لا للمجاملات على حساب الدين يا غازي صلاح الدين!!
5 May, 2009
زفرات حرى
الطيب مصطفى
كُنت قد سعدت أيما سعادة لغضبة د. غازي صلاح الدين احتجاجاً على تطاول ياسر عرمان على الشريعة الإسلامية خلال مناقشة القانون الجنائي في البرلمان وقد تذكرت حين قرأت عن ثورة غازي غضبة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان حين ثار في وجه الرئيس الصهيوني شيمون بيريز خلال مؤتمر دافوس الاقتصادي ثم انسحب من المؤتمر احتجاجاً على حديث بيريز الذي دافع فيه عما فعله الصهاينة من محرقة في حق غزة وقلت حينها إنهما غضبتان لله تعالى (غضبة أردوغان وغضبة غازي).
لكن خيبة أمل كبيرة بل غضبة كبرى انتابتني بعد ذلك على غازي عندما قرأت مقاله الذي انسحب فيه من موقفه (الأردوغاني) أو كاد وذلك عندما قال متحدثاً عن عرمان: (ومن حقه أن يقول رأيه ــ في كل الأحوال ـ دون رميه بالكفر أو النيل منه)!!
إن ما أغضبني هو عبارة (في كل الأحوال) التي تعني أنه يجوز له أن يقول ما يشاء ولا يجوز لأحد كائناً من كان النيل منه أو التصدي له أي أنه يجوز له أن يهاجم شريعة الله سبحانه وتعالى ويستخف بها ويطعن دون أن يتوقع تصدياً له أو نيلاً منه!!
لست بصدد الحديث عن التكفير الذي لم أقل به ولا أملك فذلك شأن جهات أخرى يحق لها أن تحكم على من تراه خارجاً على الدين كافراً به دون حجر عليها أو تضييق لكني بصدد عبارة (النيل منه) لأني وغيري من المسلمين لا نتلقى التعليمات والتوجيهات من أي شخص كائنًا من كان وإنما من الله العزيز الحكيم ورسوله الكريم تقرباً إلى الله سبحانه وتعبداً إذ يقول: (ولا ينالون من عدو نيلاً) التي وردت في الآية الكريمة (... ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطأون موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلاً إلا كُتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين). وسبحان الله فغازي صلاح الدين يستخدم نفس الكلمة القرآنية (النَّيل .. بفتح النون) ليدافع عن عرمان بينما يحثنا الله تعالى ويرغِّبنا في التقرُّب إليه من خلال (النَّيل) من الأعداء من أمثال عرمان وباقان وألور!!
لقد كتب غازي أنه رد على عرمان في البرلمان بقوله إنه فهم من كلام عرمان (أنه يوُحي بأن العقوبات الإسلامية تستوجب المراجعة لأنها مهينة ولأنها تخالف الدستور والمتعارف عليه من حقوق الإنسان والثانية تقول بأن تحريم الزنا ليس شيئاً مجمعاً عليه بين جميع الملل والثقافات وأن القانون الجنائي ينبغي أن يستوعب هذه الحقيقة).
إن ما فهمه غازي من عداء عرمان للتشريعات الإسلامية فهمه ويفهمه كل الشعب السوداني منذ أن دنس الرجل ثرى هذه الأرض الطيبة بعد هروبه الكبير في الغابة مع قرنق فقد كانت أولى المعارك الكبرى التي خاضها الرجل هى معركة التصدي لإيراد آية (بسم الله الرحمن الرحيم) في صدر الدستور الإنتقالي بعد نيفاشا، وكانت سيرته وحياته الخاصة والعامة عبارة عن ملحمة من العداء للإسلام من خلال طروحات الحركة الشعبية التي جعلت أهم أهدافها تحويل السودان الشمالي من هويته العربية الإسلامية الحالية إلى دولة أفريقانية علمانية نصرانية في إطار مشروع السودان الجديد.
