أصل الحكاية
واحدة من مصائبنا في الرياضة إننا نتعاطي الكرة ( نموذج) مثل تعاطينا للسياسة ،فقد فشلنا حتي الآن في الفصل بين الإتنين ، حتي مفرداتنا الكروية أصبح طابعها سياسي ، بل تكونت لدينا قناعات لاعلاقة لها بالعمل الرياضي ، بالدرجة التي يمكن أن تشك أن الرياضة وتحديا كرة القدم صارت دولة داخل دولة ، فكثيرا مانسمع ونري ونقرأ آراء ومواقف تعتبر علي سبيل المثال لا الحصر أن الهلال والمريخ جزء لايتجزا من موروثنا الثقافي والفكري والحضاري ، وأنهما يشكلان وجدان الشعب السوداني ، وأنهما مثل الماء والهواء عند أهل السودان ، وأن الشعب السوداني بأكمله منقسم بينهما ، ويذهب الأمر إلي أبعد من ذلك أن الطفل بعد ميلاده والقيام بالطقوس الدينية المتبعة ، تحدد وجهته للهلال أم المريخ لذلك نسمع تعليقات ( هلالابي بالميلاد أو مريخابي من فتحت عيوني علي الدنيا) .
و إذا توقفنا عند أهل السياسة أو المثقفين المنحازين لكرة القدم وأصحاب الإنتماءات لهذا النادي أو ذاك ، يمكن أن يلفت إنتباهنا بعض الملاحظات الطريفة إن جاز التعبير والتي تستحق أيضا المحاسبة لو كانت هناك دولة قانون ، فالإنحياز الواضح للمشاكل والازمات التي يفتعلها الناديين لاتخطئه عين ، والتدخل السياسي السريع علي أعلي مستويات الدولة والذي يتحول إلي أزمة داخل الأزمة يتم بالصوت العالي وينشر من خلال وسائل الإعلام المختلفة ، مع أنه في قوانين الكرة وأهدافها ومبادئها التدخل السياسي ممنوع ومرفوض ويتعرض النشاط الرياضي في الدولة للتجميد ولعقوبات يمكن أن تصل مرحلة الشطب .
أما بعض المثقفين والنخب السياسية فيتعاطون كرة القدم بعاطفة المشجع البسيط ممزوجة بكثير من ( الفلسفة) وفي أقوال أخري إدعاء المعرفة ( يمكن أن أفتي بماأعرف وما لاأعرف) ، لذا تأتي معظم الآراء بعيدة عن المفاهيم الحقيقية لكرة القدم ولأهدافها كما ذكرت ومبادئها المعروفة وعلي رأسها ( الإستقلالية) بكل ماتحمل هذه الكلمة من معني .
فكل مايجري عندنا ( كلام فارغ) لاعلاقة له بكرة القدم ، فالهلال والمريخ يمكن أن تكون لهما الشعبية الطاغية في السودان ، وقد يكون الشعب السوداني منقسم بينهما ، ولكنهما بكل تأكيد لن يصلا شعبية أندية عالمية كثيرة لها عشاق في كل مكان في العالم ( البارسا ، الريال ، المان ، آرسنال ، ميلان ، الإنتر ، اليوفي وغيرها ) ، بل إن هذه الأندية تزاحم الآن هلال مريخ في الشعبية بالسودان ، وبالتالي المقارنة معدومة .
ومع ذلك هي أندية عادية تخضع للوائح والقوانين التي تحكم كرة القدم ، ولايوجد نادي مهما كانت شعبيته أو تأثيره علي النشاط الرياضي في العالم فوق الحساب والقانون ، فلم نسمع يوم عن أن تشكيل الوجدان ومورثنا الثقافي والحضاري جعلا الدنيا تقف وترفض الجلوس لأن أخطاء النادي ستعرضه للعقاب القاسي .
هناك فرق بين التعامل مع كرة القدم (كلعبة) للمتعة والإمتاع والإثارة والإبداع، وبين القدسية التي نضعها لأندية تمارس نشاط مثلها مثل أي نادي يمارس النشاط في العالم ، هم (العالم المتقدم كرويا) ، يتعامل بالمنطق الأول ، ونحن نتعامل بالمنطق الثاني ، هم ذهبوا بعيدا فيها لأنهم إحترموا متعة اللعبة ، ونحن نتدهور بسرعة الصوت لأن (فقه الكيانات) عندنا هو الذي يسيطر . باالله مش كلام فارغ ؟
المصيبة أن الهلال والمريخ لاعلاقة لهما بالإسم المتداول ( هلال السودان ومريخ السودان) .. شفتو المصيبة ؟ إعود للتطرق لهذا المفهوم في وقت لاحق .
hassan faroog [hassanfaroog@hotmail.com]