لأجلهم قبلنا الاتفاق ولأجلهم نرفض النفاق

 


 

 

 

 

منذ اللحظات الاولى لاعلان انقلاب الإنقاذ في شهر يونيو 1989 م، كنت قد أعلنت ككثير من أفراد الشعب السوداني، رفضي للإنقلاب ومقاومتي لكل من يدافع عن شرعية إستيلاء العسكر على الحكم التي تعتبر إجهاض للدستور وانقلاب على الشرعية الدستورية والديمقراطية التي أوصلت بصورة مدنية راقية عبر صندوق الانتخابات بعض الاحزاب للحكم.

نعم بغض النظر عن رأي في الاحزاب الحاكمة حينها ولكنني كنت على قناعة بأن استمرارية الديمقراطية والعملية الانتخابية هي في حد ذاتها عملية تصفية وتنقية للحياة الديمقراطية لوجود حرية المواطن للمشاركة في إختيار من يحكمه.
ثم إتضحت الملامح الاولى للجهة صاحبة المصلحة في وقوع الانقلاب و المنفذة له و إتضح انها الجبهة القومية الاسلامية فصيل الحركة الاسلامية "الاخوانية" ووتحديدا أكثر جماعة الترابي.

لم تتوانى الحركة الاسلامية الانقلابية في رفع شعار العنف وإرهاب الشعب منذ الايام الأولى لانقلابها. وإستخدمت مبدأ الحسم الثوري او الشرعية الثوربة . فبدأت بتصفيات كيدية في الخدمة المدنية وفصلت الالاف الالاف بحجة الفصل للصالح العام. وحقيقة الامر كانت هي ابدال اهل الكفاءة بأهل الولاء للجبهة الاسلامية.

وعندما ارتفع صوت عسكري رافض لنظام الانقاذ ، تم إعدام أصحاب إنقلاب 28 رمضان 1990في صبيحة اول أيام عيد الفطر وتحدثت الخرطوم عن ان بعض الانقلابيين تم دفنهم أحياء. وقد استمر ذلك العنف وما اسميته "استسهال القتل" خلال هذه الثلاثين سنة ولعل من بينها وليس أخرها عمليات القتل لمئات المعتصمين أمام القيادة العامة في اخر ايام رمضان غي 3 يونيو 2019م.

نعم لقد قاوم الشعب السوداني بكل أطيافه النظام الاستبدادي للانقاذ وقدم الالاف الالاف من الشهداء وكمثال فقط نجد الشهداء بإذن الله. التاية بشير ود. علي فضل وبولاد مرورا بشهداء دارفور. والنيل الازرق وجبال النوبة وبورت سودان والحماداب ومعسكر الجريف وهزاع وأستاذ أحمد الخير وصولا إلى شهداء 29 رمضان 2019 وكثير غيرهم من الشهداء الذين قدم كل منهم روحه و هو يحلم بان يستنشق مجددا هواء الحرية . ونجحت ثورة ديسمبر 2018 في قطع راس الافعي التي اتضح انها اخطبوطية الرؤوس السامة وانها تشكل الدولة العميقة التي كلما قطع أحد الرؤوس منها تنبت 9 رؤوس اخر تحمل السم القاتل للثورة وللشعب السوداني.

كنت اتمنى كغالب الشعب السوداني الموجوع على الوطن ان تسعى جميع الاطراف الى الوصول الى اتفاقيات لصالح شعب السودان. وان يعمل جاهدا كل طرف لتقديم كل التتازلات اللازمة للوصول مع بقية الأطراف الى مافيه خير السودان شعبا ووطنا.

لكن يبدو ان نظام الانقاذ البائد بواسطة العقل المتأمر الاستاذ علي عثمان ووزارته في الشؤون الإجتماعية قد نجح في نفخ الكير في كل مثالب الشخصية السودانية. فنشر ثقافة التفرقة والكراهية بين مكونات الشعب لبعضها البعض وبذر أولى بذور تفكيك السودان. وثبت الانانية بين شخصياتها الحزبية وكوادرها منذ ايام الدراسه بالمدارس المتوسطة والثانوية والجامعات فلم يعد يهم الفرد منهم سوى مصلحته الشخصية التي تتم على حساب الشعب. .

فأصبح كثير من نجوم المجتمع هم المرضى بالأنانية وأصحاب المصالح الشخصية او الحزبية او الجهوية الضيقة الذين يسعون خلف السلطة والمال.
أعلم كالكثيرين غيري ان الانقاذ والحركة الاسلامية عند قيامها بعملية التمكين ، "وهطت" لكل عناصرها الفاسدة في كل مجالات الدولة، مما يجعل منهم صف اول وثاني ولربما ثالث في أجهزة الدولة يتأمرون ليلا نهاراً لإجهاض الثورة ولوكلف ذلك التضحية وقتل ثلثي الشعب السوداني بناء على فتوى شيوخهم أي "شيوخ" الغفلة من الحركة الإسلامية!!!

فلذلك نرى اليوم صراع مصالح تحركه وتنفث فيه دولة الانقاذ البائدة والكيزان حتى لايتم اي اتفاق بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري والحركات المسلحة لان في ذلك الاتفاق تفكيك لدولة الكيزان العميقة ولربما محاسبة على فسادها و قضاء غلى مصالح الحركة الاسلامية.

