لا خير فينا إن لم نساهم في إخماد نار الحرب

 


 

 

تطالعنا صحف الخرطوم يوميا بالكثير الغث والقليل السمين من الأخبار التي قد تحوي المراد نشره وإعلانه للجمهور وكذلك تحاول لفت الإنظار بعيدا عن المراد إخفاؤه عن الشعب!!! ولكن يبقى إن الهم الحقيقي للمواطن السوداني هو أولاً إنتهاء الحرب ووقف نزيف الدماء، ثمّ شيوع الأمن من الجوع والخوف وما عدا ذلك فهو زيادة خير. 
و من ضمن تلك الاخبار التي فأجاتنا و"فجعتنا" تلك التصريحات التي نسبت إلى مدير جهاز الأمن الوطني والمخابرات الفريق أول محمد عطا في يوم 19/11/2014م وقوله "...نحن ما عندنا ثقة في زول مهما قدم لينا...بنثق في الله وفي الحركة الإسلامية، تاني أي خموم بنتعامل معاهو وفق ما تقتضي مصلحتنا ومصلحة البلد".... "مفاوضات نجحت ما نجحت نحن تعليماتنا دحر الجبهة الثورية في أي مكان عندهم تواجد فيه حركة شعبية ولا حركات مالم يكون في توقيع إتفاق سلام نهائي ما عندنا ليهم غير النار" !!!
متناسياً إن الوصول إلى توقيع إتفاق سلام يمر عبر وقف العداوات ومن ضمنها وقف إطلاق النار وليس العكس !!! متغافلاً عن قوله تعالى )وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62)الأنفال.
إن المتحدث بمثل هكذا تصريحات كان يمكن أن يكون وزير الدفاع او الناطق الرسمي بإسم القوات المسلحة أو فليكن مدير جهاز الأمن الفريق أول محمد عطا نفسه في لحظة "تجلّى" بعد أن تحولت وظيفة جهازه الاساسية من جهاز "رصد وتحليل لمهددات الأمن القومي" ، إلى وظيفة قتالية، ولذلك جاء تصريحه نيابة عن القوات المسلحة جيشا وشرطة واستخبارات وامن ودفاع وطني ودعم سريع وغيرها من القوات الرسمية وغير الرسمية الصديقة أو غير الصديقة للحكومة !!!
السؤال الأول الذي يرد إلى الأذهان مباشرة ، هل يعقل صاحب تلك التصريحات مايقول أم هو "كلام ساهي او ساكت" ؟؟؟؟ . تأمل أخي القاريء قوله  " بنثق في الله وفي الحركة الإسلامية تاني أي خموم بنتعامل معاهو وفق ما تقتضي مصلحتنا ومصلحة البلد" !!! 
لعله من باب التأدب كان يمكنه الحديث عن "الثقة بالله"  بدلاً عن "الثقة في الله" ولكن من المؤكد إن قائل تلك الأقوال لايدرك الفرق بينهم وأيهم أصح !!! ولو علم معناها لما قالها أصلاً لأنها تهدم مايريد إثباته   !!!قال يحيى بن معاذ " ثلاث خصال من صفة الأولياء : الثقة بالله في كل شيء، والغنى به عن كل شيء، والرجوع إليه من كل شيء" . وفسر حاتم الاصم الثقة بالله بأنها "الإياس من المخلوقين".  إذن الربط بين الثقة في الله والثقة في الحركة الاسلامية في حد ذاته يدل على خلل في العقيدة وجهل بالفقه !!!
ثم هل نسى سعادة الفريق أول إنه موظف له عقد عمل وراتب يستلمه من الدولة السودانية و إنه ليس موظف في الحركة الاسلامية يتقاضى راتبه منها، ولكن "لعل" له عمل ثاني مع الحركة الاسلامية يتقاضى منه راتبا أخر في شكل حوافز او غيرها !!! وحتى في هذه الحالة لا يجوز له أن "يتكلم كلام ساكت" بوصفه مدير الأمن !!! فيما عدا إذا كانت الدولة السودانية بالنسبة له هي فقط الحركة الاسلامية !!! ثم كيف يقدم تعبير "مصلحتنا" أي مصلحة الحركة الاسلامية و المؤتمر الوطني الحاكم بأمر الحركة الاسلامية على مصلحة البلد !!! ثم لنفترض حدوث تضارب او حتى عدم تطابق بين مصلحة الحزب الحاكم والحركة الإسلامية مع مصلحة البلد فما هو الفيصل حينها  !!!
