كم يلزم الذاكرة الجمعية المتألمة أن تتناسى وتغفر لمن قمعها ؟!
د. بشير إدريس محمدزين
22 July, 2023
22 July, 2023
• الحرب الدائرة في بلادنا الآن هي فتنةٌ ماحقة من الدرجة العجيبة، فبدلاً من أن توحِّد الشعب السوداني خلف دولته (وجيشه وقيادته) خاصةً وأن (الجيش والكيزان) يقولون إنها حربُ غزوٍ خارجي وإجتياح من مرتزقة من خارج الحدود، لكنها فعلت العكس، إذ انقسم الشعبُ بصورةٍ لا مثيل لها، وغير معقولة، برغمِ الزعم بحدوث غزو خارجي كما يقول (الجيش والكيزان)!!
• يتذكر الجميع أنه وفي الأسبوع الأول من أبريل ٢٠١٢م اجتاحت قوات (دولة) جنوب السودان حقول منطقة هجليج البترولية غربي السودان واستولت عليها، فاعلن الرئيس المعزول عمر البشير الحرب على دولة الجنوب، وتعهد باستعادة منطقة هجليج، وبالفعل تمت استعادتها في ١٢ أبريل ٢٠١٢م فخرج الشعب السوداني كله، وليلاً، حين أُعلن الخبر، وبصورة تلقائية وعارمة، وتوجه إلى القيادة العامة للجيش، وتعانق الناسُ مع جيشهم في الطرقات، وبكوا من الفرح بعودة هجليج إلى حضن الوطن !
• الإمام الصادق المهدي رحِمه الله -زعيم المعارضة وقتها- كان قد أدان إحتلال هجليج ووصفه بأنه (تصرفٌ أحمق من دولة الجنوب) وحين تم تحريرُها قال إن فرح السودانيين بعودة هجليج إليهم (كان شعوراً عاماً ومخلصاً وتلقائياً) وأن هذا الحدث وحّد الشعب السوداني ! (جريدة الأهرام المصرية ١٤ مايو ٢٠١٢م)!
• إذن لماذا لم يحدث نفس الشئ الآن فيتوحّد الشعبُ السوداني خلف (قيادته وجيشه) مهما كان رأيه فيهما لدحر هذا (الغزو الخارجي) كما يقال ؟!!
*الذاكرة المتألمة متى تتناسى وتغفر ؟!*
• عندما سقطت دولة المهدية بهزيمة معركة جبل كرري في ٢ سبتمبر ١٨٩٨م، وأنكسر جيشها وتضعضع خارجاً من أم درمان كانت النساء في بعض أحياء مدينة أم درمان، وكانت حيشان البيوت عندئذٍ من القش، كانت النساء يمدِدن رؤوسهن من حيشان القش وينادين على الجيوش المنكسرة المتراجعة (الدين منصور يا أنصار الدين..أو شئ من ذلك) يعني كأنهن يذكرنهم (بشعار الدين منصور الذي كان شعار الدولة) فكان الجنود المنكسرون المتراجعون يقولون لهن ما معناه (بالله اتلهن كدة ولا كدة) على قول أهلنا المصريين، ويواصلون الإنكسار المتعجل خارج أم درمان !!
• كان هؤلاء الجنود المنكسرون المنسحبون هم بقايا (الجيش الوطني السوداني) للدولة (السودانية الوطنية الأولى) التي انبنت على أساسها قواعد دولة السودان الحديثة .. نعم كانوا هم (جيش الدولة الوطني) ولكن، وهم منسحبون خارج أم درمان، كانت حِسان أم درمان يسخرن منهم ويطاعِنَّ كبرياءَهم المنكسر بالكلام الساخر (وبالمغارز) !!
• وعندما كان جيش كتشنر، قبل ذلك، يتقدم من حدود السودان الشمالي ببطء وثبات، كانت بعض القبائل النيلية السودانية المعادية للمهدية تنضم إلى الجيش الغازي باستمرار، وكانوا يمدونهم بالأخبار ويهتفون لهم، ويدعون لهم بالنصر، بل يذكر التاريخ أن بعض أبناء تلك القبائل تجندوا مع الجيش الغازي من داخل مصر، وأتوا معهم داخلين فاتحين !!
كان هذا (الجيش الغازي) ذاهباً بجحافله لكسر (الجيش الوطني السوداني) للدولة السودانية الأولى في التاريخ الحديث..وكان على رأس هذه الدولة (خليفة مسلمين) ورئيسٌ (شرعي) بتعريف العصر، (ورأس دولة) سوداني بتعريف اليوم في السودان !!
