مأزق الدولار… البحث عن مخرج!!

 


 

عادل الباز
12 October, 2011

 


قال صديقي الأستاذ ضياء الدين بلال عبارة بليغة: (الدولار أخطر من عقار) وقد صدق. عقار فعل فعلته وغادر ولكن الدولار باقٍ لايزال يفعل فينا العجايب. حين تشتعل الأسواق فيلتفت الناس ليجدوا نيران الغلاء أكلت مداخيلهم.... ولم يجدوا ما يأكلونه فإن أمامهم خيارين؛ إما أن يموتوا بالجوع أو يشتعلوا... بوعزيزي لن يكون استثناءً في التاريخ.
المعالجات التي تجري الآن للسيطرة على  تصاعد الدولار لم تحدث أثراً حاسماً على انخفاض السعر الموازي، ولم تعد به إلى معدلات شهري أغسطس وسبتمبر قبل الارتقاع الجنوني الذي شهده في نهايات سبتمبر. الخطر أن تعتقد الحكومة وبنكها المركزي أن الإجراءات الإدارية ستمكنها من السيطرة  على الدولار، والأخطر أن تظن أن فرض إجراءات عقابية من شأنها أن تعمل إيجاباً في فرض سيطرتها على السوق الموازي. هذه محض أوهام مجربة ولو حاولت الحكومة أن تلجأ إليها مرة أخرى فستحيق بها الندامة.
ثلاثة خيارات متاحة للحكومة للسيطرة على سعر الدولار أو على الأقل لتثبيت سعره في حدود معقولة تسمح بها الحالة الاقتصادية العامة فلا أمل الآن في إيجاد تعافٍ كامل لميزان المدفوعات. سيظل مختلاً إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
الخيار الأول يتعلق بالتوجه كلياً نحو الإنتاج الزراعي ولا بد أن يكون الهدف واضحاً وهو الاستثمار في السلع التي تستنزف الدولار. مثلاً القمح بلغت فاتورة استيراده العام الماضي 800 مليون دولار وهو رقم كبير في ظل عدم توفر أي موارد مقدرة للدولار بعد أن توقفت عائدات النفط أو كادت. نحتاج لحزمة سياسات تمويلية وضرائيبة وتسويقية متماسكة لتشجيع  المزارعين للاتجاه لزراعة القمح واتخاذ سياسات من شأنها جذب استثمارات ضخمة في مجال زراعة القمح. هذا الاقتراح معلوم لدى صانعي القرار الاقتصادي ولكن ما نحتاجه ونلح عليه هو إرادة الفعل والإصرار على الاتجاه، وهذا ما ظللنا نفتقده. ليس لدينا عزيمة كافية لإنفاذ ما نؤمن به ولو كانت المصلحة فيه واضحة. الآن وفرَّت الدولة ما يقارب المائة وخمسون مليون دولار لزراعة القطن وهو المحصول الذي تشهد أسعاره تصاعداً مستمراً في الأسواق العالمية وهي خطوة بكل تأكيد ناجحة ومبشرة. تمت بالفعل زراعة 170 ألف فدان.... صحيح أن العطش الذي تعرَّض له المحصول في بعض أجزاء مشروع الجزيرة سيخفض من الإنتاجية المتوقعة إلا أن ما سينتج بالتأكيد سيتفوق على معدلات الإنتاج للخمس سنوات الماضية. القطن الآن محصول ذهبي، ففضلاً عن أنه سيعود بمئات الدولارات للخزينة فإنه سيخفِّض فاتورة استيراد زيوت الطعام التي بلغت العام الماضي 200 مليون دولار، وهذه مشكلة بكل تأكيد، فالسودان كان في يوم ما مصدراً للزيوت. نجاح محصول القطن هذا العام رغم المماحكات الجارية بين الأقطان والمزارعين يعطي الدرس الذي كان ينبغي أن تتعلمه الحكومة باكرا. فحزمة السياسات التي انتهجتها وزارة الرزاعة من توفير للتمويل إضافة للتحضيرات الجيدة للأرض وقيادة المزارعين بإغرائهم بالاتجاه نحو القطن تؤتي ثمارها الآن. بالرغم من الطبول الفارغة التي تُقرع حول سياسات وزير الزراعة عبد الحليم المتعافي إلا أنه فعلاً لا قولاً ولا (طق حنك) ينجز على الأرض ما كان ينبغي أن ينجز منذ سنوات وبهمة عالية لا تعرف الملل. إن جهد الرجال وأياديهم البيضاء لا يمكن أن تسودها المانشيتات الحمراء!!.
من حظ الحكومة أن مصنع سكر النيل الأبيض سيبدأ إنتاجه بنهاية العام الحالي وهو ما سيساهم في سد الفجوة في السكر بنسبة كبيرة وسيخفف الضغط على الدولار. توجُّه الحكومة كلياً للإنتاج سيوفر الدولارات الشحيحة التي بين أيدينا لتتجه لأغراض أخرى أكثر إلحاحاً وليس من بينها بحال من الأحوال التفاح السويسري ولا النبق الإيراني!!.
الخيار الثاني هو إنجاز اتفاق سريع وعادل مع إخواننا في الجنوب بشأن النفط والتجارة. من شأن ذلك أن يوفر موارد مهمة تساعد في استقرار سعر الصرف في السوق الموازي وتدعم جزئياً احتياطيات النقد الأجنبي التي تعاني من تدهور مريع. التقديرات الأولية لما يمكن أن يعود من رسوم عبور النفط عبر الشمال تبلغ اثنين مليار سنوياً وإذا أضفنا إليها ما يمكن أن يعود من التعامل التجاري بين الدولتين يمكننا أن نحصل على ثلاثة مليارات دولار، وهو مبلغ محترم بكل المقاييس.
الخيار الثالث هو خيار (الحكمة) وهو الأشد إلحاحاً الآن. إذا كنا نعتقد أن الاستثمارات ستتدفق علينا والبلد مشتعلة بالحرائق فإننا واهمون. المستثمرون ليسوا مجانين حتى يهدروا أموالهم في بلد تقرع بها طبول الحرب ليل نهار. لماذا تُقرع الحكومة طبول الحرب.... ما الفائدة؟ ما الجدوى أن يقود إعلام الحكومة الحرابة؟. وهل الذين يفعلون ذلك يعرفون أثره على الاقتصاد وحياة الناس؟ فليحارب من يحارب... هذا شغله ولكن لماذا يقرع الإعلام طبول الحرب ليساهم في توتر البلد!!!.. تركيا تحارب الأكراد عشرات السنين وتأتي أنباء العمليات الحربية في نشرات أجهزتها عرضاً وكأنها لا تخص تركيا!!. الإعلام التركي يقود مسيرة التنمية وهنا يقود (الجلبزيون) الجدد البلد للمسغبة!!. لله الأمر من قبل ومن بعد.

 

آراء