نجد ان جرثومة المحاصصة الحزبية والجهوية والصراع على المناصب هم سبب عدم الوصول لاتفاق حتى اليوم. وخاصة بعد دخول اطراف اقليمية في الصراع وهي تعلن عن إستعدادها لدفع مبالغ خرافية لكل من يوافقها الراي ويعمل لحماية مصالحها في السودان!!! وكمثال لهؤلاء الخونة الذين هم "داراكولا" السودان لانهم بعيشون ويتكسبون بقتل شباب السودان وتعذيبهم امثال طه عثمان وصلاح قوش ونافع وعلي عثمان وعبدالغفار الشريف وعماد الدين حسين وطارق حمزة وكل تجار السلطة والدين.


ليعلم كل من يسعى للسلطة لشهوة في نفسه إنه يريد ان يتمتع بخيرات السودان أنه "معاق" عقليا وفكريا، لانه يريد ان يصل السلطة في حين ان ضحايا مقاومة الاستبداد الكيزاني والانقاذي خلال 30 عاما، بعضهم قدم روحه فداء السودان، وبعضهم ضحى بجسده وطاقاته واوقاته واصبحوا ايقونات للسودان رغم ان بعضهم اصبح "معاق" جسدياً وفقيراُ ماديا واصبحت حياته عسيرة ولكنه صابر وامله في الله كبير بأن يشاركه أبناء الوطن جانب من التضحية ولا يتناسوه.

من هنا تجدني أدعو المجلس العسكري الأحزاب السياسية حقيقية او كرتونية كانت والجماعات السياسية للشعور بالخجل والتنزه عن السعي وراء مغانم السلطة ، وان يعتبر كل من يسعى للسلطة نفسه خائن للوطن وللشهداء ولضحايا المقاومة، يجب تقديمه للمحاكمة جراء تجرؤه لطلب السلطة!!!

يجب ان يكون المنصب تكليف لا تشريف، تكليف يشعر الجميع بلا إستثناء أنهم أصغر منه وأصغر من كل الشهداء وضحايا مقاومة الكيزان والانقاذ، تكليف يفرون منه إحساسا بالذنب بأنهم بسعيهم للسلطة او قبولهم التكليف قد باعوا تلك الأرواح الطاهرة و الدماء الذكية.

يجب ان يشعر كل من هو في مرحلة المفاوضة او السعي للسلطة بأن رذاذ دماء الشهداء معلق في رقبته وانه مصاب بشيء من العار الذي لن يستطيع مسحه حتى لو كان يستطيع إرجاع السودان جنة خضراء وبلاد متقدمة ومتطورة، لانه لن يستطيع إعادة الشهداء للحياة ووجوده في السلطة نظير للثمن الذي دفعوه من ارواحهم!!!

كنا نود ان يستمر النضال والمقاومة حتى تؤتي الثورة أكلها ويقدم كل من أجرم من سدنة الانقاذ وحزبي المؤتمر الوطني والشعبي ومن آزرهم الى المحاكمة العادلة ويتم القصاص لارواح الشهداء وتضحيات المناضلين الشرفاء . ولكننا وغالبية من الشعب السوداني ايضا إحتراما لارواح أؤليك الشهداء وتضحيات المناضلين وحتى لا يسقط مزيد من القتلى من ابناء الوطن إحتسبنا الامر عند الله ورضينا بالمفاوضات مع المجلس العسكري رغم علمنا بأن وراءه الدولة العميقة الانقاذ والحركة الاسلامية.

نعم رضينا لاجل الشهداء الاتفاق ولكننا لن نرضى بالنفاق الذي ظهر في التماطل المقصود من المجلس العسكري والمسنود بتأمر واضح من بقايا الانقاذ والحركة الاسلامية ممثلة في حزبي المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي وحركاتهم الانقلابية الفطيرة. التي ما هي الا تصفية حسابات بينهم وإعادة تدوير نفايات.
إذن مهما قدم المجلس العسكري وكل الاحزاب السياسية والحركات المسلحة من تنازلات فهي لاتحسب ولا تعد مقارنة بارواح الشهداء ودماء الضحايا. ناهيك عن الا يتنازلوا او "يتأمروا" فتلك خيانة وطنية تبقى وصمة عار في جبين كل من ساند او يساند نظام الانقاذ والحركة الاسلامية المخلوع.

من ذلك يأتي أن قبول بيان النائب العام او السكوت عنه يعتبر مشاركة في خيانة الشهداء وخيانة الوطن. وهو أعلى قمة النفاق. إذن لا حل سوى تحقيق الشعار الذي رفع دفاعا عن ارواح الشهداء "يا نموت زيهم يا نجيب حقهم" .
أنشد أحد الشعراء
" يَا أَيُّهَا
الْوَاليُ الْكَذُوبُ
وَقَاتلَ الطِّفْلِ الأغَرْ!
يَا أيُّهَا
الْبَاغِي الطَّرُوبُ
وَرَائدَ الْكَذِبِ الأشِرْ !
اِذْهَبْ إلَى لاهَايَ
تُطْعِمُكَ الْعَنَاكِبُ
مِنْ ثَريدِ الْحَنْظَلِ
الْمَغْمُوسِ فِي
السُّمِّ الأمَرْ !
اِذْهَبْ فَإنَّا
قَاعِدُونَ وَصَامِدُونَ
عَلَى الْخَطَرْ !
اِذْهَبْ فَإنَّا
لاعِنُوكَ إلَى الْقِيَامَةِ
حِينَمَا يُغشَى الْبَصَرْ !!!"
wadrawda@hotmail.fr

 

آراء