لقيمات أمبيكي!

 


 

 

 

مغترب صديق من أصحاب الملاحظة القوية وكذلك من أصحاب (العين القوية) جاء هنا إلى الخرطوم في إجازة وأيضاً لشهود زواج أحد أقربائه.. فتجوّل بين أطراف العاصمة ودخل إلى مكاتبها ودوواينها ومصارفها ومجالسها وجامعاتها، والتحم في شوارعها بالسابلة وصبيان المواقف وغاسلي السيارات والباعة الجائلين والثابتين (وشاهد المواكب والبيارق).. وروى بعين هي غير عين المواطنين المقيمين عن مشاهداته وانطباعاته حول هذا (السيرك العظيم) بعد أن جلس إلى (ستّات الشاي) وولج إلى (المطاعم السمكية) االتي انتشرت بوتيرة (التكاثر الخُضري) بعد أن اكتشف سكان العاصمة فجأة أنهم يسكنون بجوار النيل بفرعيه الأزرق والأبيض: هما قدران في مجرى.. تبارك ذلك المجرى/ فيسراه على اليُمنى ..ويُمناه على اليسرى/ فهذا الأبيض الهادي... يضمُّ الأزرق الصدرا/ وهذا الأزرق العاتي.. تدفّق خالداً حُرّا..!

ملاحظته أن هناك (إندغام واسع) مع (المتغيرات الخطأ).. بين طبقات الناس المحرومة والذين لا يملكون كثيراً وأصحاب الأعمال الصغيرة والمتوسطة، فالأعمال الكبيرة يتولاها منسوبو المؤتمر الوطني و(أصهار المؤتمر الوطني) والعائشون معه في أطراف السلطة بغير سلطة! .وملاحظة الرجل ان هؤلاء الناس الذين وجدوا أنفسهم أمام ضغط المعيشة (تواءموا مع الظروف) وأصبحوا يقدّمون الخدمات التي يحتاج إليها أصحاب ( الفلوس الكتيرة) التي لم يضرب أصحابها في جمعها (حجر دُغُش)! وضرب مثلاً برجل يصنع (اللقيمات) في (طشت عظيم) عبر ورديتين: وردية صباحية وأخرى بعد عودة الراجعين (في المغيرب) والخارجين (للمساء والسهرة)! وحدّثه صاحب اللقيمات بعيداً عن الفذلكات الإقتصادية بأنه يصنع تلالاً من اللقيمات في الصباح وفي المساء؛ وزبائنه من فريقين: فريق (يتقوّت) بها بدلاً عن الوجبات الغالية التي يصعب الوصول إليها، وفريق آخر يأتي لشراء اللقيمات من باب (الفنكهة والفولكلور) وكأنهم من المستشرقين الذين تأسرهم الظواهر الشعبية والمنتجات التقليدية! وفي الحالتين يقول له صاحب اللقيمات إنه يحصد مالاً طيباً ذكر أرقامه للمغترب مما جعله (يتحسّس جيبه) ويحسد الرجل على هذا الدخل الذي لا يجده هو نفسه في (الغربة البطّالة) ولعله قال في نفسه: "طيب نحن مغتربين فوق كم؟!"

يقول لي أن هذا مثال واحد، ولكن ما يريد تأكيده أن هناك خدمات أخرى (عديدة وغريبة) اصبح يقوم بها قطاع واسع من الشباب والكهول وكذلك أصحاب الأعمال (من غير اللاغفين الكبار) وكثير من هذه الخدمات والمطاعم وغيرها موجّهة لأصحاب الثروات الجديدة الذين يصرفون بسخاء.. وخلاصة حديث الصديق أن هناك (متغيّرات عظمى) في السودان لا يلتفت اليها السياسيون (من غير أهل النظام) وهؤلاء السياسيون قد يكون قلبهم على البلد ولكنهم بعيدون (حسب كلامو) من فهم هذه المتغيّرات وهذا الحراك الإجتماعي الكبير الذي غيّر كثيراً من مفاهيم المعايش والوطنية والأولويات والسياسة ...فهل يمكن أن نخاطب المواطنين الذين يعيشون داخل هذه الطاحونة الضخمة بمقترحات الدستور وخارطة الطريق والتعديلات التي تم تقديمها إلى (مبعوث الإيقاد) و(ثامبو أمبيكي)؟ أم أن البداية لحل أزمة السودان تبدأ من (صاج اللقيمات)؟!

murtadamore@yahoo.com

 

آراء