لقد كان كلام غازي ورده على عرمان كافياً لإفحامه فقد أثبت غازي أن الزنا محرم في كل الديانات الإسلامية والمسيحية واليهودية وأورد النصوص المؤيدة لطرحه بل أنه محرم حتى في الأعراف القبلية لأنه (نوع من الاختلاس والخيانة) ثم إن الزاني (إن تطلع إلى الزنا في نساء الغير يغضب إن رآه في نساء بيته) وقال غازي في ذلك كلاماً جميلاً لكنه استنكر الثورة التي أعقبت جلسة البرلمان في منابر الرأي العام من صحف وانترنت ومنابر جمعة وقال إن ما دفعه لكتابة موقفه الأخير زيارة كمال الجزولي ـ اليساري المعروف ـ له في مكتبه أبدى له خلالها امتعاضه من الحملة التي يتعرض لها عرمان!!
أعجب أن يُنكر غازي على المجتمع تلك العافية التي دبَّت في أوصاله والتي جعلته يتفاعل مع ما يراه طعناً في دينه بالرغم من أن ذلك مما كان ينبغي أن يكون محل إشادته... أن يكون مجتمعنا متناهياً عن المنكر مؤتمِراً بالمعروف مستحقاً للخيرية التي لا تُنال إلا بالاتصاف بتلك الصفات: (كنتم خير أمةٍ أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله).
قال غازي إن عرمان أوضح موقفه وانه قال إنه لم يرمِ إلى الفهم الذي أشار إليه غازي في كلمته وأقول إنه لولا تصدي غازي ونواب المجلس الوطني للرجل لقال أكثر مما قال من تهكم واحتقار لشرائع الإسلام وشعائره.
إن الردع الاجتماعي لكل المظاهر السالبة في المجتمع بما في ذلك التصدي للذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا مما ينبغي أن يُشجَّع بل إنه من الخصائص التي تنجي المجتمع من العقوبة وتستمطر الرحمات لا اللعنات التي تلحق بمن لا يتناهون عن المنكر (كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون) لذلك فإن مقال غازي الأخير لا أفهم منه إلا أنه دعوة لوقف الحملة على عرمان وأباطيل الحركة الشعبية.
إن غازي يعلم أكثر مني أن القرآن الكريم شن حملة ضارية على أعداء الإسلام الوليد في المدينة المنورة وحذرهم وأنذرهم وشنَّع عليهم وعلى أقوالهم بأغلظ العبارات (يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل).. (لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينَّك بهم...).
وأمر الله تعالى الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم بمجاهدة الكفار والمنافقين والإغلاظ عليهم (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم...).
أختم بالقول إنه لا خير في سياسة تقوم على المداهنة وليت غازي سكت عن كلمته تلك التي أباح فيها لعرمان أن يقول ما يشاء وأنكر على النائلين منه من الحادبين على دينهم الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر!!
بقي لي أن أقول إن د. غازي صلاح الدين من أكثر الاسلاميين قرباً إلى قلبي وثقتي وهو فوق ذلك أكثرهم ذكاء واطلاعاً وقد سعدت كثيراً بأنه دخل أخيراً إلى ملف التفاوض مجدداً مع أمريكا تحت إدارة أوباما وهو رجل يجيد التخطيط ويعرف فن التفاوض ولا يعطي بالمجان فضلاً عن كونه دقيقاً للغاية في انتقاء عباراته لذلك اعتبر عبارة (في كل الأحوال) التي تكرَّم بها على عرمان مجرد نبوة قلم أكثر منها تجملاً أمام الحركة الشعبية وهى في النهاية إن كانت خطأ لا تعدو أن تكون قطرة في بحر صوابه.
أود أن أوصي الكتّاب الرساليين بالتزام البيتين الشعريين التاليين اللذين ينبغي أن يوضعا شعاراً أمام كل كاتب مسلم:
وما من كاتب إلا سيفنى ❊❊ ويُبقي الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شيء ❊❊ يسرك في القيامة أن تراه