• عندما غزت أمريكا العراق من ٢٠ مارس إلى ١ مايو ٢٠٠٣م، بعد فبركة تقارير عن وجود أسلحة دمار شامل، كان غالب العراقيين من جنوب العراق إلى العاصمة التي دخلها الجيش الأمريكي من الجنوب، يهللون للجيش الأمريكي وهو يجتاح الحدود والحصون والحاميات، وكان عندما يهرب الجنود العراقيون المنكسرون، كان بعضُ عراقيين آخرين يبلِّغون الجيش الأمريكي بأماكن تواجدهم، فيأتي الجنود الأمريكان لأخذهم أو لقتلهم !!
• وعندما دخلت القوات الأمريكية الغازية مدينة بغداد واستعرضت قواها وقوتها في عرصات المدينة المنهزمة، كان العالم كله قد شاهد في لقطةٍ عجيبة ومحيِّرة حين استدعى عراقيون مبتهجون دبابةً أمريكية قريبة لتطيح لهم بمجسّم ضخم للرئيس صدام حسين كان منتصباً في أحد الميادين العامة، فشوهد الجنود الأمريكان وهم يلفُّون جنزيراً ضخماً حول عنق المجسم الرئاسي لتسحبه الدبابة بعد ذلك بقوة، وتطيح به إلى الأرض فيعلوه المواطنون المبتهجون، ويدوسون عليه بأحذيتهم، ويبصقون عليه، ويقذفونه بالزبالة والزجاجات الفارغة، وهم فرحون منتشون !!
• كان الجيش الأمريكي عندئذٍ يتقدم ليكسر (جيشاً وطنياً) لدولة العراق، وكان الرئيس صدام حسين عندئذٍ هو رئيس تلك الدولة الوطنية، برغم رأي شعبه فيه، وكان يقود جيش بلادِه الوطني !!
نأتي الآن للأسئلة العلمية المؤلمة والجادة والحادة..
∆ لماذا كانت حرائر أم درمان يسخرن من جيش المهدية المنكسر والمنسحب، وبمعايير اليوم كان هو (الجيش الوطني) للدولة السودانية الوطنية الفتية، والخليفة عبد الله التعايشي كان هو رئيس تلك الدولة الوطنية، وقائد جيوشها الوطنية ؟!!
∆ لماذا إنضوت بعض القبائل السودانية إلى الجيش الإنجليزي الغازي بقيادة كتشنر فور دخوله الحدود، وحتى قبل دخوله الحدود، بل وساعدته، وتجند بعض أبنائها في ألويته الغازية، وأسقطوا معها العاصمة أم درمان ؟!
∆ وعندما دخلت جيوش كتشنر إلى الخرطوم فحتى (علماء الدين) كانوا قد أفتَوا بجواز دخولها ومعاونتها، وكانت قبائل شرق النيل هي التي تكفلت بكسر (الجيش الوطني) بمناطقهم لتساعد بذلك الجيش الغازي..لماذا ؟!
∆ وفي العراق، لماذا هلل كثيرٌ من العراقيين وفرحوا بالغزو الأمريكي، وتعاونوا معه لدحر (جيش العراق الوطني) الذي كان يقوده (رئيس وطني عراقي) وليس أجنبياً، وهو الرئيس المطاح به صدام حسين ؟!!!
• ربما أنّ الإجابة التي تتقافز فوراً إلى الذهن هنا هي أن ذواكر تلك الشعوب والقبائل والمجتمعات لم تستطع أن تنسى، أو تتناسى، أو تغفر ما فعله بها (جيشها الوطني) من قمع وتنكيل وإستفراد سواء كما في مثلي (دولة المهدية) قديماً أو في (دولة العراق) حديثاً !!
فالذاكرة الإنسانية (المتألمة) لا تتسامح بسهولة، خاصةً للأحداث القريبة الوقوع، وتكون مستعدةً للإنتقام وهي تحت هذا التأثير، وتتعاون لتحقيق ذلك حتى مع الشيطان، وهذه طبيعة البشر، ولا يلومن أحدٌ طبيعة الأشياء ..ولكنها يمكن أن تتناسى الأحداث البعيدة وتتسامح معها !!
إنَّ أمر الذواكر عجيب، فهي لأناسٍ أحياء من لحمٍ ودم وليست لكمبيوترات جامدة يمكن مسحها كلها بنقرة زرٍّ واحدة، بحيث لا يبقى منها شئ !!
والآن نتساءل: هل الذاكرة الإنسانية السودانية تحمل أي ذكريات مريرة ومؤلمة من قمع وقتل وسحل تجاه جيشها الوطني وتحديداً قائده البرهان، ويصعُب عليها تناسيها أو غفرانها؟!
