مأزق المؤرخ التقليدي السوداني.. احمد ابراهيم أبوشوك و إنجيل برنابا
طاهر عمر
23 May, 2023
23 May, 2023
أكثر النخب السودانية حرجا هو المؤرخ السوداني التقليدي لأنه متأخر عن موكب تطور الفكر بقرن كامل بتمامه. نقول قرن كامل و هنا نقصد ظهور و نشر أفكار ماكس فيبر قبل قرن من الزمان و هو مؤرخ و عالم اجتماع و إقتصادي و قانوني و قد نبهنا النخب السودانية لعجز المؤرخ السوداني التقليدي في مقالات كثيرة و أشرنا فيها أن المؤرخ السوداني التقليدي يجهل علم الاجتماع و الاقتصاد و ضربنا مثلا بأن ماكس فيبر كمؤرخ و عالم اجتماع إستنبط فكرة العقلانية من أدبيات تاريخ الفكر الاقتصادي و النظريات الاقتصادية في وقت نجد المؤرخ السوداني التقليدي يجهل جهل فظيع بكل من تاريخ الفكر الاقتصادي و النظريات الاقتصادية.
و من هنا ننبه القارئ الناعس بأننا لم نجد في مشاريع المؤرخ التقليدي السوداني فكرة الاقتصاد و المجتمع التي سيطرت على حقول المؤرخ في الشعوب المتقدمة حيث يكون المؤرخ فيلسوف و اقتصادي و عالم اجتماع و أنثروبولوج و هنا نعيد و نكرر حتى نخرج من الحلقة المفرغة و محمكة الإغلاق التي ضربها من حولنا المؤرخ التقليدي.
لذلك يجب مراجعة طرح المؤرخ التقليدي السوداني و مواجهته بأن مشروعه التقليدي المتمركز حول فكرة صحيح الدين كما راينا بحوث المؤرخيين أمثال على صالح كرار و كذلك تبجيل محمد ابراهيم أبوسليم للوثيقة المقدسة كعنوان للمؤرخ التقليدي و قد كرمه أتباع حزب الأمة و هم غائصيين في وحل خطابهم الديني و كله بسبب غياب فكرة العقلانية من سجل عالم الاجتماع السوداني و المؤرخ التقليدي السوداني.
و العقلانية هي سليلة تاريخ الفكر الاقتصادي و النظريات الاقتصادية و هذا الجانب الذي لم يوليه محمد ابراهيم أبوسليم أي إهتمام لذلك جاءت بحوثه في إطار فهم المؤرخ التقليدي الذي يكرمه أتباع حزب الأمة حيث يقبع الصادق المهدي كرجل دين أكثر من أن يكون سياسي بمعناها الحديث و لا يختلف عنهم يوسف فضل و تلاميذه و قد رأينا إنعكاس تقليدية فكر المؤرخ التقليدي أي يوسف فضل في جلوسه في حوار الوثبة التي نظمته الحركة الاسلامية لمحاولة مواصلة إستمرار الخطاب الديني.
جلوس يوسف فضل في حوار الوثبة و صمته يوم إعدام الاستاذ محمود محمد طه يوشحه بوشاح المؤرخ التقليدي الذي يحاول المحافظة على قيم مجتمعات تقليدية و كذلك لا يختلف عنه عبدالله علي ابراهيم و قد ظل في حقبة حكم الحركة الاسلامية في صحبة الاسلاميين و قد كرموه و قد كتب و هو يتغنى فرحا بزيارة السائحيين له و هم الدبابين و غيرهم من أتباع الحركة الاسلامية من مجاهديين و قد غنى عبد الله علي ابراهيم حبايبي الحلويين أهلن جوني و أنا ما قايل سايحيين زي ديل بزوروني و كذلك أغنية كلام الحب كلو قلتوه بس كلامي أنا الما عرفتوه.
و كلام عبد الله علي ابراهيم كان معروف كمؤرخ تقليدي حالت تقليديته بينه و فهم أن علم الاجتماع قد أصبح بعد معرفي في صميم الديالكتيك و كذلك قد أصبحت المعادلات السلوكية بعد معرفي جديد في تفسير الظواهر الاجتماعية مع إفتراض عقلانية الفرد و أخلاقيته كبديل لفكرة نهاية التاريخ و إنتهاء الصراع الطبقي التي يؤمن بها عبد الله علي ابراهيم كمهوس بالماركسية التي إنتقدها مؤرخ و عالم اجتماع كماكس فيبر في فكرة الاقتصاد و المجتمع و قد زاد عليها في مدحه لعقلانية الرأسمالية التي لم تظهر نتائجها في حيز المجتمعات التقليدية و لا في فكر مؤريخيها التقليديين أمثال عبد الله علي ابراهيم و أقصد كتاب ماكس فيبر الأخلاق البروتستانتية و روح الرأسمالية.
أنظر لفكرة عقلانية الفرد التي قلنا أن ماكس فيبر كمؤرخ و عالم اجتماع أستمدها من تاريخ الفكر الاقتصادي و النظريات الاقتصادية و هنا تكمن محنة عبد الله علي ابراهيم كمؤرخ تقليدي لأنه لم يفارق وثيقته المقدسة و هذا ما جعله بأن لا يتحرج من صحبة الاسلاميين لثلاثة عقود و يلتقي بالسائحيين و عاجز عن فهم أن فكرة نهاية التاريخ و إنتهاء الصراع الطبقي لا تختلف عن غائية و لاهوتية الفكر الديني في زعمه في تقديم الحلول النهائية و هنا يلتقي عبد الله علي ابراهيم مع الكوز في فكر مطلق غائي و لاهوتي ديني أي فكرهم الذي يعتقد بأنه قادر على تقديم حلول نهائية و هيهات.
