لا لسفر الرئيس

 


 

 

زفرات حرى
الطيب مصطفى

نمى إلى علمي من مصادر موثوقة أن دولة الكيان الصهيوني زادت من مناوراتها خلال الفترة الأخيرة في منطقة البحر الأحمر، ويربط المراقبون ذلك بقرار محكمة الجنايات الدولية بتوقيف الرئيس البشير، ولا ينتطح عنزان في أن الدولة الصهيونية لا يردعها رادع عن فعل كل ما لا يخطر على البال من جرائم في سبيل تحقيق أهدافها، ولعل محرقة غزة والمذابح الأخرى منذ قيام هذا الكيان الغاصب على أرض فلسطين تمثل دليلاً على أن إسرائيل الضالعة في أزمة دارفور من خلال بعض عملائها من أمثال عبد الواحد محمد نور لن تتردد في اعتراض طائرة الرئيس خاصة بعد أن تولى (شارون الجديد) نتنياهو رئاسة الحكومة الصهيونية التي ستكون الأكثر تطرفاً منذ إنشاء دولة الكيان الصهيوني. ويجدر بنا أن نستحضر هنا الاستراتيجية الاسرائيلية التي عبَّر عنها وزير الأمن الاسرائيلي ديختر الذي قال: إن السودان ظل عنصراً ثابتاً في الاستراتيجية الاسرائيلية التي ظلت تعمل على تعويق تقدمه واستقراره حتى لا يلعب الدور الذي يؤهله له موقعه وإمكاناته، وبالتالي فإن اسرائيل ذات الدور الفاعل في قضية جنوب السودان بشهادة عملاء الموساد مما كتبنا عنه من قبل والناشطة في دارفور لا أخالها ستفوِّت فرصة العمر لتحقيق أكبر إنجاز يُغرق السودان في فوضى ضاربة الأطناب تحقق لها »بالجملة« كل ما كانت تسعى إلى تحقيقه (بالقطاعي)!! وهل قامت إسرائيل من أول يوم إلا على القرصنة وهل كان تاريخ اليهود الذي حكى عنه القرآن الكريم إلا تجسيداً لما تفعله دولتهم اليوم وما ظلوا يقترفون على مدى التاريخ البشري في كل زمان وكل مكان في العالم؟!
لكن هل إسرائيل وحدها هى السيئة التي تريد بالسودان شراً؟ ماذا فعلت أمريكا ولا تزال بالسودان، بل بالعالم الإسلامي أو حتى العالم الثالث، وهل نحتاج إلى التذكير بالطغيان الأمريكي الذي لا يصده صاد من قيم أو أخلاق بعد أن اعترفت أمريكا بأن كل ما فعلته في العراق من تقتيل وتشريد ودمار ناشئ عن كذبة؟! ثم ماذا فعلت بريطانيا بالسودان منذ العهد الذي يسمى مجازاً بالتركي من خلال إدارييها الذين حكموا السودان، ثم في فترة الحكم الثنائي التي تسببت خلالها بريطانيا في مشكلة الجنوب التي نتجرع علقمها المُر حتى اليوم بما في ذلك إشعال التمرد قبل أن ينال السودان استقلاله، ثم توحيد الجنوب والشمال إمعاناً في النكاية بالشمال مع فصل السودان عن مصر؟!
هل نحتاج إلى أن نذكر بالقواعد الأمريكية التي يمتلئ بها الخليج بدءاً من المياه الاقليمية والدولية في البحر الأحمر والتي تمر عبرها الطائرة من الخرطوم إلى الدوحة مروراً بالقواعد الأمريكية التي تكتظ بها منطقة الخليج بما في ذلك دولة قطر؟!
هل نتغافل عن فرنسا ساركوزي سليل اليهود التي تناصبنا العداء هذه الأيام كما لم يحدث في تاريخها الطويل؟! فرنسا التي صنعت من القزم إدريس ديبي الذي نصبناه رئيساً لتشاد ليكون لنا عدواً وحزناً... صنعت منه شراً مستطيراً يؤتى منه السودان من خلال أعداء أنفسهم وأهليهم وبلادهم من الحمقى الذين رتع الشيطان في عقولهم واستقر في قلوبهم ووالوا أعداء الله متنكرين لفقه الولاء والبراء ولقوله تعالى: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم)..
هل نتعامى عن فرنسا ونتجاهل تهديدات ناطقها الرسمي الذي لن أصدق نفيه لتصريحاته بعد أن خرجت من فيه خاصة وأن الصحيفة التي نقلت تلك التهديدات لا تزال تصر على صحة روايتها لتصريحات المسؤول الفرنسي؟!
