة من الجيش تحاصر معسكرهم ومعسكرات أخرى للدعم السريع محاصرة من طرف الجيش، وتندلع الحرب بعد ذلك في الساعة التاسعة صباحاً، أي بعد ست ساعات من اجتماع البرهان وحميدتي والرباعية واتفاقهما على خفض التوتر.
ورغم محاولات النكران المستمرة لقادة الجيش بعدم صلتهم بالحركة الإسلامية تجد تحركاتهم تكشف بالدليل القاطع علاقتهم بالتنظيم، ففي الوقت الذي ينشط فيه كرتي وهرون في دعم الجيش وقيادة الإستنفار زار قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان فور خروجه قائد كتيبة البراء بن مالك الجهادية المصباح ابو زيد طلحة الذي اصيب خلال اشتباكات بين الجيش والدعم السريع بالخرطوم حيث كان يرقد مستشفياً بمستشفى عسكري بمدينة عطبرة.
قبلها في 15 يوليو 2023 ، ذكرت وكالة السودان للأنباء أن إسماعيل العاقب والي ولاية الجزيرة المكلف، واللواء الركن أحمد الطيب عمر قائد الفرقة الأولى مشاة، دشنا بمعسكر الإحتياطي المركزي بمدينة ودمدني إنطلاق إستنفار المجاهدين لنصرة القوات المسلحة، إستجابة لنداء القائد العام للقوات المسلحة للشباب.
هذا جزء من حالة عبثية لها أبعاد خطيرة تتجه نحوها الحرب الدائرة في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، خاصة بعد الحديث عن تورط عناصر جهادية سودانية متطرفة جرى قتلها أو أسرها وهي تحارب بجوار الجيش. كما أن هذا التطور الخطير، لا يعزز فقط من حالات التحذير من مغبة وقوف عناصر من التنظيمات الجهادية وراء إحتدام المعارك في الخرطوم، والعمل على إفشال مبادرات وقف الحرب وعرقلة الوساطات لمنع العودة إلى العملية السياسية السابقة، بل يتعداها إلى مظان ترفع عقيرتها بدخول خلايا الإرهاب الدولي للقتال جنباً إلى جنب مع الجيش السوداني.
هذا الأمر أعاد بلا شك نظر كثير من الجهات التي التزمت الحياد في الحرب، أو تلك التي دافعت عن البرهان باعتباره ينتمي إلى مؤسسة عسكرية نظامية تدافع عن وحدة الدولة، بينما هو يدير حرباً لحساب (الحركة الإسلامية السودانية) والتي وجدت فيها فرصة لخلط الأوراق طمعاً في السيطرة على المشهد العام
وبحسب تقرير للمركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات، فإن استمرار الصراع في السودان، خصوصاً في العاصمة الخرطوم، إلى تداعيات سلبية، بما يعيد أنشطة الجماعات المتطرفة مجددا، ليس فقط بسبب كميات الأسلحة التي باتت في الشوارع، وإنما لتوارد أنباء عن عمليات هروب لعدد من المتطرفين الذين كانوا موقوفين في السجون. كذلك تصاعدت المخاوف من ازدهار تجارة البشر ناهيك عن المخاوف المتعلقة من تسرب “الجهاديين” من دول تنشط فيها هذه الجماعات عبر الحدود في 8 مايو 2023.
ويرى “فيديريكو مانفريدي فيرميان” المحاضر في معهد الدراسات السياسية بباريس”هناك خطر من أن الجماعات الإسلامية ذات الإيديولوجية السلفية الجهادية يمكن أن تنتهز الفرصة لتأسيس وجودها في بلد استراتيجي للغاية يقع بين منطقة الساحل والقرن الأفريقي وأن “احتمال الانهيار الكامل للدولة السودانية في هذه المرحلة مرتفع للغاية.
