لماذا يقتتل السودانيون عند الخلاف!
بشير عبدالقادر
25 April, 2023
25 April, 2023
فأجاني صديقي الجزائري بسؤال مباغت، لماذا يقتتل السودانيون في شهر رمضان! ثم برر سؤاله بأن شهر رمضان له "قدسية" خاصة لديهم، فمهما كان الفرد منهم فاسق ولكنه يصوم رمضان أو يتظاهر بصومه، لأن الذي لا يصوم يوصف بأنه "واكل رمضان" وهي نقيصة في المروة وعيب كبير في نظر المجتمع! فخطر بذهني لعلهم ركزوا معاني "قدسية" الأشهر الحرم الأربعة وحولوها في الذاكرة الشعبية الى شهر خامس هو شهر رمضان!!!
جعلني سؤال صديقي أتذكر مجزرة فض الاعتصام في3 يونيو 2019م الموافق التاسع والعشرين من رمضان، ثم تذكرت انقلاب شهداء رمضان 1990م وطريقة اعدامهم ودفن بعضهم أحياء، ثم مرت بخاطري كل تلك الحروب التي وقعت في جنوب السودان و دارفور وجبال النوبة وكيف أنها خلفت ملايين الضحايا والنازحين، وأنها لم تكن تتوقف في غضون شهر رمضان كهدنة!!! وبدأ لي صدق قوله بأن شهر رمضان ليس لديه "قدسية" خاصة لدى السودانيين، ولكن خطر لي انه إذا كان البعض يستسهل قتل الروح التي حرمها الله الا بالحق، فمن باب أحرى الا يهمه متي يقوم بذلك القتل في رمضان ام في غيره!!
ثم تسألت، ان الشخصية السودانية عرفت بالسماحة والطيبة التي تصل الى حد العفوية، فما الذي يجعلها تتغير وتلجأ للعنف والوحشية والقتل بمجرد ان تقترب من السلطة أو تصل إليها!!! فهل تصحو لديها فجأة عقلية الأسد والدفاع عن عرينه، وعقلية اللبوة وحماية فريستها من الاخرين!!! أم تصحو لديها طبيعتها البدوية غير الحضرية التي لا تعرف سوى منطق العنف والقوة «ومن سماتها الحياة تحت ظلال الرماح، وسيادة روح الغلبة والسيطرة على الآخر، وأخذ ممتلكاته وازاحته بالقوة"!!! وهي ببساطة مرحلة متقدمة جداً من الأنانية والحسد، وهو مايعبر عنه الطفل السوداني الشاعر بقوته على رصفائه متحديا لهم بقوله "فيها ولا أفسيها- أفسدها-"!!! أو ما يسميه الشارع السوداني "-هل-عودي راكب!" وهو تعبير يحمل تهديدا مبطنا بمعنى "هل لدي نصيب معكم في "قطعة الجاتوه" أم أفعل شيء لا يرضيكم!!!
يروي كثير من المسافرين جيئة وذهابا من ميناء بورت سودان الى ميناء جدة بالمملكة العربية السعودية, كيف ان المواطن السوداني بمجرد ملامسته أرض جدة يتحول الى إنسان مهذب يحترم اللوائح والقانون وبمجرد ملامسته لأرض بورت سودان يلغي من تعامله كل احترام لاي لوائح او قانون أو نظام، وترجع لديه تلك الروح الأنانية والعنف البدوي فلا يحترم الطابور ويتخطى من هو امامه ويتعامل بتعجرف على كل من يظنه اقل منه مالاً!!!
هذا المواطن السوداني بنفسيته المتناقضة بين "العقل الرعوي والحضري" ، نجد خير مثال له في الرئيس المخلوع البشير قائلا ذات مرة "لا أريد جريحا او اسيرا" -بمعنى يجب قتل المتمردين تماما- ، ثم يأتي في في أحدى التجليات نفس الرئيس المخلوع عمر البشير خلال شهر رمضان وفي لقاء موجود على شبكة الانترنت https://www.youtube.com/watch?v=BjvFwi2ayYc فيقول " ...نحن ابتدأ من الرئيس عمر البشير .... ولغاية ما نصل لأخر واحد شايل بندقيته، نحن بنقتل وبنسفك دماء مسلمين لأتفه الأسباب ...كيف نحن استحلينا دماء مسلمين ونحن نعلم تماما لزوال الكعبة اهون عند الله من قتل نفس مسلمة..."!!! وقد اعترف المندوب السوداني لدى الامم المتحدة ...السفير عبد المحمود عبد الحليم ... أن الخرطوم تقدر عدد القتلى -في دارفور- بنحو 10 الاف https://cihrs.org/darfur/p341/ !!!
