كمال عمر “الكبير أوي”

 


 

 

 

 


boulkea@gmail.com
إستضاف الأستاذ الطاهر في برنامجه "حال البلد" على قناة "سودانية 24" الخميس الماضي كلاً من رئيس كتلة نواب حزب المؤتمر الشعبي بالبرلمان, الأستاذ كمال عمر, والنائب بالبرلمان ورئيس حزب تحالف الشعب القومي, الدكتور عثمان أبوالمجد, في حديث حول الإنتقادات الحادة التي وجهها الأول لرئيس البرلمان مؤخراً ووصفه فيها "بالديكتاتور".


في ردِّه على سؤال حول دوافع هجومه على رئيس البرلمان, قال كمال عمر أنَّ مخرجات الحوار الوطني أضحت "هباءً منثوراً" بفضل لجنة "بدرية سليمان", وأنَّ رئيس البرلمان تحول لوزير خارجية بكثرة الأسفار, وكذلك إشتكى من سيطرة حزب المؤتمر على لجان المجلس الوطني وتجاهله لأحزاب الحوار.


ذهب كمال عمر لأبعد من ذلك وقال أنَّ البرلمان إنحرف عن مهمته الأساسية المتمثلة في تطبيق مخرجات الحوار الوطني وتحوَّل "لمعرض لسيارات الليموزين", منتقداً تخصيص "سيارتين" لرؤساء اللجان ونوابهم.
لا يستغرب المرء من تصوير كمال عمر لحال البرلمان, فالرجل لم يأت بجديد يذكر حيث ظلت هذه هى طبيعة المجلس الوطني منذ أن بدأت الإنقاذ في "صناعة" مؤسسات الحكم بالمواصفات التي تناسبها, وهو عموماً الوضع الذي يتماشى مع الطبيعة الشمولية للنظام الحاكم والتي لا يُمكن لشخص عاقل أن يُعوِّل على أن تلعب المؤسسات التشريعية والرقابية الدور الحقيقي المناط بها في ظلها.


ولكن الأمر المُثير للإستغراب والشفقة هو أن كمال عمر الذي ملأ الدنيا زعيقاً منذ أن أطلَّ على الساحة السياسية, شنَّ هجوماً عنيفاً على قوى المعارضة التي رفضت المشاركة في حوار الوثبة وطالبت بضرورة أن تقدِّم الحكومة ضمانات مؤكدة وتتخذ خطوات جادة تمِّهد للدخول في ذلك الحوار وعلى رأسها قضايا إطلاق الحريات العامة ووقف الحرب.


لم تكن مطالبة المعارضة بتلك الخطوات تمثل موقفاً متصلباً تجاه دعوة الحواركما حاول كمال عمر وحزبه تصويرها, بل كانت موقفاً مبدئياً مسنوداً بالكثير من التجارب في عدم إلتزام النظام الحاكم وحزبه بالعهود والمواثيق والإتفاقيات, حيث درج على أن يتعامل معها بإستخفاف ويضرب بها عرض الحائط بمجرَّد أن تستنفذ اغراضها والشواهد على ذلك كثيرة منذ إتفاق جيبوتي مع حزب الأمة مروراً بإتفاق القاهرة مع التجمع الوطني الديموقراطي ووصولاً لإتفاق أبوجا مع حركة مني أركو مناوي.


غير أنَّ كمال عمر كان له موقفاً مغايراً, وهو موقف لا تسنده الحقائق السياسية "الموضوعية" وموازين القوة على الأرض, بل ينبني على إيمان "ما ورائي" بالقدرات "الذاتية" الخارقة لرئيس حزبه الراحل الدكتور الترابي, الذي - بحسب زعم أتباعه – إستطاع إقناع الرئيس البشير بحتمية الحوار والتحول الديموقراطي, حتى أنَّ الاخير عهد إليه بصياغة ورقة الحريات والتعديلات الدستورية التي أعتبروها حجر الزاوية في عملية الحوار.


فات على كمال عمر أنَّ الحكومة كانت تُعاني من ضغوط داخلية وخارجية شديدة جعلتها تطرح كرت الحوار كموقف تاكتيكي ووسيلة للخروج من المأزق وليس كرؤية إستراتيجة لإنتشال البلاد من وهدتها, ولم يكن لدى الأول وحزبه وسائل سياسية وأدوات ضغط حقيقية لضمان إلتزام الحكومة بالحوار سوى "وعود" بُذلت للراحل الترابي سرعان ما تنصل عنها الحزب الحاكم.


