كمال الجزولى وتمثال الحرية
تاج السر الملك
9 November, 2023
9 November, 2023
أطل فجر اللجوء...
فتحولت أميركا إلى ( ود رعية)، لا تنقصها إلا نغمات ( باظ الجزيرة وصل)، اللحن الموقع مثل نفخ الصور، كل صباح من صباحات الله، فى سماء (ود مدني). عمرت الأفراح، وتوالت الأتراح، وخرج البني كجة للأسواق، بالجلابيب البيضا المكوية، وتبدت في كامل ألوان الطيف، التياب بأنواعها ومصادرها، وحتى المنقرض منها، (أب قجيجة ورسالة لندن)، و(أسير الغرام)، والذي سادت موضته فى الستينات، وأعلن طلاب الورق، ( الاسم الحركي للقرين كارد)، بناءً على ذلك، عصياناً مدنيا، و تمرداً، على (عزباوات) (كليمانجارو نايت كلوب)، و(ثيرد ورلد كلوب)، فى كل من (دى سى)، و(نيو جيرسى)،ـ وبعض مواقع في الساحل الغربي، عدا (اوكلاند)، فإننا لا نعلم عنها معلومات كاملة، فعلوا بالعزباوات، مالا تقدر عبارة واحدة على التعبير عنه، سوى انهم
(فكوهم عكس الهوا)!! ..
وبدأت رحلة جديدة، ودأب من نوع آخر، وزحف حثيث نحو شمس (الورق)، وداعاً لسماسرة ورق المزارع، وداعاً للدكاكين التى ما أفاد منها أحد، غير دروس اللغة اليمنية كلغة ثالثة، وتعابيرها المألوفة، مثل: (نجح الطبخة نص نجوحى..لا تخليها تتدقدق بالحما!
وعدا ذلك، النجاة من الموت الزؤام، بحد ال(ماغنوم 45)، أو شلخ المدى، لرسم ابتسامة ال (كول ايد)، على وجه الضحايا، موت لا عوض فيه، سوى فاتحة مبتسرة، فوق شفاه مطبقة، ونفوس مليئة بالحنق، والرهق والإحباط، نوع من الموت يسميه أخوتنا في الجنوب بالموت ( سمبلة) .. أونطة، بلا وازع و لا مبرر، حتى وإن طان للقتل مبرر!!
أطل فجر اللجوء..
وتجدد الأمل، ودبت الحركة في أروقة مكاتب المحامين، وردهات مكاتب الهجرة، إنتظار، وسط حشد من الشعوب والأمم، تقطف ورقة مرقمة، من بطن آلة باردة دهماء، قابعة في المدخل، وتجلس في انتظار أن ينادي عليك (جودو)، ( جودو) حاضر فى غرفة خلفية، برتبة ضابط جوازات، وأنت وجه، ضمن فيض الوجوه المحدقة في فضاء الغرفة، حتما ملاقيه، وجه من وجوه عدة، خالية من التعبير، فارغة، ترقب اللافتات الحمر المضيئة، المعلقة بعيد السقف، تتناوب إشهار الأرقام المتوالية، عبر زمن ينسفح في مساحة، تمتد من الأبد وإلى الأبد، وما بينهما تنسج عنكبوت الصبر، خيوط الأمل الواهية، أنت تزداد ضآلة في حضن النوافذ اللامعة الضخمة، وأزيز الهواء المتجدد، في أركان أربعة، متباعدة، ينتصب فيها آلهة أغريق، ببزاتهم الرسمية، تحتشد خواصرهم، بالقيود والمسدسات، والعصي الغليظة، وأرتال من وسائل القمع، والكلبشات وأجهزة اللاسلكي، الذي لا يسكت لحظة، وتجدك تهم بالقول
(يا حليلك يا عاصم كباشى)!.
ثم تبدأ بملء الفورمات، وقلبك يشهق بالفزع، كلما مررت على التحذيرات، والتأكيدات بوخيم العقاب، وخزي المآب..
افعل ..لا تفعل..
ثم تبدأ بذرف تاريخ حياتك كله، وبعض زيادة، و تأخذك الأسئلة المتلاحقة، إلى منتصف الفورم، إلى المكان الذي ستحدد فيه لأول مرة في حياتك، كسوداني مكانك من اللون والعنصر،
مربع(بلاك) مربع(وايت)! هل أنت أبيص؟ هل أنت اسود؟
يهرب منك النطق، وتتمنى (لو عفيتونى من الموضوع دا)، ثم تتبين مربعاً ثالثا أضافيا..
(آخرون)...
ولا تمتد فرحتك مسافة سجدة سهو، تكبس عليه، فينفتح المربع، عن قوس يحوى وصف ألآخرين، ويحددها
( شرق آسيويين..كاريبيون..)
