لبنى أحمد حسين: لاأسعى للشهرة أو المال وقضيتي هي الحقوق والحريات وليست البنطلون

 


 

 

كتابي يدافع عن الإسلام ولا يسىء إليه وتكريمي كان في البلاد العربية والسودان
 

التقيت وزير الخارجية الفرنسي مثلما يلتقيه المسؤولون السودانيون وأناضل لإلغاء التشريعات المهينة للمرأة

 

أجرت الحوار

 أسماء الحسينى

alshareefaasmaa224@hotmail.com

 

صدر مؤخراً  للكاتبة الصحفية لبنى أحمد حسين, التي ألقي القبض عليها في يونيو الماضي بسبب ارتدائها بنطالاً, كتابٌ عنوانه: (أربعون جلدة من أجل سروال) عن دار نشر فرنسية شهيرة، وقد ثارت مجدداً ضجةٌ وجدلٌ داخل السودان وخارجه حول الكتاب وصاحبته، بعد أن أكدت المؤشرات ارتفاع مبيعاته بالغرب، وقد صاحب إصدار الكتاب تحركات نشطة للبنى في عدد من العواصم العربية والغربية، ولقيت احتفاءً وتكريماً لها في أكثر من عاصمة، بعد أن خرجت من الخرطوم بطريقة غير معلومة، وفي الحوار التالي وضعنا لبنى في قفص الاتهام، وواجهناها باتهامات البعض لها بالإساءة لصورة السودان والإسلام، وتقديم الأمور على غير حقيقتها، طمعاً في الشهرة والمجد الشخصي والمكاسب المادية، ووجهنا لها أيضاُ استفساراتنا عن وقائع قضيتها وتطوراتها، وسألناها عن خططها المستقبلية ورؤاها للتطورات المهمة التي تحدث في السودان.

* البعض يرى أنك أسأت للسودان وللإسلام في كتابك الذي صدر حديثاً؟

- أتحدى أياً ممن كتبوا يهاجمون كتابي أن يكونوا قد قرأوه حقاً، فقد نشر بالفرنسية وسيترجم في وقت لاحق إلى العربية وغيرها، وكان هدفي الأساسي في الكتاب هو الدفاع عن الإسلام الذي تنسب له هذه الممارسات الخاطئة زوراً وبهتاناً، وفي الكتاب حكيت عن واقعة محاكمتي وعن جوانب من نشأتي وحياتي وعن الأوضاع في السودان ومسيرة تطور المرأة السودانية، ولم أسئ للسودان مطلقاً.

* التقيت مسؤولين غربيين في دول تعتبر معادية للسودان؟

- تقصدين لقائي بوزير الخارجية الفرنسية برنار كوشنير... لماذا يوجهون لي النقد إذا قابلته، ولا يفعلون الشيء ذاته لمستشار الرئيس السوداني الدكتور غازي صلاح الدين الذي التقاه مؤخراُ.. لماذا حلال عليهم حرام على غيرهم .

* لعلك لا تنكرين أن الأوساط الغربية تلقفتك... وها هي تنهال عليك بالتكريم؟

- هذا غير صحيح, أول من كرمني هو شعبي، الشعب السوداني العظيم بمؤسساته الشعبية ومجتمعه المدني وأحزابه السياسية وناشطيه, وكنت دائماً أقول لهم إنني لا أستحق تكريمهم، وأن الأحق به هن بائعات الشاي في الخرطوم اللواتي يجاهدن يومياً من أجل حياة أسرهن، وكانت إحداهن واسمها نادية صابون قد استشهدت أثناء مطاردتها، وهؤلاء ـ أي نادية وصويحباتها ـ أعتبرهن أكثر شجاعة مني، أما التكريم التالي لي فكان في صنعاء والقاهرة، ثم كرمت مؤخراً في مدريد من إحدى منظمات المجتمع المدني.

* يقولون إنك جنيت كثيراً من المال والشهرة؟

- تضحك قائلة: الصيت ولا الغني... لكنني لدي من المال ما يكفيني، ولم أفتعل القضية لجني المال.