وهل هذه الذكريات المريرة المؤلمة من سحلٍ وقتلٍ وإستباحة قريبةُ الحدوث؟!
وكم يلزم الذاكرة السودانية الجمعية المتألمة من الوقت لتتناسى وتغفر وتسامح ؟!!!
الإجابة هي ما يحدث في الطرقات وما تُخفي الصدور !!!
bashiridris@hotmail.com
//////////////////
• يتذكر الجميع أنه وفي الأسبوع الأول من أبريل ٢٠١٢م اجتاحت قوات (دولة) جنوب السودان حقول منطقة هجليج البترولية غربي السودان واستولت عليها، فاعلن الرئيس المعزول عمر البشير الحرب على دولة الجنوب، وتعهد باستعادة منطقة هجليج، وبالفعل تمت استعادتها في ١٢ أبريل ٢٠١٢م فخرج الشعب السوداني كله، وليلاً، حين أُعلن الخبر، وبصورة تلقائية وعارمة، وتوجه إلى القيادة العامة للجيش، وتعانق الناسُ مع جيشهم في الطرقات، وبكوا من الفرح بعودة هجليج إلى حضن الوطن !
• الإمام الصادق المهدي رحِمه الله -زعيم المعارضة وقتها- كان قد أدان إحتلال هجليج ووصفه بأنه (تصرفٌ أحمق من دولة الجنوب) وحين تم تحريرُها قال إن فرح السودانيين بعودة هجليج إليهم (كان شعوراً عاماً ومخلصاً وتلقائياً) وأن هذا الحدث وحّد الشعب السوداني ! (جريدة الأهرام المصرية ١٤ مايو ٢٠١٢م)!
• إذن لماذا لم يحدث نفس الشئ الآن فيتوحّد الشعبُ السوداني خلف (قيادته وجيشه) مهما كان رأيه فيهما لدحر هذا (الغزو الخارجي) كما يقال ؟!!
*الذاكرة المتألمة متى تتناسى وتغفر ؟!*
• عندما سقطت دولة المهدية بهزيمة معركة جبل كرري في ٢ سبتمبر ١٨٩٨م، وأنكسر جيشها وتضعضع خارجاً من أم درمان كانت النساء في بعض أحياء مدينة أم درمان، وكانت حيشان البيوت عندئذٍ من القش، كانت النساء يمدِدن رؤوسهن من حيشان القش وينادين على الجيوش المنكسرة المتراجعة (الدين منصور يا أنصار الدين..أو شئ من ذلك) يعني كأنهن يذكرنهم (بشعار الدين منصور الذي كان شعار الدولة) فكان الجنود المنكسرون المتراجعون يقولون لهن ما معناه (بالله اتلهن كدة ولا كدة) على قول أهلنا المصريين، ويواصلون الإنكسار المتعجل خارج أم درمان !!
• كان هؤلاء الجنود المنكسرون المنسحبون هم بقايا (الجيش الوطني السوداني) للدولة (السودانية الوطنية الأولى) التي انبنت على أساسها قواعد دولة السودان الحديثة .. نعم كانوا هم (جيش الدولة الوطني) ولكن، وهم منسحبون خارج أم درمان، كانت حِسان أم درمان يسخرن منهم ويطاعِنَّ كبرياءَهم المنكسر بالكلام الساخر (وبالمغارز) !!
• وعندما كان جيش كتشنر، قبل ذلك، يتقدم من حدود السودان الشمالي ببطء وثبات، كانت بعض القبائل النيلية السودانية المعادية للمهدية تنضم إلى الجيش الغازي باستمرار، وكانوا يمدونهم بالأخبار ويهتفون لهم، ويدعون لهم بالنصر، بل يذكر التاريخ أن بعض أبناء تلك القبائل تجندوا مع الجيش الغازي من داخل مصر، وأتوا معهم داخلين فاتحين !!
كان هذا (الجيش الغازي) ذاهباً بجحافله لكسر (الجيش الوطني السوداني) للدولة السودانية الأولى في التاريخ الحديث..وكان على رأس هذه الدولة (خليفة مسلمين) ورئيسٌ (شرعي) بتعريف العصر، (ورأس دولة) سوداني بتعريف اليوم في السودان !!
• عندما غزت أمريكا العراق من ٢٠ مارس إلى ١ مايو ٢٠٠٣م، بعد فبركة تقارير عن وجود أسلحة دمار شامل، كان غالب العراقيين من جنوب العراق إلى العاصمة التي دخلها الجيش الأمريكي من الجنوب، يهللون للجيش الأمريكي وهو يجتاح الحدود والحصون والحاميات، وكان عندما يهرب الجنود العراقيون المنكسرون، كان بعضُ عراقيين آخرين يبلِّغون الجيش الأمريكي بأماكن تواجدهم، فيأتي الجنود الأمريكان لأخذهم أو لقتلهم !!