و تجهد عينيك، علك واجد (سودانيون)، ولكن دون جدوى..
فتعكف بخبث، ومكر على أستدعاء كلمة ، يتيمة، مبهمة، مريبة
(شرق أوسطى)!!
وتحلم أن يهل عليك أخ عربي، ليطمئنك، ولوبكلمة (كيفك يا زول)، فتحس بأنك (بوليتيكالى ..كوريكت)!! ويعقب ذلك فصل تحلل الذات إلى مربعات أرقام، ميلادك، تعليمك، لونك، عرقك،
أصلك، فصلك، أحلامك، أمانيك، أسرتك، الجلكين والجلكينة، وحتى وصفة التقلية، وعملية الزائدة، زماااان، في مستشفى أبو عشر، وحلاوة المولد!!
كل ذلك يُعصر، ويُعصر، ويُضغط، ثم يُحشى، وصورتك المبحلقة، وبصماتك المكحلة بزيت السمسم، في أقل من 2 كيلوبايت، فى جوف الأخ الأكبر الحاسوب.
كان على المتقدمين، أن يبدأوا بمخاطبة محام، من النوع الذي يصوغ من الفسيخ شرباتا، وكان يتوجب في الفسيخ، أن يكون فسيخا مقنعاً، يبدأ بسؤال وجودي، من نوع (لماذا لا تود العودة إلى السودان؟؟)
ثم دعم دعواك، بمهددات حياتك في السودان، بأدلة قد يجوز من بينها خطاب من البشير شخصياً، يقرأ: (الزول دا كان فكيتو لى بكتلو)
ولا يجوز للسلطات الأمريكية، العلم بأن التهديد الشخصى فى السودان، جائز ومقبول، بل ومستحب، فى ثقافتنا، كقولهم (أقوم عليك هسة أفرتق زينتك..الخ الخ..)، (أديك ام دلدوم أوصلك آخر الخرتوم) أو تهديدك (بالبلنجة)، والتى لا نعرف لها أصل شرق أوسطي.
ثم أنك مطالب شخصياً، بسرد تجربة خاصة، تؤكد مخاوفك، وتعزز مطلبك للبقاء، ضيفاً (أخضراً)، فى بلاد العم سام، فتحول من تحول إلى (مراغنة)، و(مهديين)، ونقاباتيين، وتوهم البعض من فرط جودة الصياغة المحاماتية، العرضحالجية، أنهم ولا محالة، أهل لحقائب الوزارة، في حكومة ما بعد الإنقاذ، حتى ولو سميت التجمع الوطنى!!
وهدرنا جميعا بالبكاء، من وجع اكتشاف الظلم الذى حاق بنا، ونحن في غفلة، وخرجنا في تظاهرات عارمة، نغنى (كوانج كوى)، ونهتف، بأن (نحن الطيور أيها الإنسان)، في لحظات طيورية نادرة.
ثم أزف الموعد..
الموعد لمقابلة المحامى، وبعد أن طمأنني على سير الطلب، وأن كل شئ على ما يرام، طلب منى أن أوفر له الأدلة، (قصاصات جرائد، بيانات أمم متحدة، وحرب الجنوب)، وحينما عجزت عن إجابة طلبه، امتدت يده إلى درج أسفل، وأخرج لي مستنسخات، عن قوائم صحفيين، اعتقلتهم السلطات في السودان، وأكد لى، عظم جدوى أن يكون لي زملاء، أو حتى معارف بينهم
عكفت على القائمة، فما وجدت إسماً لزميل، أو صديق بينهم، حتى كدت أن أصيح به، (جايب لى أسماء صحفيين من جيبوتى)..
وفجأةً
أشرق اسم (كمال الجزولي)..
تهللت فرحا و قلت للرجل (ينفع أكون بعرف أخوه، عبد المعم ياخ الجزلوت؟؟)
هز رأسه نافيا، قال لا بأس
قلت (إذن بالحليل) بعرف كمال!
وحملنا صورة (كمال)، معنا يوم (الانترفيو)، (كوبى) عن (كوبى) عن (كوبى)، دخلنا مكتب (جودو)، وهنالك قرأت إسم (كمال)، مقترناً ب(ديللا) تيمنا بمانديللا، و مرة (كماليفارا)، تيمناً ب (شى جيفارا)، وكذا ( كملاندى) على حس (غاندى)، أو (اليندي) في رواية أخرى، تحاشيت (ابو كمال)، لأن أبو عمار رحمه الله، لم يكن (بوبيولار) في هذه الأصقاع.
وهكذا كتب لنا (القرين) و كمال الجزولى ندين .