إذن اللجوء للعنف والوحشية جزء من الشخصية السودانية يظهر عند التماهي مع السلطة صغرت ام كبرت فإذا كان غفير او حارس في مبنى حكومي تجده يمارس سلطوية وعنف في الاسلوب، ثم يتدرج ذلك العنف صعوداً مع الدرجة الوظيفية أو الأهمية المجتمعية الى ان يصل الى مرحلة استحلال قتل الاخر المخالف له او المنافس له، باعتباره عدو يحل دمه، وما طلب المدعو عبدالمنعم بانقا في بداية هذا الاسبوع علنا وأمام كل الناس لفتوى تجيز له قتل المبعوث الأمم فولكر الا واحدة من مراحل استحلال العنف لدرجة القتل فقال" سجلوا يا إخواننا، أنا لست خائفا، أنا متبرع والله” لاغتيال فولكر."
إذن قمة العنف والوحشية في العقلية الرعوية السودانية تتصاعد لحماية مصالحها الفردية او الحزبية او القبلية المتعلقة بالسلطة وكرسي الحكم، فتصل حد استحلال قتل الاخر لأنه يهدد مصالحها، وإذا نظرنا لما يحدث منذ الامس بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في العشر الأواخر من شهر رمضان، نجد ان لا حرمة لقتل النفس المسلمة لديهم ومن باب أحرى لا حرمة لشهر رمضان!!!
معالجة هذا العنف والوحشية يحتاج لتثبيت المفاهيم الدينية بصورة عميقة وصحيحة لدى المواطن السوداني مسلما كان ام مسيحي او لا ديني، وأن يتم إعلاء قيم القوانين والمدنية بحيث يمنع العنف الفردي والجماعي، وان الكل سواسية أمام القانون ولا كبير على القانون، ونشر ثقافة الاختلاف السلمي، وتثبيت أن السلطة لا تعطى لمن يطلبها بالعنف، بل يحاكم على طلبه ويسجن. إذا تم غرس ذلك السلوك السلمي في تربية الطفل من قبل والديه ورسخ عبر المناهج الدراسية من المرحلة الابتدائية الى المرحلة الجامعية، وعبر وسائل الاعلام المرئية والمسموعة وعبر الندوات والمحاضرات بالأحياء وخطب الجمعة بالمساجد والمواعظ والصلوات بالكنائس يمكن ان يتعافى المجتمع من شر العنف وبذلك يتم إيقاف اقتتال السودانيين فيما بينهم لأجل السلطة وكرسي الحكم.
wadrawda@hotmail.fr
//////////////////////////
جعلني سؤال صديقي أتذكر مجزرة فض الاعتصام في3 يونيو 2019م الموافق التاسع والعشرين من رمضان، ثم تذكرت انقلاب شهداء رمضان 1990م وطريقة اعدامهم ودفن بعضهم أحياء، ثم مرت بخاطري كل تلك الحروب التي وقعت في جنوب السودان و دارفور وجبال النوبة وكيف أنها خلفت ملايين الضحايا والنازحين، وأنها لم تكن تتوقف في غضون شهر رمضان كهدنة!!! وبدأ لي صدق قوله بأن شهر رمضان ليس لديه "قدسية" خاصة لدى السودانيين، ولكن خطر لي انه إذا كان البعض يستسهل قتل الروح التي حرمها الله الا بالحق، فمن باب أحرى الا يهمه متي يقوم بذلك القتل في رمضان ام في غيره!!
ثم تسألت، ان الشخصية السودانية عرفت بالسماحة والطيبة التي تصل الى حد العفوية، فما الذي يجعلها تتغير وتلجأ للعنف والوحشية والقتل بمجرد ان تقترب من السلطة أو تصل إليها!!! فهل تصحو لديها فجأة عقلية الأسد والدفاع عن عرينه، وعقلية اللبوة وحماية فريستها من الاخرين!!! أم تصحو لديها طبيعتها البدوية غير الحضرية التي لا تعرف سوى منطق العنف والقوة «ومن سماتها الحياة تحت ظلال الرماح، وسيادة روح الغلبة والسيطرة على الآخر، وأخذ ممتلكاته وازاحته بالقوة"!!! وهي ببساطة مرحلة متقدمة جداً من الأنانية والحسد، وهو مايعبر عنه الطفل السوداني الشاعر بقوته على رصفائه متحديا لهم بقوله "فيها ولا أفسيها- أفسدها-"!!! أو ما يسميه الشارع السوداني "-هل-عودي راكب!" وهو تعبير يحمل تهديدا مبطنا بمعنى "هل لدي نصيب معكم في "قطعة الجاتوه" أم أفعل شيء لا يرضيكم!!!