• وعندما دخلت القوات الأمريكية الغازية مدينة بغداد واستعرضت قواها وقوتها في عرصات المدينة المنهزمة، كان العالم كله قد شاهد في لقطةٍ عجيبة ومحيِّرة حين استدعى عراقيون مبتهجون دبابةً أمريكية قريبة لتطيح لهم بمجسّم ضخم للرئيس صدام حسين كان منتصباً في أحد الميادين العامة، فشوهد الجنود الأمريكان وهم يلفُّون جنزيراً ضخماً حول عنق المجسم الرئاسي لتسحبه الدبابة بعد ذلك بقوة، وتطيح به إلى الأرض فيعلوه المواطنون المبتهجون، ويدوسون عليه بأحذيتهم، ويبصقون عليه، ويقذفونه بالزبالة والزجاجات الفارغة، وهم فرحون منتشون !!
• كان الجيش الأمريكي عندئذٍ يتقدم ليكسر (جيشاً وطنياً) لدولة العراق، وكان الرئيس صدام حسين عندئذٍ هو رئيس تلك الدولة الوطنية، برغم رأي شعبه فيه، وكان يقود جيش بلادِه الوطني !!
نأتي الآن للأسئلة العلمية المؤلمة والجادة والحادة..
∆ لماذا كانت حرائر أم درمان يسخرن من جيش المهدية المنكسر والمنسحب، وبمعايير اليوم كان هو (الجيش الوطني) للدولة السودانية الوطنية الفتية، والخليفة عبد الله التعايشي كان هو رئيس تلك الدولة الوطنية، وقائد جيوشها الوطنية ؟!!
∆ لماذا إنضوت بعض القبائل السودانية إلى الجيش الإنجليزي الغازي بقيادة كتشنر فور دخوله الحدود، وحتى قبل دخوله الحدود، بل وساعدته، وتجند بعض أبنائها في ألويته الغازية، وأسقطوا معها العاصمة أم درمان ؟!
∆ وعندما دخلت جيوش كتشنر إلى الخرطوم فحتى (علماء الدين) كانوا قد أفتَوا بجواز دخولها ومعاونتها، وكانت قبائل شرق النيل هي التي تكفلت بكسر (الجيش الوطني) بمناطقهم لتساعد بذلك الجيش الغازي..لماذا ؟!
∆ وفي العراق، لماذا هلل كثيرٌ من العراقيين وفرحوا بالغزو الأمريكي، وتعاونوا معه لدحر (جيش العراق الوطني) الذي كان يقوده (رئيس وطني عراقي) وليس أجنبياً، وهو الرئيس المطاح به صدام حسين ؟!!!
• ربما أنّ الإجابة التي تتقافز فوراً إلى الذهن هنا هي أن ذواكر تلك الشعوب والقبائل والمجتمعات لم تستطع أن تنسى، أو تتناسى، أو تغفر ما فعله بها (جيشها الوطني) من قمع وتنكيل وإستفراد سواء كما في مثلي (دولة المهدية) قديماً أو في (دولة العراق) حديثاً !!
فالذاكرة الإنسانية (المتألمة) لا تتسامح بسهولة، خاصةً للأحداث القريبة الوقوع، وتكون مستعدةً للإنتقام وهي تحت هذا التأثير، وتتعاون لتحقيق ذلك حتى مع الشيطان، وهذه طبيعة البشر، ولا يلومن أحدٌ طبيعة الأشياء ..ولكنها يمكن أن تتناسى الأحداث البعيدة وتتسامح معها !!
إنَّ أمر الذواكر عجيب، فهي لأناسٍ أحياء من لحمٍ ودم وليست لكمبيوترات جامدة يمكن مسحها كلها بنقرة زرٍّ واحدة، بحيث لا يبقى منها شئ !!
والآن نتساءل: هل الذاكرة الإنسانية السودانية تحمل أي ذكريات مريرة ومؤلمة من قمع وقتل وسحل تجاه جيشها الوطني وتحديداً قائده البرهان، ويصعُب عليها تناسيها أو غفرانها؟!
وهل هذه الذكريات المريرة المؤلمة من سحلٍ وقتلٍ وإستباحة قريبةُ الحدوث؟!
وكم يلزم الذاكرة السودانية الجمعية المتألمة من الوقت لتتناسى وتغفر وتسامح ؟!!!
الإجابة هي ما يحدث في الطرقات وما تُخفي الصدور !!!
bashiridris@hotmail.com
//////////////////