كيف بالله عليكم “نعقلها ونتوكل”؟!… بقلم: حسن الجزولي

 


 

 

 


نقاط بعد البث

بثت الفضائيات خلال شهر رمضان عدداً كبيراً من الاعلانات الفخمة والمدفوعة الأجر لصالح عدد واسع من بنوك ومصارف وشركات تأمين ترويجاً لمؤسساتهم المالية والمصرفية التي تدعو خلالها عملائها وجمهور المودعين للتعامل معهم عبر أفضل المعاملات البنكية والمصرفية والمالية التي تدر أرباحاً بأشكال مختلفة لهؤلاء العملاء والزبائن.
كانت هذه الاعلانات التجارية وهي تروج عبر بثها في الفضائيات تطلق مسميات على تلك المصارف والبيوتات المالية لترفع من شأنها وتمجد تاريخها "التليد" وتعظم من شأن تعاملاتها التي تيسر المعاملات لجمهورها.
قبعت أتابع بث تلك الاعلانات وأعقد مقارنة بينها وبين واقع نظام الانقاذ وأحوال سياساته الاقتصادية تماماً كما أعقد حواجبي دهشة وعجباً.
فلقد ظل نظام الجبهة القومية الاسلامية ينكر ما آلت إليه أمور الاقتصاد السوداني والتدهور المريع الذي يشهد عليه أهل النظام أنفسهم، خاصة في الفترة الأخيرة وذلك عن طريق تعظيم أمور الأحوال الاقتصادية للدولة والناس، ويلوي عنق الحقائق بتجميل الواقع المزري لأحوال العباد، ولا يتردد في الهروب إلى الأمام بعيداً عن مكاشفة صادقة مع نفسه ومع الجماهير التي ترى بأم عينها التردي الذي يغذ الخطى بسرعة تفوق سرعة كل دواب الأرض حية كانت أم ميكانيكية مجتمعة نحو انهيار مدمر!.
فلقد عاش الناس في الفترة الأخيرة دعك عن سنوات الانقاذ منذ مجيئها، في ظل أزمات إقتصادية ومالية لم تمر بشعب السودان منذ ما قبل استقلاله.
فقد أشارت التحريات والتحقيقات الصحفية عن المصانع التي توقفت وفاقت نسبتها آلاف المصانع، بمختلف ولايات البلاد، وإحتلت فيهم كل من الخرطوم والجزيرة المراكز الأولى في خروج المصانع المشار إليها، حيث فاقت نسبتها أكثر من 200 مصنعاً،
وأصاب التدهور المريع أحوال القطاع الزراعي بسبب ارتفاع نسب الرسوم والضرائب مما تسبب في هجرة قطاع عريض من المزارعين إلى مهن أخرى
فضلاً عن سياسات الحكومة الأخرى التي تسببت في تدمير عدد كبير من المشاريع الزراعية الرائدة التي ظلت تدعم الاقتصاد الوطني وفي مقدمتها مشروع الجزيرة، الذي بعد أن دمروه راحوا يذرفون دموع التماسيح حزناً على نضارته التي غابت، فلجأوا للكذب والتضليل بالوعود الكاذبة التي رفعوا لها شعار "سنعيد سيرته الأولى"!، وكذا السكة حديد، وكذا قطاعات صناعية أخرى كانت حيوية في دعم الاقتصاد الوطني. وهكذا ظل وزراء القطاع الصناعي يعيدون محاولات اكتشاف العجلة كرة بعد كرة في كل اجتماع "صاخب" لهم في سبيل البحث عن مخارج تعيد العافية لاقتصاد البلاد.
وبعد كل هذه المآسي الاقتصادية لم يفتح الله على "ولاة الأمور" ولو بكلمة اعتذار أو نقد صارم أمام الجماهير الواسعة المكتوية بنيران وسعير سياساتهم الاقتصادية المتدهورة، بل يحيلون الأمر وأسبابه إلى القوى الغيبية كإبتلاء من الله سبحانه وتعالى على العباد بسبب الابتعاد عن طريق "الهجرة إلى الله"!،، فتأملوا .
وهكذا وبنفس طرق الالتواء و"الزوغان" تأتي البنوك والمصارف التي أشرنا إليها أعلاه، ودون كلمة إعتذار واحدة أو إشارة لأسف حول ما أصاب عملاء هذه النوك والمتعاملين معها من أضرار بليغة، خاصة في أيام شهر رمضان الكريم وما تلاها من مناسبة لعيد الفطر المبارك الذي تشتد فيه حوجة الناس لمالهم الذي أودعوه تلك البنوك ولم يجدوه أو يتوفر لهم بسبب سياسات تلك البنوك الغريبة على أي أعراف مصرفية أو بنكية، كون أن تلك البنوك تستولى على مال الناس وترفض توفيره لهم متى ما أحتاجوا إليه.
ورغم كل ذلك ها هي تلك البنوك والمصارف تعود و"تلعلع" عبر إعلاناتها الفخمة في وسائل الاعلام والفضائيات والاذاعات عن كونهم "ملتزمون بالتفوق" وأنهم "الرواد" وعلى الناس أن "تعقلها وتتوكل" وهي التي تابعت إعلان إفلاس أحد هذه البنوك بالأمس القريب.!
أولم يكن من الأجدى لتلك البيوت المالية المشار إليها أن تحاول ـ ولو مجرد محاولة ـ من أجل استعادة ثقة عملائها، بالاقدام على فضيلة الاعتذار لما حل بعملائها من ضنك في فترة رمضان والأعياد الماضية؟ وأن تمضي في طريق تغيير وتحسين سياساتها تجاه هؤلاء المودعين حتى تطمئن قلوبهم إلى أن هذه المصارف والبنوك هي عن حق "متفوقة" و"رائدة" وحائزة على أرفع الأوسمة والأنواط والنياشين من "أولى الأمر ورئاسة الجمهورية"، كأرفع بنوك في خدمة كل الشعب وكل الناس ،، بدلاً عن أن تكون بنوكاً ومصارفاً لا توفر خدماتها سوى للمحاسيب من أهل النظام ومشايعيهم فقط، حيث توفر لهم المليارات ،، بل قل البليارات في شكل قروض "حسنة"، ولا تفترض حسن النية في بقية الشعب حتى تُجبر على الاعلان عن إفلاسها كفضيحة لم يسمع بها الناس حتى في جمهوريات الموز والديكتاتوريات البغيضة في دول أفريقيا الفاسدة؟!.
ــــــــــــــــ
نشرت بصحيفة الميدان

helgizuli@gmail.com

 

آراء