ليس غريباً عليهم 

 


 

كمال الهدي
31 August, 2021

 

تأمُلات


• لا ينكر إلا مكابر أن لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 89 ارتكبت العديد من الأخطاء، ولم تؤد الدور المنوط بها على أكمل وجه.

• مارست اللجنة البروباغاندا أكثر من عملها على أرض الواقع لتعين بذلك حكومة الدكتور حمدوك في تخدير السودانيين من خلال تضخيم ما تقوم به من خطوات للتفكيك، ما دمنا لا نرى أثراً ملموساً لتلك الأموال والعقارات التي تُصادر.

• لم أقتنع بتبرير " اختلاف التخصصات والصلاحيات" باعتبار أن الكل يفترض أن يكونوا جزءاً من حكومة ثورة تهدف إلى القضاء على كل الممارسات القديمة القبيحة وتعري اللصوص والمفسدين توطئة لمحاسبتهم حساباً عسيراً.

• ونتفق جميعاً على أن اللجنة أضرت ببعض الشرفاء وفي ذات الوقت سمحت لعدد مُقدر من اللصوص والمفسدين من الاستمرار في سرقاتهم.

• لكن ليس لدرجة اتهام أفرادها بالسرقة وتلفيق الأخبار بصورة مبتذلة ورخيصة ضد عائلاتهم وزوجاتهم.

• ومرد كل الحملات الضارية الحالية على اللجنة هي أن حكومة الثورة نفسها أربكت المشهد وتقاعست عن دورها كحكومة شرعية كان بيدها أن تحسم الكثير من الأمور منذ الأسابيع الأولى، لكنها تعمدت ألا تفعل ذلك.

• وقد أوقع ذلك التقاعس الثوار بين (يافطتين).

• فمن جهة هناك من يصرون على أن هذه اللجنة تمثل روح الثورة، وأن أي محاولات للمساس بها تعني قبر هذه الثورة.

• وأستغرب حقيقة لمثل هذا الكلام، فقد تشكلت اللجنة بمباركة الشق العسكري في مجلس السيادة الذي رفض بعض مرشحي أجهزة العدالة منذ الأيام الأولى لتشكيل هذه الحكومة.

• وبلغت مباركة العسكر لهذه اللجنة أن ترأسها أحد أعضاء المجلس العسكري وعضو مجلس السيادة لاحقاً، فعن أي روح ثورة تتحدثون!!

• كل ما تقوم به اللجنة محاولات كان يفترض أن تمارس معها الضغوط دائماً من الثوار من أجل تحقيق قدر من المكاسب بعد أن لعب ساطع وابتسام السنهوري بنا وباعا هما وغيرهما دماء الشهداء بثمن بخس وساعد المتخاذلون العسكر في الخروج بوثيقة مليئة بالثقوب.

• وفي الجانب الآخر هناك بعض الأرزقية والفلول من حملة الأقلام الرخيصة الذين ساهموا في معظم جرائم (الإنقاذيين) من قتل وسرقات وفساد ونهب للثروات وغيره، قبل أن يركب هؤلاء موجة الثورة ويبدأون (ببجاحة) لا نظير لها الكتابة عن الفساد والمفسدين وكأن من ظلوا ضيوفاً دائمين على طائرته الرئاسية في حله وترحاله هو عمر بن الخطاب لا ذلك (الساقط) المجرم عمر البشير.

• أستغرب حقيقة لقوة عين هؤلاء وهم يدبجون المقالات هذه الأيام عن فساد هذه الشركة أو تلك المجموعة، أو يهاجمون وجدي ومناع وغيرهما من أعضاء لجنة التفكيك.

• لكنني لا ألومهم كثيراً، بل ألقي بكل اللوم علينا كشعب يبدو أنه يتمتع بذاكرة سمكية، وإلا لما ظللنا نتبادل حتى يومنا هذا مقالات أم وضاح، مزمل، ضياء الدين، الباز وغيرهم من فلول نظام المفسدين.

• لا يصبح علينا صباح إلا ونجد وسائل التواصل الاجتماعي ضاجة بمقالات هذه الفئة الضالة من الكتاب الذين كثيراً ما جملوا صورة المجرمين واستمروا في مدح القتلة حتى آخر أيام نظام المجرمين.

• مدهش حقيقة أن يحتفي مواطن سوداني بمقال لكاتب ظل حتى أيام الاعتصام ضيفاً دائماً على القنوات العربية يحدث المشاهدين عن ضعف الحراك وقلة الأعداد في المواكب وعدم قدرة (المخربين) على تغيير نظام الطاغية.

• لن أنسى اطلاقاً ذلك اليوم الذي أُستضيف فيه مزمل أبو القاسم في إحدى القنوات العربية في وقت تأخر فيه خروج المخلوع لإلقاء خطاب بسبب حالة الخوف التي انتابته، إلا أن هذا الكاتب البارع في تجميل القبح قال إنه من الطبيعي أن يتأخر مثل هذا الخطاب نظراً لأهميته الكبيرة!

• خطاب البشير الذي أراد أن يحث من خلاله الشرطة على القتل والفتك بالمتظاهرين السلميين كان (مهماً).. يا للعجب!

