لن يكسب أحد من الخراب!!
عادل الباز
25 May, 2009
25 May, 2009
25/5/2009
تعاني الحركة من مآزق شتّى، وهي تكاد تكون محاصرة من داخلها وخارجها، وترزح تحت أوضاع شديدة القتامة، تعصف بها المشاكل. من المؤسف أن القوى السياسية في الشمال والجنوب تتخذ مواقف قصيرة النظر. بعض القوى السياسية تتفرج على أوضاع الحركة المتدهورة وكأنها لاتعنيها، وآخرون من داخلها يلهبون الأوضاع المتفجرة أصلا بصراعات عبثية, وقوى أخرى هدفها تأجيج الصراع داخل الحركة وتقسيمها إن أمكن.
الحركة تُحاصَر من داخلها بصراعات إثنية وقبلية، وتخضع كل تحركاتها وسياساتها لمعادلات شديدة التعقيد، فلابد من مراعاة الأوزان الإثنية والقبلية في معادلات السلطة. وشهدنا فصلا من هذه التعقيدات في الصراع بين مشار وتعبان دينق في ولاية الوحدة. كما نشهد الآن صراعات الدينكا والمورلي من جانب، والنوير من جانب آخر. تفكيك هذه الصراعات يحتاج لزمن طويل. حتى يبدأ الجنوب في التعافي من العصبية الإثنية والقبلية.
الصراعات التي تشهدها الحركة على مستوى قياداتها في قطاع الشمال علنا، والصراعات الخفية بين مجموعات يتوزّع ولاؤها بين رئيس الحركة ورئيس حكومة الجنوب دكتور رياك مشار. هذه الصراعات التي تجري على مستوى القيادات أضرّت بصورة الحركة الشعبية، وأربكت سياساتها حتى بدت وكأنها حزبان في جسد واحد، وما أشقى حزب تتصارع فيه أجنحة على مصالح مختلفة. تجربة الشيوعيين والإسلاميين ومآلاتهما لاتخطئها عين، ولكن أحزابنا لاتتعلم من تجاربها ولا من تجارب الآخرين. انظر لصراع “لام أكول غازي، ضد باقان ياسر عرمان” هل يمكن لحزب خرج لتوّه من الحرب احتمال مثل هذه الصراعات التي لاسقف لها. النتيجة الحتمية لمثل صراعات مراكز القوى هذه، أن تنداح دوائرها وتؤدي بالنتيجة لاستقطاب لعضوية الحركة مما سيقعد بها في نهاية الأمر ويشل فعاليتها.
الحركة تعاني من الصراع المزمن مع شريكها في الحكم. جزء من أسباب هذا الصراع هو صراعات الحركة بالداخل وعدم توحيد موقفها. انظر مثلا لما جرى في قانون الصحافة، فرياك مشار كان عرّابه وياسر عرمان انبرى ضده، وهو ما أدخل الحركة في دوامة صراعات مع المؤتمر الوطني وبدأ شكل الحركة “بايخ” في أوساط الصحفيين.
المؤتمر الوطني في دوامة صراعاته لايراعي الظرف التاريخي الذي تعيشه الحركة كحزب حديث يعاني مصاعب الانتقال من حركة عسكرية لحزب سياسي. المؤتمر الوطني إذ يوجج الصراعات داخل الحركة لن يحصد شيئا سوى الرماد.
الحركة الشعبية مهما تحدثنا عن ضعفها إلا أنها في الحساب السياسي تمثل الآن “عضم الضهر” في تماسك الجنوب. الحركة بلا شك هي الحزب الأقوى والمهيمن على الجنوب، والقادر حتى الآن على التعامل مع التحديات الصعبة. الحركة هي التي وقّعت اتفاقية نيفاشا وهي التي تتحمل الآن مع المؤتمر الوطني مسئولية إنفاذها رغم كل المشاكل المحيطة بها. من مصلحة المؤتمر الوطني ومصلحة البلاد أن تظل الحركة متماسكة، وممسكة بالسلطة في الجنوب بقوة. إذا تشرذمت الحركة وانكسر “عضم ضهرا” سيتبعثر الجنوب ولن يجد المؤتمر الوطني شريكا أو صليحا ليتحدث معه، أو حتى يصارعه. على المؤتمر الوطني أن يتعلم من تجربة دارفور، فالحركات التي ساهم في تشرذمها وتقسيمها فاقمت الأزمة، وأصبح المؤتمر الوطني الآن ضحية لهذه التشرذمات بل ويدفع ثمن ماصنعت يداه، باهظا.
علينا جميعا سياسيين وإعلاميين أن نكون حذرين في تعاملنا مع الحركة، وعلينا أن نراعي المرحلة التاريخية التي تعبرها الحركة، والتعقيدات التي تواجهها، ذلك إذا ما اختار الجنوب الوحدة أو الانفصال ستظل الحركة رقما مهما فيه، فمن مصلحة الشمال في كلتا الحالتين أن تظل الحركة متماسكة، فإذا ضعفت وتبعثر الجنوب وأصبح مسرحا لحرب قبلية وإثنية لن ينجو الشمال منها وسيمتد الحريق إليه عاجلا أم آجلا. ليس مطلوبا إعفاء الحركة من النقد وفضح ممارساتها السيئة، لكن فرق كبير بين النقد وتشويه صورتها، والسعي لتحطيمها من الداخل والخارج. فلن يجني أحد شيئا من الخراب!!
{}{