* لبنى.. ألا تشعرين أن هناك قضايا أهم في السودان الآن من قضية بنطلونك كان ينبغي التركيز عليها, وفي مقدمتها قضية وحدة البلد المعرضة للتفتت؟

* نعم القضية ببساطة ليست موضوع بنطلون، وإنما قضية الحقوق والحريات والدستور، وهذه هي القضايا الرئيسية التي تؤرقنا جميعاً كسودانيين, وتؤرق معنا الحادبين على وحدة السودان وسلامه واستقراره من الأشقاء والأصدقاء، لكن القوانين القمعية التي آذتني وحوكمت بمقتضاها، وألقي القبض بموجبها على 43 ألف امرأة فقط في ولاية الخرطوم وحدها في عام 2008، هي ذات القوانين التي ستحول دون حدوث تحول ديمقراطي حقيقي ودون القدرة على إحداث تأثير إيجابي في نتائج استفتاء حق تقرير المصير لإخوتنا في جنوب السودان مطلع العام المقبل، الذي سيحدد ما إذا كان السودان سيستمر وطناً موحداً أم لا، وهذه الخيارات الصعبة سيزيدها استمرار القوانين القمعية خطورة، حيث أنها لن تسمح للشعب السوداني بمناقشة مستقبله بحرية.

* هل مازلت تؤملين في بقاء السودان موحداً رغم كل التحديات الراهنة؟

- السودان دولة عظيمة حافلة بالإمكانات البشرية والموارد المادية، وحافلة كذلك بتعدد وتنوع ديني وعرقي وقبلي وثقافي يمنحها ثراءً، لكن السودانيين لن يستطيعوا تفجير الإمكانات العظيمة في أنفسهم وبلدهم ما لم يكونوا قادرين على المناقشة والمساهمة في قضايا بلدهم دون ضغوط أو مخاوف، نحن بحاجة إلى تغيير حقيقي ينهي فصولاً دامية من تاريخ بلدنا.

* وماذا حد ث بالضبط وقت القبض عليك وأين تم ذلك؟

- كان ذلك في كافتيريا (كوكب الشرق) وهي مكان مشهور بالخرطوم ترتاده العائلات ويقدم الطعام والعصائر، كما يقدم أحد المطربين به وصلات غنائية، دخل أفراد الشرطة المكان في الساعة الحادية عشرة وعشر دقائق مساء، وبدأوا يقتادون الفتيات اللواتي يرتدين بنطالات إلى قسم الشرطة، وهناك تعرضت مع الفتيات الاثنتي عشرة الأخريات لطريقة مهينة في العرض على الشرطة لترى ما إذا كانت ملابسنا تمثل أفعالاً فاضحة، وكان أن استدعيت المحامي التابع لعملي بالأمم المتحدة، وكان بإمكاني استخدام حصانة عملي بالمنظمة الدولية لكنني فضلت الاستقالة لأحاكم كمواطنة سودادنية، ولأتمكن من مواجهة القوانين الجائرة.

* ولماذا في وقت لاحق رفضتِ دفع غرامة تعادل مائتين وخمسين دولاراً تقريباً، وفضلت الخيار الآخر وهو السجن لمدة شهر، لولا تدخل نقيب الصحافيين السودانيين لإطلاق سراحك؟

- كان يمكنني دفع مبلغ الغرامة، لكنني ببساطة رفضت أن أدفع غرامة على جرم لم أرتكبه

* هل أسدل الستار على قضيتك بإطلاق سراحك؟

- المعركة لن تنتهي، وستستمر من أجل إسقاط هذه القوانين المهينة  المنافية للشريعة الإسلامية وللدستور السوداني ولحقوق الإنسان، حيث أن محاكمة النساء وفقاً للمادة 152 التي تنص على جلد النساء بسبب ما يرتدين من الملابس محاكمة مذلة ضد حقوق النساء وكرامتهن، فالقضية بالنسبة لي هي وقف القوانين التي تتحرك بموجبها الحملات الجائرة التي قد تطال في المستقبل آلاف النساء والفتيات, فيجلدن دون ذنب أو جريرة سوى ارتداء ثياب قد لا ترضي البعض، كما حدث آلاف المرات في السابق دون أن يكون بينهن صحفية لتفجر الموضوع، وليظل الجلد وصمة عار بعد ذلك على جبينهن في مجتمع لا يعرف معنى للفعل الفاضح إلا ممارسة الفاحشة.