• ولن ننسى أيضاً كسودانيين ذلك المقال الذي خطه نفس الكاتب في مديح المجرم والقاتل أحمد هارون عندما ولاه المخلوع على حزب المفسدين في الأيام الأخيرة وقبل سقوط حكومته بأيام.

• أفليس غريباً أن يحدثنا مثله عن فساد شركة زبيدة أو قصور لجنة التفكيك!!

• أليس مدهشاً أن تحدثنا صحيفة ضياء الدين بلال الضيف الآخر الدائم على طائرة المخلوع وأحد من شملهم الطاغية بالدلال والمميزات عن العربة التي تحمل الخمور باعتبارها تابعة للجنة التفكيك!

• ومنذ متى كانت العربات في بلدنا تحمل لوحات باسم اللجان أو الجهات!!

• اعتذار الصحيفة جاء سخيفاً وغير مقبول بعد أن حققوا بخبرهم الملفق مُرادهم القبيح.

• لكن نرجع ونقول إن الخطأ ليس خطأ هؤلاء، فقد تساهلت معهم حكومة الثورة منذ أيامها الأولى.

• ولو أننا كسودانيين عانوا الأمرين من الفساد والمفسدين ضغطنا على أول وزير إعلام في حكومة الثورة (فيصل) لكي يفتح هو وحكومته ملفات الصحف التي كانت تمول من جهاز قوش ويهنأ ملاكها ورؤساء تحريرها بمعاملة تفضيلية ويحصلون على الإعلانات على حساب الآخرين، لما وصلنا لما نحن فيه اليوم.

• لكن المؤسف أن هذه الصحف التي تأسست بأموال الفساد لا تزال تصدر بعد تغييرات في الأسماء هنا وهناك وصفقات بيع وشراء  غير مفهومة.

• استمرت صحفهم في الصدور وكأن شيئاً لم يكن.

• وما زلنا نتبادل مقالاتهم، بل ويحتفي بها بعضنا بسذاجة (تحير).

• وبعد أن اشتدت الحملة المناهضة للجنة التي تضرر منها بعض الكتاب وسادتهم بدأنا نصرخ ونكتب بدورنا المقالات دفاعاً عن اللجنة.

• كنتوا متوقعين شنو طيب وحكومة الثورة تفسح المجال منذ الأيام الأولى لإعلام الفلول!

• ألا يتعجل حتى الانقلابيون دائماً لاحتلال الإذاعة والتلفزيون قبل إذاعة بيانهم الأول باحتلال الإذاعة !

• فما الذي جعلنا نصمت طوال الأشهر الأولى لتشكيل الحكومة والسيد فيصل محمد صالح يهادن أصدقاء الأمس ويتيح لهم فرصة مواصلة مسيرة تجميل القبح والتستر على المجرمين!

• أين كنا والقنوات الفضائية تستمر في استضافة قلة من الصحفيين الذين كانوا ضيوفاً دائمين عليها ومقدمين لبعض برامجها طوال سنوات حُكم الفاسد الأكبر البشير!

• أين كنا والدكتور حمدوك يستعين في مكتبه الصحفي ببعض الأسماء غير المعروفة في وجود إعلاميين وصحفيين ثوار حقيقة!!

• الطبيعي جداً بعد كل هذا التهاون أن يستجمع القوم قواهم ليهاجموا كل من يقف ضد مصالحهم غير المشروعة.

• وبدلاً من هذا الصراخ ومحاولة الدفاع عن لجنة التفكيك أو حكومة حمدوك علينا أن نضغط على هذه الحكومة للحاق بنفسها وبالبلد من خلال إنزال شعارات ثورة ديسمبر العظيمة على أرض الواقع.

• فبدون ذلك سنهدر المزيد من الوقت في كلام لا طائل من ورائه وسنمنح بعض الأقلام الرخيصة المزيد من الفرص لتحقيق المزيد من المكاسب، أقلها الترويج لصحفهم ومتابعتها.

• الآن فقط بدأ الناس يتحدثون عن مقاطعة هذا القلم أو ذاك!

• هذه دعوات أُطلقناها قبل سنوات عديدة، لكن لم ينتبه أحد إلى أهمية سلاح المقاطعة وصعوبته البالغة على الكتاب والصحف تحديداً.

• والأكثر أسفاً أن المواقع المعارضة لنظام الإنقاذ نفسها لم تقاطع تلك الأقلام التي ساهمت في تغبيش الوعي، دع عنك القاريء العادي.

• لو عرفنا كيف نفعل سلاح المقاطعة لما استمرت حكومة المخلوع لثلاثة عقود كاملة.

• بقي أن أقول إن روح الثورة الحقيقية هي لجان المقاومة لا لجنة التفكيك أو غيرها، لكن المؤسف أن لجان المقاومة نفسها قد لُعب بها ولم تعد كما عهدناها خلال الأشهر الأولى التي أعقبت سقوط الطاغية ونظامه الكريه.

• ليس غريباً على المتكسبين مثل هذا الهجوم، لكن الغريب أن نكتفي بعد كل هذه السنوات بانتقادهم وسبهم، بدلاً من محاسبتهم.


kamalalhidai@hotmail.com

 

آراء