لو استقال رئيس مفوضية الاستفتاء

 


 

عادل الباز
18 August, 2010

 


لم أجد سبباً مقنعاً للتصريحات المهددة بالاستقالة التي أطلقها السيد رئيس المفوضية الأستاذ محمد إبراهيم خليل. فرئيس المفوضية سياسي عريق وقانوني ضليع لم يشكك أحد بمقدراته ولا نزاهته ولذلك قبله الشريكان لأعقد مهمة يقوم بها سياسي أو قانوني في تاريخ السودان. ورجل بمثل خبرات محمد إبراهيم يعرف أن القضايا التي تواجه السودان بحاجة لحكمة الشيوخ بل المرحلة بكاملها تحتاج للصبر والجلد وتحمل مسؤولية تنوء بحملها الجبال. لا يعقل انه في أول منعطف خلافي بين الشريكين يسعى السيد محمد إبراهيم للهرب بجلده من معركة أو محرقة الاستفتاء.
الأسباب التي دعت رئيس المفوضية للتلويح بالاستقالة يمكن إجمالها في سببين الأول يتعلق بممارسات ممثلي الحركة الشعبيَّة داخل المفوضية بحيث يتعذر اتخاذ أي قرار حول المناصب التنفيذية والإدارية داخل المفوضية، وأبرز مثال لذلك تعطيل تعيين الأمين العام للمفوضية. أكاد لا أفهم لماذا يسعى ممثلو الحركة الشعبية لتعطيل أعمال المفوضية في الوقت الذي تحشد فيه الحركة العالم كله لقيام الاستفتاء في موعده المقدس!!. ولكن مثل هذه التجاذبات معهودة في حكومة نيفاشا منذ أن ولدت وحتى الانتخابات الأخيرة ويحتاج تجاوزها للحكمة اللازمة والصبر على الاختلاف وقد تحتاج  الخلافات لمصفوفة جديدة وما أكثر ما طرز الشريكان المصفوفات التي لم تستر خلافاتهما.
الحركة ستجني على نفسها إذا جرجرت المفوضية لصراعات وخلافات لا معنى لها في كل صغيرة وكبيرة فهذه الأساليب في النهاية لن تقود لإجراءات سليمة وشفافة، واستفتاء لا يتمتع بمصداقية ولن يحظى باحترام أحد حتى أصدقاء الحركة الخُلَّص (أمريكا نموذجا).
الصبر والحكمة مطلوبان دوماً ولكن في مثل هذه الأوضاع المعقدة يصبحان ضرورة قصوى لكي لا تنزلق البلاد للفوضى. رجل بقامة السيد محمد إبراهيم لا تعوزه الحكمة اللازمة.. لذا لا أرى داعياً لتأسيس موقف متطرف بناءً على اختلاف الشريكين فهما في الأصل حالتان متناقضتان فكرياً وسياسياً وما بينها زواج مصلحة ينتهي أجله بنهاية نيفاشا.
السبب الثاني الذي ساقه الأستاذ محمد إبراهيم في معرض تلويحه بالاستقالة هو أن المفوضية لن تتمكن من إجراء الاستفتاء في الزمن المقرر لأسباب فنية ولوجستية ومالية دفع بها جميعاً لمؤسسة الرئاسة. فإذا كانت هناك جهات أخرى تتحمل مسؤولية اتخاذ القرار فما الداعي لتنحي رئيس المفوضية عن منصبه؟. رئيس المفوضية كما قال ليس مسؤولاً عن اتخاذ قرار سياسي بشأن تأجيل الاستفتاء من عدمه بمعنى انه لا يتحمل مسؤولية إجراء الاستفتاء شخصياً ولذا ليس ثمة معنى للهروب من المنصب طلما أن القرار السياسي ليس بيده ولن يتحمل وزر نتائجه.
محاولة هروب السيد خليل من الأزمات توحي بأن الرجل حين قبل المنصب لم يقدر تعقيدات القضايا التي يواجهها الاستفتاء حق قدرها ولم يدرس جيداً تعقيدات العلاقة المتوترة بين الشريكين، ولعله اصطدم بالهوة الواسعة بين روية المؤتمر الوطني والحركة الشعبية حين جلس على كوم متفجر من القضايا الخطرة والتي تتعلق بالاستفتاء.
إذا دفع أعضاء الحركة بالسيد خليل لخارج المفوضية فإن الاتفاق على شخصية أخرى تحتاج لشهور ولم يتبقَ على الاستفتاء إلا أقل من مائة وخمسين يوما. كيف تنتظر الحركة استفتاء في موعده وهي تسلك كل السبل لتعطيله. سفينة الاستفتاء لا تجري على اليابسة والألغام. على السيد خليل أن يتحلى بالصبر ولا يتهرب من مسؤولية تاريخه، وافق بإرادته الحرة على تحمل مسؤوليتها، ولعل الله يجري الخير بين يديه فيختم حياته الساسية والقانونية بإنجاز لن ينساه له التاريخ وهو تحقيق حلم وحدة السودان والذي أصاب الناس منها يأس عظيم ولكن «غالباً ما يكسب اليأس المعارك».
 

 

آراء