لو ان الشريكين

 


 

عادل الباز
5 September, 2010

 


لو أن الشريكين يدركان الحالة المتوترة التي تعيشها البلاد، لتوقفا عن سيل التصريحات المنهمرة على عناوين الصحف. قد لا يدرك الشريكان أثر هذه التصريحات على نفسيات الناس، ولا الآثار الاقتصادية المترتبة على حالة التوتر المخيمة على البلاد، رغم أن تلك الآثار غير خافية على كل من يراقب حالة الدولار المتدهورة يوميا، ولا أحد يقدم قراءة صحيحة لهذا التدهور. جزء من هذا التدهور هو هروب رؤوس الأموال لخارج البلاد تحسبا للأسوأ، وعندما تهرب رؤوس الأموال تصبح البلاد مكشوفة تماما، وتتصاعد أسعار الدولار يوميا. والسبب اقتصادي سياسي، ولكن لا أحد قادر على وقف التدهور الاقتصادي والسياسي الذي يعانيه الدولار. إذا كان العلاج الاقتصادي ليس سريعا ولافعّالا حاليا، فبالإمكان وقف المسببات السياسية لتدهوره. على الشريكين أن يعملا في صمت بعيدا عن التجاذبات المضرّة بالوضع الاقتصادي، فلا أحد سيأتي بأمواله ليستثمرها في بلد مجهول المستقبل، يعاني من حالة عدم استقرار مزمنة في شماله وجنوبه.
المطلوب دائما أن تخدم السياسة الاقتصاد، ولكن للأسف في حالة الشريكين أصبحت السياسة تسبب ضررا فادحا للاقتصاد، والذي يدفع الفاتورة في النهاية هو المواطن البسيط. ومن عجبي أن تساؤلات شتى تُطرح الآن حول مسببات ارتفاع أسعار السلع الغذائية. والواضح أن ارتفاع الدولار الذي جعل استيراد مدخلات الإنتاج مستحيلا، أدى لنقص في كثير من السلع، ويسهم ذلك بالضرورة في ارتفاع السلع. بالأمس قال السيد وزير الزراعة إن السودان يستورد سنوياً حبوباً تبلغ قيمتها مليار وسبعمائة مليون دولار، وإن جملة مبالغ استيراد الحبوب 600 مليون دولار تذهب لسد الفجوة في القمح. إذا علمنا أن جملة صادرات البلاد من الصادرات غير البترولية بحسب تقرير بنك السودان للصادر 2009 بلغت 702.441 مليون دولار فقط. بمعنى آخر إننا نعاني عجزا يصل إلى أكثر من مليار دولار سنويا. ويسألونك عن تدهور سعر الصرف!!.
 لو أن الشريكين يستمعان لأسئلة الجمهور لعرفا أسباب القلق الذي ينتاب الشعب جرّاء سياسة التعمية التي يمارسانها في كل شأن عام. يوميا نلتقي عشرات المواطنين وفي أفواههم سؤال وحيد «البلد ماشة علي وين»؟. يعتقد كثير من الناس أن الصحفيين يعرفون أكثر، وتتوفر لهم من المعلومات في الشأن العام ما لا يتوفر لغيرهم. ونظريا هذا افتراض صحيح في كل العالم، ولكن للأسف في سوداننا الحبيب يتفنن المسئولون في تجهيل الصحفيين، ولذا حينما نواجه كصحفيين بالأسئلة المحرجة حول مستقبل البلد ليس بإمكاننا سوى أن نتلفّت ببلاهة، أو نهرب خارج نطاق السؤال المحرج. لا أحد يعلم الآن إلى أيّ وجهة تتجه البلاد، وما يصدر من معلومات من مؤسسات الحكم يزيد الأوضاع ضبايبة. خذ مثلا، اجتماع الرئاسة الذي انعقد الأسبوع الماضي؛ كل ما تسرب للصحافة أن الاجتماع أكد على قيام الاستفتاء في موعده، وأن هنالك لجنة تكوّنت من الفريق صلاح قوش وباقان أموم لمساعدة لجنة ترسيم الحدود لحسم خلافاتها!!. ماهي خلافات اللجنة تحديدا، وماهي سيناريوهات حلها؟ لا أحد يعلم. هل ذلك كل مادار في الاجتماع، وعشرات القضايا التي تطفح بها الصحف يوميا ماذا جرى بشأنها.؟.
لو أن الشريكين عملا لتهدئة المواقف ونزعا من البلاد أجواء التوتر المخيم عليها الآن، لكسبا استقرارا اقتصاديا وسياسيا في وقت مهم. للأسف الشريكان يعملان عكس مصالحهما وعكس الصالح العام، ياترى لماذا؟.  فإما أن يكون الشريكان لايعرفان مصلحتهما أو لايعرفان مصلحة البلد؟. أنا أستبعد كلا الاحتمالين، ولذا تنتابني حيرة عجيبة من جرّاء تصرفاتهما الغامضة تارة، والمربكة في كثير من نواحيها والموترة للأجواء من ناحية ثالثة. بلادنا تعيش فترة حساسة تواجه فيها مصيرا مجهولا، فهي بهذا الوضع أحوج ماتكون لضبط الأعصاب، ولقدر عالٍ من التسامح، ولحكمة تقودنا لبر آمن يزيح عنا الكوابيس، لنبدأ نحلم إذا كانت الأحلام لازالت ممكنة.
 

 

آراء