يروي كثير من المسافرين جيئة وذهابا من ميناء بورت سودان الى ميناء جدة بالمملكة العربية السعودية, كيف ان المواطن السوداني بمجرد ملامسته أرض جدة يتحول الى إنسان مهذب يحترم اللوائح والقانون وبمجرد ملامسته لأرض بورت سودان يلغي من تعامله كل احترام لاي لوائح او قانون أو نظام، وترجع لديه تلك الروح الأنانية والعنف البدوي فلا يحترم الطابور ويتخطى من هو امامه ويتعامل بتعجرف على كل من يظنه اقل منه مالاً!!!
هذا المواطن السوداني بنفسيته المتناقضة بين "العقل الرعوي والحضري" ، نجد خير مثال له في الرئيس المخلوع البشير قائلا ذات مرة "لا أريد جريحا او اسيرا" -بمعنى يجب قتل المتمردين تماما- ، ثم يأتي في في أحدى التجليات نفس الرئيس المخلوع عمر البشير خلال شهر رمضان وفي لقاء موجود على شبكة الانترنت https://www.youtube.com/watch?v=BjvFwi2ayYc فيقول " ...نحن ابتدأ من الرئيس عمر البشير .... ولغاية ما نصل لأخر واحد شايل بندقيته، نحن بنقتل وبنسفك دماء مسلمين لأتفه الأسباب ...كيف نحن استحلينا دماء مسلمين ونحن نعلم تماما لزوال الكعبة اهون عند الله من قتل نفس مسلمة..."!!! وقد اعترف المندوب السوداني لدى الامم المتحدة ...السفير عبد المحمود عبد الحليم ... أن الخرطوم تقدر عدد القتلى -في دارفور- بنحو 10 الاف https://cihrs.org/darfur/p341/ !!!
إذن اللجوء للعنف والوحشية جزء من الشخصية السودانية يظهر عند التماهي مع السلطة صغرت ام كبرت فإذا كان غفير او حارس في مبنى حكومي تجده يمارس سلطوية وعنف في الاسلوب، ثم يتدرج ذلك العنف صعوداً مع الدرجة الوظيفية أو الأهمية المجتمعية الى ان يصل الى مرحلة استحلال قتل الاخر المخالف له او المنافس له، باعتباره عدو يحل دمه، وما طلب المدعو عبدالمنعم بانقا في بداية هذا الاسبوع علنا وأمام كل الناس لفتوى تجيز له قتل المبعوث الأمم فولكر الا واحدة من مراحل استحلال العنف لدرجة القتل فقال" سجلوا يا إخواننا، أنا لست خائفا، أنا متبرع والله” لاغتيال فولكر."
إذن قمة العنف والوحشية في العقلية الرعوية السودانية تتصاعد لحماية مصالحها الفردية او الحزبية او القبلية المتعلقة بالسلطة وكرسي الحكم، فتصل حد استحلال قتل الاخر لأنه يهدد مصالحها، وإذا نظرنا لما يحدث منذ الامس بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في العشر الأواخر من شهر رمضان، نجد ان لا حرمة لقتل النفس المسلمة لديهم ومن باب أحرى لا حرمة لشهر رمضان!!!
معالجة هذا العنف والوحشية يحتاج لتثبيت المفاهيم الدينية بصورة عميقة وصحيحة لدى المواطن السوداني مسلما كان ام مسيحي او لا ديني، وأن يتم إعلاء قيم القوانين والمدنية بحيث يمنع العنف الفردي والجماعي، وان الكل سواسية أمام القانون ولا كبير على القانون، ونشر ثقافة الاختلاف السلمي، وتثبيت أن السلطة لا تعطى لمن يطلبها بالعنف، بل يحاكم على طلبه ويسجن. إذا تم غرس ذلك السلوك السلمي في تربية الطفل من قبل والديه ورسخ عبر المناهج الدراسية من المرحلة الابتدائية الى المرحلة الجامعية، وعبر وسائل الاعلام المرئية والمسموعة وعبر الندوات والمحاضرات بالأحياء وخطب الجمعة بالمساجد والمواعظ والصلوات بالكنائس يمكن ان يتعافى المجتمع من شر العنف وبذلك يتم إيقاف اقتتال السودانيين فيما بينهم لأجل السلطة وكرسي الحكم.
wadrawda@hotmail.fr
//////////////////////////