لو قال أي موظف في أي دولة في العالم بانه يثق في حزبه وحركته السياسية ويقدم مصلحتها على مصلحة البلد لكفى قوله ذلك لإضطراره للإعتذار للشعب والتقدم بالاستقالة الفورية إن لم نقل تعرضه للمحاكمة !!!
كذلك ينسى سعادة الفريق أول بأن تصريحه بثقته في الحركة الاسلامية يمكن أن يبرر لمخالفيه السياسيين والمعارضة المسلحة أن يقولوا مثلاً  "نحن نثق في الله والحركة الثورية" !!!  وكذلك يعطيهم الشرعية المنطقية لمحاكاته في القول في الاتجاه المعاكس للقول مثلاً "نحن أي خموم بنتعامل معه مثل ما تقتضي مصلحتنا ومصلحة البلد" !!!
ثم ناتي لما يسميه بالحركة الاسلامية وبما أنه إلتحق بالحركة الإسلامية في السنة الأولى لدراسته بجامعة الخرطوم وهو طالب جديد أي "برلوم" !!!، ولعل دراسته الجامعية الأكاديمية لم تتح له الزمن الكافي لدراسة تاريخ وأفكار الحركة الإسلامية، ولذلك دعنا ننقل له "قمة" ما وصلت له الحركة الإسلامية الأن!!!  كما كتبه أحد أبناء الحركة الاسلامية نفسها ودهاقنتها ألا وهو الدكتور الطيب زين العابدين والذي كتب مقالة في 13 مارس 2011م بعنوان " الشيخ الغنوشي يعزف لحن الحرية والديمقراطية" بُعيد زيارة الشيخ الغنوشي للسودان في شهر مارس 2011م، وكان مما جاء فيها رأيه في العسكريين فقال " ولعل الغرور والتعجل للسلطة والإستعانة  بالعسكر الذين ما دخلوا باب السياسة إلا أفسدوها وأفسدوا معها مؤسستهم العسكرية" !!! . 
ويقول د. الطيب زين العابدين كذلك " لم يخطر ببالنا طرفة عين، أننا عندما نحكم قبضتنا على مقاليد الدولة والمجتمع، سنضرب أسوأ مثل لحكم ديمقراطي أو عسكري شهده السودان علمانياً كان أم إسلامياً. فقد حدث في عهد الإنقاذ ما لم يحدث في غيرها من الكبائر: …..، وانقلبت الحرب ضد التمرد من حرب وطنية تحفظ وحدة السودان إلى حرب دينية جهادية ضد الكفار في الجنوب أدت إلى مقتل أكثر من عشرين ألفاً من شباب الإسلاميين،.، …..، واستشرى الشعور بالعرقية والقبلية في كل أنحاء السودان بصورة غير مسبوقة، .....، وبلغ الفساد المالي والأخلاقي مداه في ظل حكومة الإنقاذ بممارسات لم نسمع بها من قبل في العهود العسكرية السابقة".
________________________________
" ...ولم يكن شأن الحركة الإسلامية نفسها التي حكموا باسمها أحسن حالاً، فقد فقدت طهارتها الثورية، وكسدت شعاراتها الإسلامية حتى ليستحي المرء من ترديدها أمام الناس، ... ".
ويفرح د. الطيب زين العابدين بقول الشيخ الغنوشي "إن الاستبداد والفساد لا دين لهما ولا أيديولوجية، ويمكن ممارستهما تحت مظلة أي دين أو أيديولوجية بما في ذلك الإسلام" . 
ما نود أن نقوله هنا هو إننا من باب حسن الظن سقنا تلك الأقوال المنسوبة للفريق أول عطا فضل المولى بصيغة التضعيف !!! ثم بغض النظر عن صدق تلك التصريحات من عدمها،  فإن سعادته الأن أصبح من صانعي القرار بوصفه رئيس جهاز الأمن والمخابرات. ولذلك دعونا نستغل السانحة لنخاطب فيه قلب المحب خاصة وهو القائل عن نفسه " تزوجت عام 1992م ، لم يكن زواجاً تقليدياً بل تزوجت عن قصة حب قوية ...... تزوجنا كما قلت بعد (قصة حب جميلة) استمرت لأربع سنوات حتى تزوجنا ". فمن يعرف الحب لا يعرف لا الكراهية ولا الحرب !!!  
