كي لا تتحول الجامعة العربية والاتحاد الافريقي الى شاهد زور … بقلم: محمد المكي أحمد

 


 

 

modalmakki@hotmail.com

 

بدا واضحا أن  نهج "مراقبة" الجامعة العربية والاتحاد الافريقي للانتخابات السودانية  ووفقا لتصريحات مسؤولين  في هاتين  المنظمتين أمسك "بمنتصف العصا" ، وبدت المنظمتان  كأنها تسيران  على خط  قريب من خطى  بعض المراقبين الدوليين، رغم التقديم والتأخير في عبارات  استخدمها هذا الطرف أو ذاك في التعليق على  الانتخابات السودانية.

 ربما سعت الجامعة العربية والاتحاد الافريقي من خلال مواقفهما الأولية  بشأن    الانتخابات السودانية الى الارتقاء بمعايير حكمها  على الانتخابات الى  "المعاييير الدولية "التي رددها كثيرون هذه الأيام في محاولة  لاضفاء سمة  "الشفافية والسلاسة والتحول الديمقراطي" على الانتخابات في مواجهة  اتهامات "التزوير " والانتخابات "المطبوخة".

في هذا السياق أرى مجددا أن  معايير الداخل السوداني التي تتمثل في مواقف القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني السودانية المستقلة لا الحكومية  تمثل المقاييس الأساسية للحكم على الانتخابات قبل غيرها من المعايير الدولية المهمة ايضا .

من قرأ أو أطلع على  موقف  الجامعة العربية على لسان  رئيس وفدها الى السودان السيد صلاح حليمة يستوقفه موقف يتدثر بمواقف المراقبين الدوليين، وفي نفس الوقت ينوه بالانتخابات التي رأى  مسؤول الجامعة العربية أنها خطوة يحتذى بها، لكنها لم ترق الى مستوى المعايير الدولية والشفافية وفقا لوقائع مؤتمر صحافي عقده في الخرطوم .

وحتى لا ننسى أشير الى أن  حليمة رأى أن  الانتخابات السودانية  "خطوة كبيرة الى الامام مقارنة مع الدول الاخرى وتعتبر انجازا متميزا رغم ما ظهر فيها من عيوب".

طبعا لم ينس الاشارة  الى  الاخطاء اللوجستية والتنظيمية  لكنه قال إنها "لا تؤثر بشكل كبير على النتائج"، وبشأن  اتهامات المعارضة   حول  التزوير قال "لم نر تزويرا بمعنى التزوير، وانما عيوبا واخطاء، لكن هل تؤثر على النتيجة؟ لا اعتقد ذلك".

السيد حليمة يرى أن  ما تم في السودان أفضل مما تم في دول افريقية اخرى، ,ان ما جرى  ان السودان خطوة كبيرة الى الامام وتمنى  ان يكون مثالا يحتذى من الدول الافريقية والعربية.

 لم أكن أتوقع أن تأتي الجامعة العربية  بشيء جديد يدعم الديمقراطية الحقيقية في السودان، لأنها غارقة في أوحا ل الضياع وتعاني من عدم الفاعلية  في ظل أوضاع عربية ديكتاتورية يسودها الاستبداد والظلم .

 لم أستغرب أن يتطابق  موقف الجامعة العربية  تجاه الانتخابات السودانية مع  موقف بعض المنظمات الغربية  المتأرجح الذي  ينتقد  "التجازوات" ويتحدث  عن "عدم النزاهة" ، لكنها في النهاية تدعم سير الانتخابات بالطريقة الفوضوية (وهذه الكلمة من عندي)  التي جرت بها، لأن عينها على الاستفتاء حول تقرير مصير السودان في عام 2011.

 هل تريد الجامعة العربية من تصريحات  رئيس وفدها الى السودان  أن تقدم  الى  القادة العرب الانتخابات السودانية كواحدة من انجازاتها،، خاصة أن القادة العرب أجازوا في عام 2004 "وثيقة عهد" أثناء قمة عقدوها في تونس في عام 2004، وتعهدوا بادخال اصلاحات سياسية؟

  وثيقة "العهد" سايرت "موضة" ديمقراطية سادت في تلك الفترة ، لمواكبة تطورات  وضغوط دولية وشعبية على الأنظمة العربية ، وطبعا لم تحقق معظم  الحكومات العربية  شيئا يذكر في هذا الشأن، لأن "أميركا بوش" آثرت مصالحها على حساب الديمقراطية في دول بعيدة وغضت الطرف عن  أحزان المغلوبين على أمرهم.