تاج السر الملك 1992
tajmultimedia@gmail.com
فتحولت أميركا إلى ( ود رعية)، لا تنقصها إلا نغمات ( باظ الجزيرة وصل)، اللحن الموقع مثل نفخ الصور، كل صباح من صباحات الله، فى سماء (ود مدني). عمرت الأفراح، وتوالت الأتراح، وخرج البني كجة للأسواق، بالجلابيب البيضا المكوية، وتبدت في كامل ألوان الطيف، التياب بأنواعها ومصادرها، وحتى المنقرض منها، (أب قجيجة ورسالة لندن)، و(أسير الغرام)، والذي سادت موضته فى الستينات، وأعلن طلاب الورق، ( الاسم الحركي للقرين كارد)، بناءً على ذلك، عصياناً مدنيا، و تمرداً، على (عزباوات) (كليمانجارو نايت كلوب)، و(ثيرد ورلد كلوب)، فى كل من (دى سى)، و(نيو جيرسى)،ـ وبعض مواقع في الساحل الغربي، عدا (اوكلاند)، فإننا لا نعلم عنها معلومات كاملة، فعلوا بالعزباوات، مالا تقدر عبارة واحدة على التعبير عنه، سوى انهم
(فكوهم عكس الهوا)!! ..
وبدأت رحلة جديدة، ودأب من نوع آخر، وزحف حثيث نحو شمس (الورق)، وداعاً لسماسرة ورق المزارع، وداعاً للدكاكين التى ما أفاد منها أحد، غير دروس اللغة اليمنية كلغة ثالثة، وتعابيرها المألوفة، مثل: (نجح الطبخة نص نجوحى..لا تخليها تتدقدق بالحما!
وعدا ذلك، النجاة من الموت الزؤام، بحد ال(ماغنوم 45)، أو شلخ المدى، لرسم ابتسامة ال (كول ايد)، على وجه الضحايا، موت لا عوض فيه، سوى فاتحة مبتسرة، فوق شفاه مطبقة، ونفوس مليئة بالحنق، والرهق والإحباط، نوع من الموت يسميه أخوتنا في الجنوب بالموت ( سمبلة) .. أونطة، بلا وازع و لا مبرر، حتى وإن طان للقتل مبرر!!
أطل فجر اللجوء..
وتجدد الأمل، ودبت الحركة في أروقة مكاتب المحامين، وردهات مكاتب الهجرة، إنتظار، وسط حشد من الشعوب والأمم، تقطف ورقة مرقمة، من بطن آلة باردة دهماء، قابعة في المدخل، وتجلس في انتظار أن ينادي عليك (جودو)، ( جودو) حاضر فى غرفة خلفية، برتبة ضابط جوازات، وأنت وجه، ضمن فيض الوجوه المحدقة في فضاء الغرفة، حتما ملاقيه، وجه من وجوه عدة، خالية من التعبير، فارغة، ترقب اللافتات الحمر المضيئة، المعلقة بعيد السقف، تتناوب إشهار الأرقام المتوالية، عبر زمن ينسفح في مساحة، تمتد من الأبد وإلى الأبد، وما بينهما تنسج عنكبوت الصبر، خيوط الأمل الواهية، أنت تزداد ضآلة في حضن النوافذ اللامعة الضخمة، وأزيز الهواء المتجدد، في أركان أربعة، متباعدة، ينتصب فيها آلهة أغريق، ببزاتهم الرسمية، تحتشد خواصرهم، بالقيود والمسدسات، والعصي الغليظة، وأرتال من وسائل القمع، والكلبشات وأجهزة اللاسلكي، الذي لا يسكت لحظة، وتجدك تهم بالقول
(يا حليلك يا عاصم كباشى)!.
ثم تبدأ بملء الفورمات، وقلبك يشهق بالفزع، كلما مررت على التحذيرات، والتأكيدات بوخيم العقاب، وخزي المآب..
افعل ..لا تفعل..
ثم تبدأ بذرف تاريخ حياتك كله، وبعض زيادة، و تأخذك الأسئلة المتلاحقة، إلى منتصف الفورم، إلى المكان الذي ستحدد فيه لأول مرة في حياتك، كسوداني مكانك من اللون والعنصر،
مربع(بلاك) مربع(وايت)! هل أنت أبيص؟ هل أنت اسود؟
يهرب منك النطق، وتتمنى (لو عفيتونى من الموضوع دا)، ثم تتبين مربعاً ثالثا أضافيا..
(آخرون)...
ولا تمتد فرحتك مسافة سجدة سهو، تكبس عليه، فينفتح المربع، عن قوس يحوى وصف ألآخرين، ويحددها
( شرق آسيويين..كاريبيون..)
