لعفاف الرحمة والخلود ولعركي مديد الزمان
" كل ما تبقى لي وفاؤك أنت يا شعبي، سارد جميلك أضعاف من كبدي ومن شعبي "..." وأرد الصاع صاعين لمن عاداك يا شعبي "..." شعبي المعطاء أنا بأخذ منك ماهيتي وانا بديك وما ببخل عليك ومابقبل فيك وبضحي معاك أنا ولو حاكم ظلمك بتجنن دايرك فوق ليه شعوب العالم طولاً وعرضاً". بهذه الكلمات الشجاعة والملتزمة التي تتجلى فيها عظمة إنحياز المبدع لوطنه وشعبه، استقبل فنان الجماهير العريضة أبو عركي البخيت استقبال المئات من عشاقه ومحبيه له عندما ظهر على خشبة المسرح القومي بأم درمان بعد نحو من سنوات طوال قرر حيالها عركي التوقف عن الغناء في الأجهزة الرسمية، وها هو يعاود الظهور فيها بعد أن حملته جماهيره حملاً لكي يفعل ذلك، وقف يصدح على خشبة المسرح القومي الذي كان قد ساهم في تدشين فعالياته لأول مرة عند افتتاحه عام 1963، فاستقبله عشاقه هذه المرحة والفرحة تغمرهم وهم الذين خفوا زرافات ووحداناً إلى جهة المسرح القومي بأم درمان، كانوا خليطاً متجانساً من كل فئات الشعب السوداني " رجالا ونساء وشباباً، سياسيين وإعلاميين وصحفيين ودراميين ومسرحيين وقانونين ومهنيين وطلاباً" خفوا جميعهم لكي يشاركوه محبته ووفائه لرفيقة دربه الراحلة عفاف الصادق حمد النيل ، الشاعرة والمبدعة التي التزمت هي الأخرى جانب الجماهير وهي تتدثر برداء الابداع الديمقراطي النبيل من أجل شعبها، خفوا إليه في تلك الليلة وكأن لسان حالهم يقول له، إن غابت عنك ملهمتك وحبيبتك فجماهيرك تعوضك وتمنحك من حنايا قلبها ما يمكن أن يعطيك أكسير الدفع بإبداعك لتظل تغرد حتى نهاية العمر الجميل.
ولقد عاش مئات المعجبين بعركي وأسرة عركي المتفردة أجمل ليلة وفاء للأم في يومها في شخص الراحلة عفاف، حيث تنوعت فقرات الأمسية الابداعية في شكل لوحات فنية عكست مسيرة الراحلة عبر حياة حافلة وهي تتداخل مع حياة زملائها الذين عكسوها خلال إفادات عرفت الجمهور الواسع بجوانب لم تكن معروفة عند الراحلة، إضافة لجوانب أخرى لعفاف في صلتها بأسرتها الصغيرة مع عركي الذي أبدع معها في إنجاب ورعاية أسرة كإبداعهما معاً في إنجاب أغنيات خالدات أبد الدهر.
ويا لها من إفادة باهرة تلك التي رواها الفنان الدرامي المبدع محمد عبد الرحيم قرني، زميل الراحلة ودفعهتا بالمعهد إنابة عن مبدعي المعهد وهو يشهد لها بالسمو والعلو والرقي والازدهار والتجلي والخلق القويم والطاقات الابداعية المشحونة بها وبكل تواضع، ويا له من نداء صادق حمله قرني وهو يصرخ بدرامية إهتزت لها أفئدة جمهور المسرح وهو ينادي عركي بأن يصدح ويشدو، مردداً شعار معجبيه الذين أطلقوا من قبل حملة لحمله على الغناء مرة أخرى باسم "يا عركي غني لينا". فقال قرني:ـ أصدح بالغناء ياعركي، فاستجاب عركي وهو يستمع إليه من خلف كواليس الخشبة التي استقام في منتصفها وهو يعلن للجمهور بذاك العهد الذي افتتحنا به هذه الكتابة، وليقدم أغنياته بما فيها تلك الأغنية التي تحولت إلى منشور سياسيى رفيع، وحاول عسس المصادرة والقمع أن يحجبوها عن المستمع السوداني ولكن هيهات.
لقد برز الوفاء للأم في شخص الراحلة عفاف في تلك الليلة كأبلغ ما يكون عليه الوفاء، سواء من جمهور عركي أو كان من أسرة عركي أو من عيال عفاف وعركي، أو من عركي نفسه الذي قال لها:ـ جملتيني وأديتيني البعد المفروض والداير أكونو علي الاطلاق في تكويني، ساهمتي معاي بأن أكون أجمل انسان بتشوفو عيونك بعيوني، أصبحت صباح أصبحت مساء، أصبحت خريف، أصبحت ربيع، اصبحت شتاء، وصيف ،بقى أجمل مما يكون، صالحت الكون، وبقيت ممنون لي زولة بتشبه قرص الشمس، ومجنونة بترسم بي ألوان الطيف السبعة مدار الكون، وبقيت استطعمك بالشم والثم بهاك بود العين، وفي الأصل نحن زول واحد، وحرام الناس تشوفنا اثنين.
فالتغشى الرحمة شآبيب قبر الراحلة المبدعة عفاف الصادق حمد النيل، وليطيل المولى من عمر حبيب الشعب أبو عركي البخيت ليصدح لشعبه ويصدح لوطنه حتى آخر العمر وهو يحمل عهده الذي قطعه أمام المئات من عشاقه ومعجبيه كتميمة بين حنايا قلبه العامر بالأزاهير فيما يخص تقدم ورفعه وطنه العزيز ،، وهو يردد بفخر وشجاعة ومحبة وعزم أكيد " سأرد الصاع صاعين لمن عاداك يا شعبي" ،، نعم إن عظمة الشعوب تقاس فعلاً وقولاً بعظمة من أنجبت للأنسانية، ولقد أنجب الوطن السوداني أبو عركي البخيت وعفاف الصادق بثنائية إبداعية خلاقة، وعندما يدون التاريخ هذه الحقبة من زمان البلاد، سيشير لمن أحسن من المبدعين لشعبه ووطنه دونما مساومة أو تراجع ،، فاصدح يا عركي ،، لك المجد ومديد الزمان ،، ولنا الامتاع.
ــــــــــــــــ
نشرت بصحيفة الميدان
helgizuli@gmail.com
/////////////