ثم شاءت الأقدار أن ينتقل الدكتور الترابي للرفيق الأعلى, ومنذ ذلك الحين بات كمال عمر يُعاني من حالة "إنقطاع الرأس", ومن بليغ كلام السودانيين – كما يقول المرحوم على أبوسن – عبارة "فلان راسه مقطوع" وهى تعني أن الإنسان فقد المقدرة على الإختيار وتحديد الإتجاه, فهو تارة يُهدِّد بالخروج من الحكومة, وتارة أخرى يقول الرئيس "وعدنا" بإنفاذ التعديلات الخاصة بالحريات, وثالثة تراه ينعي مخرجات الحوار بطعن "الظل" ممثلاً في "لجنة بدرية", بينما عينه في "الفيل" الذي لا يجرؤ على إنتقاده !


ومن أكثر الشواهد على حالة إنقطاع الرأس التي يعيشها الأستاذ كمال هى إجابته على سؤال للأستاذ الطاهر, عندما طلب منه توصيف الموقف السياسي لحزب المؤتمر الشعبي من الحكومة, فقال أنَّ حزبه : "معارض مشارك", وهذا لعمري وصف لم يسبقه عليه أحد, وهو في ظني تعبير يعكس الحالة النفسية التي يعيشها !


وعندما إتهم الدكتورعثمان أبو المجد حزب المؤتمر الشعبي بمحاولة "تجيير" مخرجات الحوار لمصلحته, وقال أن أهل الشعبي تقاسموا "كيكة" السلطة ونالوا المناصب الدستورية والتشريعية بإسم الحريات, إنبرى له كمال عمر بقولٍ ثقيل جاء فيه :

( أبو المجد ده أنا صنعته, ما عندو حزب, ما عندو قيمة سياسية, لم يسمع به الناس إلا في الحوار, الزول ده ما مصدِّق العربيتين, إشتروا مواقفه بعربيتين ) وأضاف : ( أي زول مرتشي في البرلمان ومفسد أنا سأكشف الملفات ) !

إنَّ رد الأستاذ كمال عمر الذي ظن أنه يدافع به عن نفسه, يُشكل في واقع الأمر إدانة وفضيحة كاملة له ولحزبه, إذ أنه يؤكد الأقوال التي ظلت تكررها أحزاب المعارضة التي قاطعت حوار الوثبة من أنَّ الاحزاب المشاركة في ذلك الحوار ليست أحزاباً حقيقية بل هى مُجرَّد كيانات وهمية, لا وجود لها في أرض الواقع.


فإذا كان الأستاذ كمال عمر قد صنع الدكتور أبوالمجد وحزبه, فكم من أحزاب الحوار الأخرى صنع المؤتمر الوطني ؟ وكم منها إختلقه النهازون النفعيون الذين يتحينون الفرص للدخول للسلطة وإحتياز المناصب ؟


كذلك فإنَّ الحديث أعلاه يكشف بجلاء حقيقة ذلك الحوار الذي إستمر ثلاث سنوات وما زالت فصوله لم تكتمل بعد , دون أن يُحدث أية تغيير في الأوضاع السياسية في البلاد,خصوصاً فيما يتعلق بقضايا الحريات, حيث مازالت الأجهزة الامنية تتمتع بصلاحياتها الواسعة في الإعتقال وغيره, وما زالت الصحافة تُعاني من المصادرات دون أسباب, وكذلك ظلت الأحزاب السياسية عاجزة عن عقد ندواتها في الميادين العامة !

إذن, تمخض جبل الحوار فولد مناصب وزارية وتشريعية, وإمتيازات شخصية نالها المشاركون ومن ضمنهم حزب المؤتمر الشعبي, والأحزاب التي صنعها كمال عمر والمؤتمر الوطني, بل أنَّ الأمين العام للحوار نفسه نال نصيبه من مولد الوظائف !

غير أنَّ نفس كمال عمر أبت إلا أن تودع المشاهدين التعساء الذين كتب الله عليهم متابعة ذلك اللقاء المدهش بعبارة نرجسية عجيبة, إذ قال في سياق ردَّه على زميله المصنوع : "كمال عمر أكبر من أي حزب" !

سمعتُ تلك العبارة, وضربتُ كفاً بكف, وسألت الله أن يلهمنا الصبر الجميل, فقد قيل أنَّ الصابرين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب ، إذ ينادي منادٍ يوم القيامة : من له حق على الله فليقم ، فيقوم أصحاب المصائب والابتلاء يذكرون ما أصابهم ، فيقول المنادي : إلا من صبر ..إلا من صبر..، وهؤلاء يدخلون الجنة على رؤوس الخلائق بلا حساب ولا عذاب.


ولا حول ولا قوة إلا بالله

 

آراء