و تجهد عينيك، علك واجد (سودانيون)، ولكن دون جدوى..
فتعكف بخبث، ومكر على أستدعاء كلمة ، يتيمة، مبهمة، مريبة
(شرق أوسطى)!!
وتحلم أن يهل عليك أخ عربي، ليطمئنك، ولوبكلمة (كيفك يا زول)، فتحس بأنك (بوليتيكالى ..كوريكت)!! ويعقب ذلك فصل تحلل الذات إلى مربعات أرقام، ميلادك، تعليمك، لونك، عرقك،
أصلك، فصلك، أحلامك، أمانيك، أسرتك، الجلكين والجلكينة، وحتى وصفة التقلية، وعملية الزائدة، زماااان، في مستشفى أبو عشر، وحلاوة المولد!!
كل ذلك يُعصر، ويُعصر، ويُضغط، ثم يُحشى، وصورتك المبحلقة، وبصماتك المكحلة بزيت السمسم، في أقل من 2 كيلوبايت، فى جوف الأخ الأكبر الحاسوب.
كان على المتقدمين، أن يبدأوا بمخاطبة محام، من النوع الذي يصوغ من الفسيخ شرباتا، وكان يتوجب في الفسيخ، أن يكون فسيخا مقنعاً، يبدأ بسؤال وجودي، من نوع (لماذا لا تود العودة إلى السودان؟؟)
ثم دعم دعواك، بمهددات حياتك في السودان، بأدلة قد يجوز من بينها خطاب من البشير شخصياً، يقرأ: (الزول دا كان فكيتو لى بكتلو)
ولا يجوز للسلطات الأمريكية، العلم بأن التهديد الشخصى فى السودان، جائز ومقبول، بل ومستحب، فى ثقافتنا، كقولهم (أقوم عليك هسة أفرتق زينتك..الخ الخ..)، (أديك ام دلدوم أوصلك آخر الخرتوم) أو تهديدك (بالبلنجة)، والتى لا نعرف لها أصل شرق أوسطي.
ثم أنك مطالب شخصياً، بسرد تجربة خاصة، تؤكد مخاوفك، وتعزز مطلبك للبقاء، ضيفاً (أخضراً)، فى بلاد العم سام، فتحول من تحول إلى (مراغنة)، و(مهديين)، ونقاباتيين، وتوهم البعض من فرط جودة الصياغة المحاماتية، العرضحالجية، أنهم ولا محالة، أهل لحقائب الوزارة، في حكومة ما بعد الإنقاذ، حتى ولو سميت التجمع الوطنى!!
وهدرنا جميعا بالبكاء، من وجع اكتشاف الظلم الذى حاق بنا، ونحن في غفلة، وخرجنا في تظاهرات عارمة، نغنى (كوانج كوى)، ونهتف، بأن (نحن الطيور أيها الإنسان)، في لحظات طيورية نادرة.
ثم أزف الموعد..
الموعد لمقابلة المحامى، وبعد أن طمأنني على سير الطلب، وأن كل شئ على ما يرام، طلب منى أن أوفر له الأدلة، (قصاصات جرائد، بيانات أمم متحدة، وحرب الجنوب)، وحينما عجزت عن إجابة طلبه، امتدت يده إلى درج أسفل، وأخرج لي مستنسخات، عن قوائم صحفيين، اعتقلتهم السلطات في السودان، وأكد لى، عظم جدوى أن يكون لي زملاء، أو حتى معارف بينهم
عكفت على القائمة، فما وجدت إسماً لزميل، أو صديق بينهم، حتى كدت أن أصيح به، (جايب لى أسماء صحفيين من جيبوتى)..
وفجأةً
أشرق اسم (كمال الجزولي)..
تهللت فرحا و قلت للرجل (ينفع أكون بعرف أخوه، عبد المعم ياخ الجزلوت؟؟)
هز رأسه نافيا، قال لا بأس
قلت (إذن بالحليل) بعرف كمال!
وحملنا صورة (كمال)، معنا يوم (الانترفيو)، (كوبى) عن (كوبى) عن (كوبى)، دخلنا مكتب (جودو)، وهنالك قرأت إسم (كمال)، مقترناً ب(ديللا) تيمنا بمانديللا، و مرة (كماليفارا)، تيمناً ب (شى جيفارا)، وكذا ( كملاندى) على حس (غاندى)، أو (اليندي) في رواية أخرى، تحاشيت (ابو كمال)، لأن أبو عمار رحمه الله، لم يكن (بوبيولار) في هذه الأصقاع.
وهكذا كتب لنا (القرين) و كمال الجزولى ندين .
تاج السر الملك 1992
tajmultimedia@gmail.com