لا أشك في صدق نية ومشاعر دولة قطر وأميرها المقدام الذي منحها دوراً ومكانة لكني أتسائل: هل تدار القواعد الأمريكية في الخليج بإذن من حكامها ثم لماذا نُحرج أمير قطر الذي يضطلع بدور مهم في الملف السوداني... لماذا نحرج الرجل الذي ساند السودان في حين تنكر له الأقربون من أصحاب العلاقة »الأزلية«؟!
إن المرء ليرثى للواقع العربي الرسمي اليوم والذي فقد إرادة الفعل ومنحها لأعدائه وإلا خبروني بربكم أما كان الأولى بالزعماء العرب أن يحولوا قمتهم إلى الخرطوم تعاطفاً مع من يُفترض أنه أخوهم (البشير) ورفعاً للحرج عنه ونكاية في أعدائه المتربصين؟! أين هى قيم النخوة والشهامة والشجاعة والمروءة التي طواها النسيان وصارت مجرد أحاديث تلوكها الألسن وأشعار نتسلى بها ونتحسر كلما قلبنا صفحات التاريخ الغابر؟!
ثمة سؤال آخر وهو لماذا يسافر الرئيس البشير وهو المُتربَّص به المتُجَهَّم في وجهه بالرغم من أن كثيراً من الزعماء العرب لا يشاركون في هذه القمم الاحتفالية الفارغة؟! منذ متى توقف العاهل المغربي عن حضور هذه القمم؟! متى شارك الزعيم القذافي آخر مرة في قمة عربية؟! ألم يعلن أن الرئيس مبارك لن يشارك في قمة الدوحة؟ هل خرج الرئيس الكوبي كاسترو المستهدَف من أمريكا... هل خرج من دولته لعشرات السنين؟! هل حضر صدام حسين القمم العربية خلال السنوات العشر الأخيرة من حكمه؟... كم حضر من الزعماء العرب قمة الدوحة حول غزة وكم حضر منهم قمة الكويت الاقتصادية ثم ما هي المشكلة في أن يشارك الأستاذ علي عثمان محمد طه ممثلاً للبشير؟!
إن الأمر لا يتعلق بالرئيس في شخصه وإنما في الدولة السودانية التي أجمع شعبها الشمالي إلا قليلاً عليه ومن شأن غيابه عن الساحة أن يُحدث الفوضى الخلاقة التي تسعى أمريكا إلى إحداثها وعلى الذين يتحدثون عن المكسب السياسي الناشئ عن عودة الرئيس سالماً رغم كيد أعدائه أن يسألوا أنفسهم عن أيهما أخطر أثراً حضوره من القمة سالماً أم غيابه عن الساحة السياسية بكل تداعياته الكارثية على مستقبل السودان؟!
يتحدث البعض عن ضمانات تقدمها دولة قطر من الأعداء بمن فيهم إسرائيل وأمريكا وفرنسا وبريطانيا وغيرها لكن أيهما أفضل تقديم ضمانات من الكذابين الأفاكين الأنجاس أم ضمانة بقاء الرئيس في وطنه مع شعبه المحب وقاعدته الجماهيرية العريضة ثم هل يجوز للرئيس أن يغامر بحياته على سبيل (الجعلية) أم يستجيب لنداء وطنه وشعبه الذي ولاه ثقته وأغدق عليه حبه؟!
ثمة سؤال آخر وهو ما هى الفائدة المرجوة من قمة شهد عشرات أمثالها... قمة معطوبة في واقع عربي مأزوم؟!
أخيراً فإني لا زلت أنتظر الرد الشافي من علماء الأمة ومجمع الفقه الإسلامي الذي تحدَّث إليَّ معظم أعضائه وقالوا إنهم لا يرون أية مسوغات شرعية تبيح للرئيس السفر رغم المحاذير التي ينطوي عليها خروجه من السودان.
إنني أدعو الفعاليات السياسية في حالة إصرار الرئيس على السفر ـ إلى الخروج إلى المطار ومنعه من المغادرة ولا أشك في أن الرئيس سيقدِّر ذلك الفعل الذي سيزيل عنه الكثير من الحرج تجاه من التزم لهم بحضوره خاصة دولة قطر ويا لها من فرصة ليخرج الملايين إلى المطار وتصورهم الفضائيات ووكالات الأنباء ليحكوا عن قصة حب بين شعب ورئيسه... أما الفعاليات السياسية والشعبية فإني أدعوها إلى الانتظام في جبهة عريضة لإبطال سفر الرئيس.

 

آراء