* لماذا تصرين على مواصلة تصعيد حربك على المواد المقيدة رغم انتهاء قضيتك أمام القانون؟

- معركتي لم تكن فقط من أجل الحصول على البراءة الشخصية، وإنما من أجل إلغاء المادة 152، لأنها لا تتوافق أيضاً مع الشريعة الإسلامية.

* كيف؟

- لأنها تتحدث عن ملابس، واسمها أفعال فاضحة، وفي المجتمع السوداني هناك مضمون واحد لمصطلح أفعال فاضحة وهو الرذيلة، وبالتالي فإن استمرار وجود مثل هذه المادة من شأنه أن يقود المجتمع بأكمله، وهو ما حدث بالفعل إلى رمي المحصنات وقذفهن، وهذه جريمة تستوجب معاقبة مرتكبها وفقاً للشريعة الإسلامية بالجلد ثمانين جلدة، أما جلد البنات كعقاب على ما يلبسن فليس من الشريعة في شيء، ومن يقول بغير ذلك فعليه أن يقدم لنا الدليل من الشريعة والسنة النبوية، وأنا كمواطنة سودانية ألتزم بدستور السودان وباتفاقية السلام التي أسفرت عن تطبيق قوانين في شمال السودان مستمدة من الشريعة الإسلامية، أياً كان رأيي في ذلك.

* هل ترين إمكانية حدوث تعديل أو إلغاء لهذه المواد القانونية المقيدة في وقت قريب؟.

- هناك توجه شعبي عارم الآن من أجل إلغاء المواد المهينة للمرأة والمحطة لكرامتها، والتي تقود كل المجتمع لرمي المحصنات فتشيع الفاحشة، وهذا ليس من مقاصد الشريعة.

* هناك من يرى أنك صعدتِ القضية ولم  تقبلي الحلول والتسويات التي قدمت من أجل إنهائها في بداياتها؟

- إذا كنت أنظر لها كقضية شخصية لأمكنني إنهاؤها وقت القبض علي، لكنني أرى أن الموضوع أكبر من ذلك بكثير، إنه موضوع حريات وحقوق المرأة والمجتمع بأكمله، ولذا رفضت أي حل فردي، وكان يمكن بحصانة الأمم المتحدة التي أتمتع بها أن ينتهي الأمر.

* هل حاول أحد من المسؤولين الكبار في الدولة الاتصال بك والتفاهم معك على طي القضية؟

- نعم كثيرون بدون ذكر أسماء، حدث ذلك لأنني صحفية مشهورة، لكن من للنساء الضعيفات غير القادرات على الشكوى، واللواتي لا يستطعن مواجهة المجتمع بعد جلدهن، واللائي يصبح الجلد وصمة عار على جبينهن، لأن المجتمع لا يتخيل أنهن جلدن لمجرد ارتدائهن ملابس صنفها البعض تبعاً لأهوائهم.

* البعض قال إنك تسعين للشهرة وإلى إحداث فرقعة إعلامية؟

- لم أُلقِ القبض على نفسي... كنت في حفلة ولم أكن في ندوة أو ورشة عمل، كنت في مكان عام يرتاده عدد كبير من الناس العاديين والأسر.

* يقال إنه يقف خلفك ناشطون وأحزاب معارضة دفعتك لتحويل قضية عادية إلى محاولة للتعريض بحزب المؤتمر الوطني الحاكم ومشروعه الإسلامي؟

- كان على من يقول بذلك أن يسأل قائد الحملة الذي قام باعتقالي هل دفعته جهات للقبض علي... فأنا ببساطة لم أقبض على نفسي، أو أحاكم نفسي أو أفتعل هذه القضية من تلقاء نفسي.

* هل كان أمر القبض عليك عملاً عشوائياً أم مقصوداً لكتاباتك المعارضة؟

- لا أستبعد تماماً أن يكون مقصوداً، ولا أرجحه تماماً، لكن هناك استهداف لكل النساء.