من ناحية أخرى الكل يعلم إن الحرب حتى بين الأعداء لا تلد إلا القتل والتشريد والدمار إما إذا كانت بين أبناء الوطن الواحد وفوق ذلك بين المسلمين بعضهم البعض فالكل يدخل تحت قول المصطفى "ص" (إِذَا التَقَى المُسلِمَان بسَيْفَيهِمَا فالقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ في النّارِ) قُلتُ : يا رَسُولَ اللهِ ، هذا القَاتِلُ فَمَا بَالُ المقْتُولِ ؟ قَالَ : إنَّهُ كَانَ حَريصاً عَلَى قتلِ صَاحِبهِ) مُتَّفَقٌ عليهِ. ويقول الصادق المصدوق )والَّذِي نَفْسِي بيده لَقَتْلُ مُؤْمِنٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ من زَوَالِ الدُّنْيَا( . مما  يبين عدم شرعية الحرب بين المسلمين وإنها من المعاصي إن لم نقل من الكبائر!!!.
أما من ناحية المنطق والعقل، فالحرب ضد السلم وضد الخير بل هي من أسوأ أنواع الشر إن لم نقل إنها أم الشرور التي تحرق الأخضر واليابس ولا تبقي ولا تذر إلا الخراب والرماد. ثم يا سعادة الفريق اول مهندس إن تكلفة الحرب اليومية هي 4 مليون دولار فإذا كانت البلاد آمنة مطمئنة كان يمكن أن يستثمر ذلك المال في بناء البنية التحتية بل تحقيق تنمية حقيقية ، فإذا إفترضنا إن هذه الحرب الأخيرة بدأت في 2003م اي منذ قرابة العشرة سنوات، إذن بعملية حسابية بسيطة نجد إن ما صرف في هذه الحرب هو 14.400.000.000 اي ما يقارب ال15 مليار ، وإذا أضفنا إليها تكلفة حرب الجنوب خلال ال10 سنوات الإولى من عمر الانقاذ لاصبح ما صرفته الانقاذ على الحرب يقارب ال30 مليار دولار. وهو مبلغ كان يكفي لتسديد ديون السودان الخارجية التي  تقارب ال 45 مليار، خاصة وإن جزء كبير من تلك الديون جاء بسبب الحرب نفسها!!!.  ولا ننسى الفقد الإنساني لحوالي المليون قتيل من أبناء السودان، وكذلك وجود 3 مليون نازح  ولاجيء داخل السودان وفي دول الجوار. 
قال الصادق المصدوق ( لا تقتلوا شيخًا ولا طفلاً ولا صغيرًا ولا امرأة ولا تغلوا - أي لا تخونوا-، وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين(، وقال أيضًا ) لا تقتلوا ذرية ولا عسيفًا، ولا تقتلوا أصحاب الصوامع ( وقد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في إحدى الغزوات امرأة مقتولة فغضب وقال"ما كانت هذه تقاتل أو لتقاتل".
فيا أيّها المهندس صاحب العقلية الرياضية إن لم يقنعك الجانب العقدي والديني والانساني للمساهمة في إيقاف الحرب، إلا يقنعك المنطق الرياضي فتسحب تلك المبدئية الفاسدة "ما عندنا ليهم غير النار" وتفكر بدلاً عنها في المصالحة.
إن عمر الانقاذ هو أكثر من ربع قرن أمضت منها حوالي 20 عاما في الحرب التي خلفت القتل والدمار وديون خارجية بلغت قرابة ال 45 مليار، أي سلبية كاملة. وفي فترة زمنية مماثلة اي فترة  20 عاما قامت نهضة ماليزيا ذلك البلد الذي به 18 ديانة و"دخلت- ماليزيا- في نادي الدول المتقدمة" وقفز الاحتياطى النقدى بماليزيا من 3 مليارات إلى 98 ملياراً، ووصل حجم الصادرات إلى 200 مليار دولار !!!  "فقف تأمل"!!! 
الأخ الفريق أول المهندس محمد عطا المولى إننا عبر هذه المقالة نريد تذكيرك بأن الخير كل الخير في إيقاف الحرب. لعلك تشجع أصحاب القرار على الوصول إلى توقيع إتفاق سلام نهائي وبذلك تساهم في إيقاف الحرب اليوم قبل الغد وتنقذ كثير من الأرواح السودانية البريئة . 
أنشدت الشاعرة زينب محجوب 
" دفق دم البلد وبسيل 
علي الأرض السماها انقد .. 
رعف أنف البلد والناس
بتمزج بالهظار الجد .. 
نزل دم الرهيفة و سال
وكت فات الكتال الحد ..
منو الشيال تقيلة وحار 
بشيل طوبو ويعلي السد ؟ 
ويفرد للشواطئ مكان 
وكت بحر المظالم مد ..
ويمنع سيل دمانا يفيض
يخفف من قساوة الرد .. 
منو السواي وما حداث؟
جدار الظلم بيو يتهد " .
wadrawda@hotmail.fr

 

 

آراء