كرورنا واستهتار الناشطين

 


 

 

 

صحيفة التيار 24 مارس 2020

من المحزن جدًا، أن يضع بعض الناشطين، السياسيين، من الشباب السوداني، جائحة كورونا، حصريًا، في إطار نظرية المؤامرة. بل من المؤسف، حقًا، أن يعمي الغرض السياسي، الضيق، هؤلاء الناشطين، من رؤية الأمور، على ما هي عليه، في حقيقتها. فالمرض الذي يسببه فيروس كورونا يمثل جائحةً عالميةً، شبيهةً بكثيرٍ من الجوائح، التي اجتاحت الكرة الأرضية، من أقصاها إلى أدناها، في فتراتٍ مختلفةٍ من التاريخ القديم، والحديث. من هذه الجوائح: الطاعون، والجدري، وأنواع الإنفلونزا المختلفة، وغيرها من الأوبئة الفتَّاكة، سريعة العدوى.

لو انصرف هؤلاء الناشطون، الذي جعلوا عقولهم في ألسنتهم، إلى متابعة النشرات العالمية، وقراءة التقارير التي ترد، ساعة، بساعةٍ، كل يوم، ورأوا مبلغ الجدية الذي تواجه به الأمم المختلفة، هذا النوع الخطير من الجوائح، لربما توقفوا عن هذا الهراء الباطل، الذي يمارسونه، بجهلٍ، وبرعونةٍ كبيرةٍ، على وسائط التواصل الاجتماعي. ولربما آثروا، بسبب ذلك، أن يباعدوا بين أنفسهم، وهذا التشويش الساذج، والصيد في ماء السياسية العكر. من المخجل جدًا أن ينخرط هؤلاء الناشطون، الذين استبدلوا الحياة الحقيقية، بالعيش في أثير وسائط التواصل الاجتماعي، في الترويج لهذا الخطاب الضار بتدابير الاحتراز، التي تحاول السلطات، السياسية والصحية، على المستوى الكوكبي، والإقليمي، والمحلي، الحث عليها. بل، وتقوم، كثيرٌ من الدول، أحيانًا، بفرضها بقوة القانون. ليس من المقبول، إطلاقًا، أن يسوق أحدًا موقفه السياسي من "قحت"، أو من غيرها، إلى التلاعب بالأمن الصحي للمواطنين، وبحيواتهم، وإلى بلبلة الرأي العام. بل، وإيهام البسطاء، أنه لا يوجد خطرٌ، أصلاً. وأن الإجراءات المتخذة، مجرد لعبةٍ سياسيةٍ، من "قحت"، تريد بها شراء الوقت، لتحقيق مكاسبٍ، سياسيةٍ، آنية.

في تقديري، ينبغي مواجهة هذا النوع من المسلك الضار، بقوة القانون. وأقترح على السيد وزير العدل، أن ينتهز هذه الفرصة، ويسعى لإصدار تشريعاتٍ خاصةٍ بمثل هذه الظروف، الاستثنائية، التي نمر بها الآن، والتي ربما تمثل التجربة الأولى لنا، بهذه الصورة، في تاريخنا المعاصر. وإن كانت مثل هذه التشريعات، موجودةً، فعلاً، عليه انفاذها بقوةٍ وحزم. ينبغي أن يؤخذ بقوة القانون كل من يبث رسائل مناقضة، لما توجه به السلطات الصحية، ولما توجه به السلطة التنفيذية، بناءً على رأي السلطات الصحية، في مثل هذه الظروف الكارثية. أيضًا، لابد من رفع سلاح القانون في وجه كل من يحاول الإخلال بالموجهات، بالدعوة إلى التجمعات، والمواكب، في مثل هذه الظروف، أيضا. لقد قامت كبرى الديمقراطيات في العالم بإنزال الشرطة، بأعدادٍ غفيرةٍ في الشوارع. بل وأنزلت، إضافة إلى ذلك، قوات الاحتياطي، والحرس الوطني، لتفرض حظر التجول. وهددت باعتقال من يخالفون التوجيهات. فكيف نترك لحفنةٍ من الهواة، قليلي المعرفة، قليلي التجربة، يعملون على هدم الإجراءات التي يسعى كل الكوكب لفرضها؟ والتي ما اتُّخذت، إلا لحفظ أرواح الناس.

 

آراء