* كيف مرت عليك لحظات إلقاء القبض عليك؟

- كل ما كان يشغلني وقتها هو تهدئة البنات الأخريات اللاتي قبض عليهن معي، وبعضهن كن صغيرات السن، وكن في حالة سيئة، وقد عوقبن بالجلد، وأنت تعرفين القيود في المجتمع الشرقي، وأكثر ما أزعجني في هذه القضية أن فتاة صغيرة تم القبض عليها وقد جاءت لمكان الحفل العام مع أخواتها, لكن لأنها الوحيدة التي كانت ترتدي بنطالاً ألقوا القبض عليها فتركها خطيبها لما علم بالأمر, لأنه لم يكن قادراً على فهم حقيقة ما جرى، لكن ما أسعدني في وقت لاحق أنه اتصل بي بعد تصعيد القضية وقال لي إنه فهم الآن ما حدث, وأنه يشعر أنه أخطأ في حق خطيبته وعادت المياه لمجاريها بينهما.

* البعض قال إن  الزي الذي كنت ترتدينه وقت إلقاء القبض عليك لم يكن هو ذاته الذي أظهرته بعد ذلك؟

- كلاّ كان هذا هو الزي ذاته، ولا أراه بالطبع زياً فاضحاً، فهو زي محتشم.

* ولماذا وجهتِ كروت دعوة لحضور محاكمتك وجلدك؟

- لو كنت في أوضاع عادية لكتبت مقالاً عما حدث ونشرته، لكن الرقابة على الصحف في السودان كانت تحول دون ذلك، وخشيت ألاّ ينشر الموضوع ففكرت في بديل، ولم تكن هناك خيارات، ففكرت في كروت الدعوة التي وجدتها أسهل وأسرع وسيلة لنقل ما حدث، وقمت بتوجيهها إلى الصحافيين وعلقتها على مداخل الصحف، كما وجهتها إلى وسائل الإعلام والمراسلين الأجانب بالخرطوم ومنظمات المجتمع المدني، فتلقفت منتديات الإنترنت التي ليس عليها رقابة الدعوة، وفوجئت بعد يوم بهيئة الإذاعة البريطانية تجري معى حواراً حول القضية على الهواء مباشرة، ومن وقتها أصبحت قضية رأي عام عالمي، ووجدت تضامناً كبيراً جداً من مختلف أنحاء العالم وفي العالم العربي والسودان، وقد سعدت جداً بهذا التضامن لأنه يجدد الثقة في الإنسانية.

* كيف استطعت مواجهة السلطات والمضي في تحديها؟

- أنا لم أكن أقاوم أي شخص بعينه أو سلطة بعينها، وإنما أقاوم مواد جائرة في القانون، وقناعتي أن الحق سينتصر في النهاية وليس القوة، وأنا لا أعتبر أي شيء تقدمه الدولة من أجل التصحيح تنازلاً، وليست القضية من كسب ومن خسر، وإنما المهم هو المصلحة العامة، كما لم أكن أشعر أنني وحيدة في هذا الأمر، وما زلت أشعر أن كل الشعب السوداني يقف معي.

* لكن ألا ترين أن الأمور ليست بمثل هذا السوء بالسودان، وأن هناك تحولاً وإنفتاحاً حدث بالسودان؟

- نعم هناك تحول كما ذكرت، لكن هناك ازدواجية في المعايير وكيل بمكيالين، وأنا أقول إذا كان ما يطبق هو الشريعة فلماذا لا تطبق على الجميع.

* ما هو أسوأ شيء تعرضت له خلال القضية؟

- تعرضت لحملة شرسة ظالمة من البعض، وتلقيت تهديداً بالقتل، لكني لم أكن ألقي بالاً لهذه الإساءات لأننص أؤمن إيماناً قاطعاً بأن الأعمار بيد الله.

* كيف تنظرين لمواقف بقية الأحزاب الأخرى في السودان وخاصة تلك التي لها مرجعية إسلامية؟

- كانت مواقف الأحزاب والقوى السودانية قوية في مناصرتي والوقوف إلى جانب قضيتي، وكون الناشطون السودانيون مبادرة (لا لقهر النساء) لدعمي من ناحية ولمناهضة القوانين المقيدة للحريات، وبالنسبة للأحزاب الأخرى ذات المرجعية الإسلامية، فقد وقف إلى جانبي بقوة حزب الأمة وأعلن الدكتور حسن الترابي تأييده لي، وبعض هذه الأحزاب يسعى سعياً جاداً لتقديم فكر متجدد ومتطور تجاه قضايا الوطن والمرأة وصولاً لمساواتها في كافة الحقوق الإنسانية؛ مؤكداً على أهليتها الكاملة في تحديد خياراتها الحياتية.

 

آراء