كُلُّه إلا شَماتة السَّادات ..!
منى أبو زيد
30 September, 2012
30 September, 2012
"العلاقات الشخصية في الشرق عامل أساسي لخلق العلاقات السياسية وتطويرها" .. عبد الرحمن منيف!
في كتاب الدكتور غازي القصيبي – الوزير والسفير السعودي الراحل - (الوزير المرافق) حكاية طريفة عن أحد أسباب توتر العلاقات الدائم بين ليبيا والسعودية في عهد القذافي، تقول باختصار إن العلاقات الليبية السعودية كانت تمر بحالة من الفتور في السبعينيات، فقرر العقيد القذافي أن يزور السعودية، وكعادته ألقى خطبة عصماء وطلب أن يفتح الجميع صفحة جديدة – أخرى! – وأن ينسوا الماضي .. ثم طلب من السعوديين أن يشاركوا في احتفالات العيد العاشر لثورة الفاتح المجيدة، وأبدى دهشته لما شاهده من تقدم .. وكادت زيارته للسعودية أن تمر بسلام لولا حادثة صغيرة كادت أن تعصف بمرامي الزيارة ..!
أرادت زوجة العقيد أن تزور أسواق مدينة الرياض وأصر الليبيون على أن يتم ذلك دون حراسة أو ترتيبات أمنية مسبقة، وبالفعل ذهبت السيدة الاولى للتسوق ولم يكن في معيتها سوى مندوب واحد من المراسم الملكية .. وقد صادفت جولتهم وقت صلاة الظهر حيث تغلق الأسواق وينشط رجال "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" ..!
وكانت إحدى المربيات المرافقات لزوجة القذافي ترتدي ثوباً قصيراً رأى فيه رجال النهي عن المنكر إخلالاً بالآداب والفضيلة وخرقاً لتعاليم الحجاب الشرعي، الأمر الذي أدى بهم إلى زجرها .. وكاد الأمر ينتهي عند هذا الحد لولا أن شقيق زوجة العقيد وأحد المقربين في حاشيته كان حاضراً ..!
صب الرجل جام غضبه على الشيخ وتجمهر الناس وكاد الامر أن يتحول إلى مشاجرة بالأيدي لولا أن تدخل مندوب المراسم ونجح في العودة بزوجة الرئيس والسيارات المرافقة لها إلى قصر الضيافة .. وهناك غضب القذافي غضباً شديداً واعتبر الحادثة إهانة مقصودة من السعوديين، وأصر بأن تستعد طائرته للإقلاع فوراً ..!
سمع الملك خالد بالحادثة، كما سمع بها الأمير فهد – آنذاك – فأسرعا إلى قصر الضيافة يعتذران للضيف ويؤكدان له أن أحداً لم يعرف زوجته ولم يقصد إهانتها، فرفض العقيد قبول اعتذراهم .. وفي نهاية المطاف قال له الملك خالد (نحن لا نستطيع أن نمنعك من السفر، ولكننا نؤكد لك أن السادات سيكون الشامت الأكبر إذا فشلت هذه الزيارة) .. فاقتنع القذافي وقرر أن يبقى على مضض خوفاً من شماتة السادات ..!
وكانت نتيجة تلك الزيارة أن تحسنت العلاقات بين ليبيا والسعودية وذهب وفد عالي المستوى برئاسة الأمير عبدالله – آنذاك - لحضور الذكرى العاشرى لثورة الفاتح! .. ثم طلب العقيد القذافي من الملك خالد أن يرد الزيارة ..!
في علاقات السودان الخارجية عشرات الحكايات المشابهة، وحكاية العقيد والملك إن أكدت شيئاً فهي تؤكد طردية العلاقة بين التفاصيل الصغيرة - والمواقف الشخصية - وصناعة السلام بين الدول، كما وأنها تؤكد – أيضاً – كارثية الدور الذي تلعبه البطانة والحاشية في اشتعال الحروب وصناعة السلام (ناهيك عن خوف الشماتة!) .. فهل من مذكر ..؟!
munaabuzaid2@gmail.com