في 28 يونيو الماضي، نشرت رويترز تقريراً يتحدث عن قتال الآلاف ممن عملوا في جهاز المخابرات العامة ولديهم صلات بالتيار الإسلامي وآلاف الإسلاميين، إلى جانب الجيش، ما يعقّد جهود إنهاء إراقة الدماء، ولكن هذه ليست البداية فقد سبقتهم في القتال جنباً إلى جنب مع الجيش كتيبة البراء بين مالك التي تتبع إلى قوات الدفاع الشعبي.
وبعد عزل البشير، ورغم المطالب الشعبية بحلّها، قرر البرهان تحويل اسمها إلى قوات الاحتياط، وما أن زادت حدة المعارك حتى استعان الجيش بمجاهدي البراء اللذين لم يخفُ مشاركتهم مع الجيش، بل أعلنوها عبر (فيديو) بثوه في مواقع التواصل الإجتماعي مرددين فيه شعارات جهادية إسلامية مثل (فليعد للدين مجده أو ترق كل الدماء).
لقد تواجدت عناصر كتيبة البراء بن مالك في سلاح المدرعات، وسلاح المهندسين، وفي قاعدة قوات الاحتياطي المركزي في أم درمان (وهي فصيل تابع لقوات الشرطة فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات لدوره في قمع الاحتجاجات السلمية الرافضة استمرار الحكم العسكري في العنف المفرط).
وبعد هروب قيادات الإخوان المتهمين في قضية إنقلاب البشير 1989 وفي جرائم الإبادة الجماعية في دارفور وفي قضايا متصلة بالفساد، أزداد التحاق الإسلاميين بالجيش وبدأوا يتحركون بقوة للحشد وتحريض قواعدهم والمواطنين للقتال مستفيدين من دعوة أطلقها القائد العام للجيش عبدالفتاح البرهان للمواطنين للقتال مع الجيش في معركة الكرامة.
ولم تمض أيام من إعلان نائب رئيس المؤتمر الوطني المحلول أحمد هرون عن تأييد حزبه للجيش وإسناده له في معركة الكرامة حتى وإنشغلت وسائل التواصل الإجتماعي بمقتل رئيس منظومة الفكر والتأصيل في (الحركة الإسلامية السودانية) محمد الفضل عبد الواحد عثمان خلال مواجهات عسكرية بمنطقة الشجرة وهو يقاتل في صف الجيش ضد قوات الدعم السريع.
إن نشاط خلايا الجهاديين وظهور ملامح بمشاركة العناصر المتطرفة في الحرب يؤكده دخول تنظيم أنصار الشريعة الحرب بقوة، وللتنظيم علاقة وثيقة بنظام البشير وإسلامييه وعلاقة البيعية مع تنظيم القاعدة.
أسس هذا التنظيم في السودان عبد الإله حمزة، نجل الزعيم الراحل لأنصار السنة أبو زيد محمد حمزة المدان في قضية مقتل الموظف في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية جون غرانفيل مطلع 2008
في أغسطس الماضي نشر التنظيم عبر دار “بيت المقدس” إحدى الواجهات الإعلامية لتنظيم القاعدة كتاباً جديداً بعنوان: (الآن جاء القتال.. رسائل حرب إلى المجاهدين في السودان) ذكر أنّه “للشيخ أبي حذيفة السوداني يوجهه للسودان بشكل خاص”.
وقال المؤلف في مقدمة كتابه: “هذه رسائل حرب أضعها في بريد المجاهدين في السودان، ذلك أنّ الواجب الشرعي يحتم علينا القتال نصرة للدين حتى تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى.
والغريب أنه بعد كل هذه الخطوات وهذه التحركات المكشوفة والمبذولة ظن أنصار النظام البائد أن أمريكا فقط ستسل سيفها على الدعم السريع فقط وتغض الطرف عنهم، وأن قانون العقوبات الخاص باللذين يعوقون الاستقرار والتحول الديمقراطي لن يطالهم لأن لديهم حصانة ضده، خاصة بعد علو كعب صوتهم عن طريق حملات المزايدة بالوطنية ومحاربتهم لدعاة وقف الحرب ووصفهم بأنهم مجرد خونة يصطفون في (طابور) تمام قوات الدعم السريع ويأتمرون بأمرها.