في قمة تونس العربية شدد القادة العرب في وثيقة  سميت « وثيقة عهد ووفاق وتضامن»  على «مواصلة خطوات الاصلاح الشامل في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية لتحقيق التنمية المستدامة المنشودة». واكدوا  في  «اعلان تونس» على «مواصلة الاصلاح والتحديث في بلداننا مواكبة للمتغيرات العالمية المتسارعة من خلال تعزيز الممارسة الديمقراطية وتوسيع المشاركة فى المجال السياسي»، كما أشارت القمة  في البيان الختامي الى  «مواصلة مسيرة التطوير في المجالات السياسية، تحقيقا لتقدم المجتمعات العربية النابع من ارادتها الحرة وما يتفق مع قيمها ومفاهيمها الثقافية والدينية والحضارية وظروف كل دولة وامكانياتها».

عندما تذكرت  قرار الحكام  العرب في قمة تونس بشأن الاصلاح السياسي قلت في نفسي إن الانتخابات السودانية رغم أنها مثيرة للجدل ومشكوك في صدقيتها ونزاهتها تشكل فرصة نادرة للجامعة العربية لتقديم التجربة السودانية الى القادة العرب باعتبارها  "انجازا عربيا " ودليلا تنفيذ  لما قرروه في قمة تونس، إنها فرصة نادرة في عالم العرب.

وحتى لا نظلم الجامعة العربية ومسؤوليها أقول إن المشكلة ليست في هذه المنظمة لكنها  تكمن في السياسيات العربية التاهئة والبائسة والمتخاذلة ، ويكفي مثلا  للتأكيد  على  فشل الجامعة العربية أن دولا عربية عدة قاطعت قمة غزة التي دعت اليها قطر أثناء العدوان  والاجتياح الاسرائيلي الشامل لغزة .

لهذا وغيره لم أستغرب أن تطالعنا الجامعة العربية بمواقف مهزوة وضبابية ومنحازة للحكام على حساب الشعوب، لأنها جامعة حكومية، وتراعي مزاج الحكومات ورغاباتها وفي مثل تلك الحالة  قد تتحول الى "شاهد زور" في المحكات الصعبة، وربما  يصبح الاتحاد الافريقي شاهد زور أيضا .

تابعت تصريحات  أدلى بها في واشنطن رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي جون بينغ وبدا واضحا ايضا أن كلامه عن الانتخابات السودانية يشبه موقف الجامعة العربية ، وهو رأى  أنها خطوة أولية في طريق طويل ، وشدد ايضا على أهمية تنفيذ اتفاق السلام (نيفاشا)، مشيرا الى ان الديمقراطية والانتخابات عملية طويلة.

من حق المسؤول الافريقي و رئيس وفد الجامعة العربية أن يعبرا عن  رؤيتهما تجاه الانتخابات السودانية، لكن واقع الحال يشير الى أن  رد فعل الجامعة العربية والاتحاد الافريقي يتسم بـكثير من "المجاملة" لحزب المؤتمر الوطني  الحاكم  أو للحكومة، وأعتقد أن موقف المنظمتين سيثير المزيد من  الجدل والشكوك في أوساط سودانية  وعربية ودولية عدة .

واذا لم تقم الجامعة العربية والاتحاد الافريقي بمراجعة منطقية لمواقفهما الأولية المعلنة في سبيل الصدقية في المسألة الانتخابية السودانية، فان مواقف الطرفين ستشكل اضافة جديدة وسيئة لمواقفهما البائسة تجاه قضايا الشعوب وحقوقها المشروعة في الحرية و العدالة.

برقية: قضايا الديمقراطية  والشفافية كل لا يتجزأ

عن صحيفة (الأحداث) 25-4-2010

mohd ameen [modalmakki@hotmail.com]

 

آراء