لا حقوق إنسان… ولا يحزنون!! (1 – 3)

 


 

عادل الباز
2 October, 2011

 


في اجتماعات مجلس حقوق الإنسان بجنيف الأسبوعين الماضيين، جرت معركة دبلوماسية بامتياز. ففي داخل مبنى الأم المتحدة بجنيف بدأتُ أتعرَّف على أروقة وكواليس اجتماعات مجلس حقوق الإنسان... كيف تُصاغ القرارت وكيف يجري التفاوض وما هي المساومات التي تجري خلف الكواليس؟. هناك عرفتُ أنَّ حقوق الإنسان التي تُدقُّ لها طبول الصفيح في أرجاء العالم ما هي إلا غطاء لوجه السياسية القبيح. هنالك تتنمَّق الكلمات ويجري تزييفها، وآخر ما يُهمُّ السادة الكبار هنالك هو حقوق الإنسان!!.
بدأتْ قصة إنهاء مهمة المقرر الخاص لحقوق الإنسان بالسودان منذ أعوام طويلة ولكنها تصاعدت خلال العامين الماضيين حين أفلحت الدبلوماسية السودانية في حشد أغلبية داخل مجلس حقوق الإنسان بغرض إنهاء مهمة الخبير المستقل في السودان. ما هو الخبير المستقل وما هو الغرض أصلاً من تعيينه من قِبَل المجلس؟ وجود خبير مستقل لحقوق الإنسان في بلد ما يعني أن ذاك البلد يشهد ارتكاب خروقات واسعة لحقوق الإنسان مما يستدعي وضعه تحت عناية ورقابة المجتمع الدولي المركَّزَة. في تلك العناية المركَّزَة تجري كل العمليات الخطرة باتجاه ذلك البلد. تصبح هذه العناية لعنة من شأنها أن تلحق أضراراً شتى بسمعة البلاد ومن ثمَّ يتأثر اقتصادها. فأيما بلد موضوع بلد تحت العناية المركزة بشهادة مجلس حقوق الإنسان لن يكون تمويله من أيٍ من المصارف أو الصناديق الدولية ممكنا. لقد تمَّ ربط الاقتصاد العالمي تماماً بموضوع حقوق الإنسان. منظمات الضغط الغربية أصبحت أدواتاً إرهابية تجاه الحكومات والشركات التي تتعامل مع البلدان المتهمة بانتهاك حقوق بالحق أو بالباطل. ولذا ترفض جميع الدول تعيين خبير مستقل لحقوق الإنسان. يفسرُ هذا لماذا كان السودان دائماً رافضاً لمهمة الخبير المستقل.
في العام الماضي حين استطاعت الدبلوماسية السودانية جمع الأصوات اللازمة لعبور محطة الخبير وإنهاء مهمته عبر جهود مضنية مع بلدان عديدة... عملت الولايات المتحدة الأمريكية على عرقلة جهود السودان للخروج من نفق الخبير. ليس لأنها حريصة على حقوق الإنسان في السودان ولا لأن السودان الدولة الأعظم انتهاكاً لحقوق الإنسان في العالم، بل لأن منظمات الضغط الداخلية ترفض خروج السودان من نفق الخبير ليستمر الضغط على النظام ومحاصرته سياسياً واقتصاديا. قال لي أحد الدبلوماسيين ما أقسى أن تعمل مع بلدان مهيضة تتعرض لضغوط ولا تملك تحديداً موقفها وهي عُرضة لتغيير مواقفها في أية لحظة. في داخل الاجتماع الأخير العام الماضي والمخصص لإنهاء مهمة الخبير المستقل، حينما لاحظت السفيرة الامريكية أن أغلب الدول ساندت موقف السودان الداعي لإنهاء مهمة الخبير وأدركت أنها بصدد تلقي هزيمة لأول مرة من السودان، سارعت بطلب رفع الاجتماع لساعتين أجرت خلالهما اتصالات مكثفة وعملت الدبلوماسية الأمريكية - على أرفع مستوياتها – على ممارسة ضغوط متنوعة على أربع دول سرعان ما غيرت مواقفها حين عاد المجتمعون إلى القاعة مرة أخرى، وانتهى التصويت بالإبقاء على الخبير المستقل بذات مهامة.
في هذا العام حين نشطت الدبلوماسية السودانية مرةً أخرى لإغلاق ملف الخبير وحشدت تأييداً أكبر واتَّضحتْ اتجاهات ريح التصويت في مجلس حقوق الإنسان تحرَّكت السفيرة الأمريكية في جنيف باتجاه البعثة الدبلوماسيَّة للوصول لحل قبل أن يلجأ السودان للتصويت إذ أنه لم يعد ممكناً في هذه المرة العودة مرةً أخرى لدبلوماسية الرؤساء لحسم أمر يُهمُّ السودان، خاصة أن الدول الأروبية التي أعلنت صراحةً أن هذا ملف السودان بيد الأمريكان ومتى ما اتفق السودان مع الولايات المتحدة سيتم إجازة قرار توافقي بدون تحفظ من دول الاتحاد الأوربي. يوضح ذلك الضعف والهوان الذي تعانيه أوربا في مواجهة الدبلوماسيَّة الأمريكية. وهي مجرد تابع وصدى لأفعال وسياسيات الولايات المتحدة. بدأتْ المساومات تجري على قدم وساق لمدة ثلاثة أشهر مارستْ فيهم الدبلوماسيَّة السودانيَّة ببراعة حشد الدعم من دول الاتحاد الإفريقي والدول الصديقة الداعمة لمواقف السوان، ثم مارست الضغوط اللازمة وكانت أقوها هي الإصرار على التصويت وليس القرار التوافقي الذي سعت إليه الولايات المتحدة الأمريكية. صراعٌ كبير دار هناك ولغط بين منظمات المجتمع المدني، المعارضة للحكومة، وبين وفود المنظمات المشتركة والتي دعمت موقف الحكومة. كيف أمكن التوصل للقرار الذي صَدَر والذي قضى بتغيير مهام الخبير المستقل وبه يكون السودان قد خرج نهائياً من دائرة المراقبة والرصد وفق البند الرابع الذي سنأتي عليه المرة القادمة. وما هي المساومة السياسية التي جرَتْ خلف الكواليس؟ وماذا كسب السودان؟ تلك قصة نعود إليها غداً بإذن الله.

عادل الباز

 

آراء