راهن كرتي على زيارات البرهان الخارجية خاصة وأن المناخ كان مهيأ لقبول الرجل بيد أن أكبر تحدي واجهه هو قربه من عناصر النظام البائد اللذين يصرون على استمرار الحرب غير مكترثين لتحذير أقرب حلفائهم.. فقد قال مدير تحرير الإهرام المصرية بوضوح إن مصر ستبلغ البرهان أنها لا توافق على تشكيل حكومة من البحر الأحمر، وعضدت ذلك التحذير تغريدة الخبير الإقتصادي الألماني باتريك هانشن الذي أوضح فيها أن زيارات البرهان الخارجية فشلت وأن حليفه السيسي يرفض تشكيل حكومة مؤقتة خوفاً من تقسيم السودان على غرار السيناريو الليبي، هذا فضلاً عن تأكيد المدعى العام للبرهان بأن التحقيقات الخاصة بجرائم الحرب في دارفور ستشمله.
عاد البرهان من نيويورك إلى السودان تشده أيادي المجتمع الدولي الطامحة لتحقيق السلام عبر المفاوضات فيما تصر على قيادات الحركة الإسلامية على استمرار الحرب و(البل) مهما ثقلت تكاليف هذا الخيار، ونست غافلة قانون دعم الإنتقال الديمقراطي للسودان، والمصادق عليه بتاريخ ١٠ ديسمبر ٢٠٢٠م، بأغلبية ديمقراطية وجمهورية بالكونغرس، والملحق بقانون تمويل ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية.
وعندما لم تجد الولايات المتحدة طريقاً لإعادة استقرار السودان غير استخدام العصا لجأت لسيف العقوبات والذي طال هذه المرة الأمين العام للحركة الإسلامية في السودان ، ومهما كان رد فعل الحركة قوياً وبيانات ربيبها المؤتمر الوطني المحلول أكثر قوة إلا أن الرسالة الأولى التي تقرأ من هذه العقوبات هي تأكيدها على ضلوع الحركة الإسلامية في إشعال الحرب وتورط أمينها العام في ذلك وفي عرقلة المسار التفاوضي لوقفها.
صحيح أن قوات الدعم السريع إرتكبت إنتهاكات واسعة باحتلالها لبيوت المواطنين والمشافي فضلاً عن اغتصاب النساء وغيرها من الفظائع ولذلك هي أيضاً نالت جزاءها من قبل الخزانة الأمريكية بتوقيع عقوبات على القائد الثاني عبدالرحيم دقلو وشركات تتبع لهذه القوات ، وهذا يمثل ضربة موجعة لهذه القوات
لكن العقوبات التي وقعت على كرتي تعتبر ضربة كبيرة للإسلاميين وفيها رسالة مباشرة للفريق أول عبدالفتاح البرهان بالكف عن صلاته وتنسيقه مع الحركة الإسلامية (وما منحه لقائد كتيبة البراء بن مالك رتبة الرائد ببعيد عن ذلك).
يجب أن يدرك الأمين العام علي كرتي وقيادات الحركة الإسلامية بأن وهم العودة إلى السلطة عبر آلة العنف لم يرفضه الشعب السوداني فحسب بل أن هذا القرار سيجعل المجتمع الدولي أكثر يقينا بأن الحركة الإسلامية هي التي أشعلت الحرب وبالتالي ستتوالى العقوبات.
من المؤكد أن هذه العقوبات ستقوي من الجبهة المدنية لوقف الحرب وتعطي فرصة لبروز خطاب وقف الحرب وفي ذلك عودة صحية سترجح كفة السلام ، ويجب على العقلانيين في الحركة الإسلامية طي هذه الصفحة وتجنيب البلاد المهالك فلم تعد هناك فرصة واحدة للمناورة والمزايدة بإسم الدين أو الوطنية المزعومة فعقارب الساعة لن تعود إلى الوراء والانتحار جريمة ...و(السلام هو الحل).
الجريدة