كل الطرق مغلقة .. ثم ماذا بعد؟ … بقلم: عادل الباز

 


 

عادل الباز
10 October, 2010

 


ها قد غادر أعضاء مجلس الأمن البلاد بعد أن خلقوا حراكاً إعلامياً ووضعوا بصورة مكثفة قضية السودان تحت الأضواء العالمية. لم يكن من المتوقع أن يحصد الوفد الأممي أي نتائج فورية، كما لم يكن متوقعاً أن يتخذوا مواقف عدائية أو منحازة لأيٍّ من الأطراف. التصريحات التي أدلوا بها في ختام زيارتهم لم تتجاوز التأكيد على مواقفهم من القضايا التي استمعوا لأطرافها، وأنهم سيضعون مواقف الأطراف تحت المراقبة. بهذه الزيارة وما سبقها من خطابات في مجلس الأمن عشية انعقاد الجلسة الخاصة بالسلام في السودان؛ يكون المجتمع الدولي قد انتهى إلى نتائج محددة، وعليها سيبني تحركه المستقبلي. المجتمع الدولي ليست بيديه أوراق ضغط كثيرة، لتليين أيٍّ من مواقف الطرفين، والقضايا المطروحة للحوار أشد تعقيداً من أن تتم تسويتها بأيدي أطراف خارجية، ولذا سيظل الموقف الدولي متفرجاً على تداعيات ما سيجري في السودان، من هنا وحتى التاسع من يناير المقبل.
الآن تبدو كل الطرق مغلقة ومسدودة تماماً، وليست هناك بارقة أمل في حسم أيٍّ من الملفات التي يجري التفاوض حولها داخلياً وخارجياً.
لجنة الحدود التي أوكل إليها ترسيم الحدود أنجزت على الورق أكثر من ثمانين في المائة، ولكن ما جدوى الحدود على الورق؟ وصلت اللجنة إلى طريق مسدود؛ لأن الحركة الشعبية لا ترغب في الاستمرار في أعمال اللجنة، لأسباب تعلمها هي، ولأن الجنوب ليس متعجلاً على ترسيم الحدود الآن، وينتظر أن تقوم دولته ثم يأتي لترسيم الحدود كدولة وليس كحكومة إقليمية داخل دولة السودان القديم. سيوفر الوضع الجديد للحركة موقفاً تفاوضياً قوياً لا تتمتع به الآن، لذا هي تتلكأ في ترسيم الحدود. الفرق التي ذهبت لترسم الحدود على الأرض تم استهدافها بتحطيم آلياتها وطرد مهندسيها من المناطق التي ذهبوا إليها لبدء الترسيم. إلى هنا انفضت اللجنة وطوت أوراقها في انتظار تفاهم الشريكين. ولجان الشريكين تعجز عن إنجاز اجتماع واحد. هذه اللجنة وصلت إلى طريق مسدود!!
في أديس أبابا حيث يخوض المسيرية ودينكا نقوك مفاوضات مستحيلة حول أبيي؛ لا جديد. والتصريحات من الطرفين تؤكد ألا جدوى من استمرارها، فقد تمسك المسيرية بحقهم في التصويت في الاستفتاء، وأنكر الدينكا أية أحقية للمسيرية كمواطنين في أبيي تؤهلهم للتصويت. الأنباء تقول إن المفاوضات انهارت، وتوجه وفد الدينكا إلى جوبا، والمسيرية في طريقهم إلى الخرطوم. طريق مسدود آخر يوقف الشريكين.
في مفاوضات الشريكين حول الجنسية المزدوجة انتهى المتفاوضون إلى موقفين متباعدين جداً، مما حدا باللجان التي تتفاوض أن تطوي أوراقها داخل الغرف المغلقة وتبدأ إذاعة مواقفها على صفحات الصحف، مما زاد من تأزيم الأزمة وتصاعدها، لا سيما بعد حقنة الدكتور كمال عبيد!! الطريق مسدود ولا يمكن المرور من هنا.
أما اللجان الأخرى المتعلقة بالديون والنفط وغيرها؛ فحدث ولا حرج، لا حس لها ولا ذكر.
هكذا كل ملفات التفاوض أغلقت طرقها، ولا سبيل للحل في الوقت الذي تعلن فيه كل الأطراف أن الاستفتاء في موعده الذي هو مقدس عند الحركة الشعبية، ولا أحد يقول لنا أي طرق سيسلكون للوصول إلى المحطة النهائية تلك؟ المؤتمر الوطني يصر على حسم كافة القضايا العالقة قبل الاستفتاء، والحركة الشعبية لا يهمها شيء سوى الوصول إلى محطة الدولة، والشعب السوداني كله الآن يشاهد ما يجري ويطرح التساؤلات بلا مجيب: إلى أين نحن مساقون؟ هل هناك انفصال؟ بل هل هناك استفتاء سيجري في الأصل؟ وكيف؟ هل نحن متجهون نحو حرب أم سلام؟ هل للوحدة فرص حقيقية أم انتهى الأمر؟
تأكل الناس الحيرة، وحالة من عدم اليقين تنتاب السودانيين، فالإعلام يرغي كثيراً ولكنه لا يقول كلاماً مفيداً! ليست للحركة إجابات، وكذا المؤتمر الوطني والمجتمع الدولي ولا أحد إطلاقاً يملك إجابة على الأسئلة المصيرية التي ينبغي أن تحسم في غضون تسعين يوماً. أيُّ بلد هذا؟ يقرر مصيره مرتين، وفي المرتين لا يعرف أهله ما إذا كان سيمضي إلى جنة سلام أم إلى محرقة حرب؟!
 

 

آراء