قد أصبح عبد الله علي ابراهيم كمؤرخ تقليدي مكبل بفكرة الصراع الطبقي و نهاية التاريخ و قد قال لم يفارق الحزب الشيوعي السوداني بسبب عطب الشيوعية و لكن بسبب ممارسات الحزب الشيوعي السوداني في وقت نجد المؤرخيين في المجتمعات المتقدمة قد فارقوا الشيوعية لعطب في الشيوعية نفسها كما فعل إدغار موران قبل قيام الحزب الشيوعي السوداني و نجد كلود ليفورت قد فارق الشيوعية بفضل فكر استاذه موريس ميرلو بونتي و قد تخاصم مع سارتر و قد إنتهت صداقتهم بسبب إصرار سارتر و دفاعه عن الشيوعية كنظام شمولي بغيض لا يختلف عن النازية و الفاشية في نظر المؤرخ غير التقليدي في المجتمعات الحية.
ما أود أن أوكده بأن المؤرخ التقليدي السوداني كان الأقرب للفكر الديني في كل جهوده لذلك كان أبوسليم خادم مطيع لحزب الأمة في دراساته لوثائق المهدية دون أن يقول أن الخطاب الديني للمهدية يحاول أن يكون خارج التاريخ بل يحاكم التاريخ و مبتعد عن كل فكر يفتح لنا نافذة على فكرة النزعة الانسانية المفارقة للفكر الديني.
و بالتالي كساد المؤرخ التقليدي السوداني و تأخره عن تطور الفكر هو المسؤول عن تأخر ظهور الفكر الليبرالي في الساحة السودانية بل سبب إعتقاد أغلب النخب السودانية أن الفكر الليبرالي فكر رميم و هذا مضحك بل يفتح باب الضحك على مؤرخ تقليدي سوداني ظل أقرب لفكر الأحزاب الدينية في السودان و يبرر لهم عبر دراسته للطرق الصوفية و تبرير أنها تمثل صحيح الدين أو تبرير المهدية كثورة في وقت يرى علماء اجتماع في العالم العربي مثل هشام شرابي يرى أن المهدية و الوهابية و السنوسية حركات عطلت النهضة الفكرية في العالم العربي.
و بالتالي يصبح المؤرخ السوداني التقليدي هو الأب الشرعي لديمومة و إستمرارية خط سنار المهدية الانقاذ الثمرة المرة للحركة الاسلامية السودانية و كذلك هو الأب الشرعي لكساد الشيوعية السودانية كنسخة يتخفى خلفها الشيوعي السوداني غير القادر على أن يتيقن من صحة نمط الانتاج الرأسمالي و صحة الفكر الليبرالي و كيف قد أصبحت ثورة الديمقراطية بديلا للفكر الديني و خطابه من كل شاكلة و لون.
و النتيجة هي التحول الهائل في المفاهيم بسبب ثورة الديمقراطية في فكر توكفيل كمؤرخ و نتجت منها مسألة المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد و نجدها قد أصبحت في المعادلات السلوكية التي توضح النشاط الاقتصادي كما في مسألة الاستهلاك المستقل عن الدخل كما نجده في فكر يسار الرأسمالية الذي أستوعبته الأحزاب الشيوعية في الغرب و قد أصبح عصى على فهم الشيوعي السوداني المتخفي خلف نسخته الشيوعية السودانية المتحجرة.
و فهم الأحزاب الشيوعية في الغرب لنمط الانتاج الرأسمالي هو بسبب وجود المؤرخ غير التقليدي أي المؤرخ الذي يتسلح بعلم الاجتماع و النظريات الاقتصادية و تاريخ الفكر الاقتصادي و الفلسفة السياسية و الانثروبولجيا و بالتالي قد وضحت له مسألة كيف و متى و لماذا إنتهت فلسفة التاريخ التقليدية؟ و كيف و متى و لماذا ظهرت فلسفة التاريخ الحديثة؟ و ما ذكرناه عن فلسفة التاريخ الحديثة لم نجده في بحوث يوسف فضل و لا بحوث أبوسليم و لا في بحوث علي صالح كرار و لا بحوث احمد ابراهيم أبوشوك.
يحاول كثر أن يجعلوا من المؤرخ التقليدي احمد ابراهيم أبوشوك وريث للمؤرخ التقليدي السوداني أي ضمان لاستمرارية بحوث المؤرخ التقليدي و بحوث احمد ابراهيم أبوشوك تفتقر لعلم الاجتماع و الفلسفة السياسية و الانثروبولوجيا التاريخية و تفتقر لتارخ الفكر الاقتصادي و أدبيات النظريات الاقتصادية مقارنة بمشاريع المؤرخيين غير التقليديين.
لذلك نقول للصحفي زين العابدين صالح عبد الرحمن في محاولته البائسة اليائسة في محاولة تطويب أحمد ابراهيم أبوشوك و هو على قيد الحياة كوريث للمؤرخ التقليدي السوداني لا تذكرنا محاولاتك إلا بمحاولات بعض أتباع المسيحية بالإعتراف بإنجيل برنابا كإنجيل غير معترف به بجانب الأناجيل الأخرى في وقت يؤكد فيه ماكس فيبر زوال سحر العالم.
أي أن الخطاب الديني لم يعد له دور بنيوي على صعد السياسة و الاقتصاد و الاجتماع وكذلك نقول أن المؤرخ التقليدي السوداني قد فشل على إمتداد فترة زمنية تجاوزت السبعة عقود و هو عاجز أن يجسر الهوة بينه و بين المؤرخ في المجتمعات الحديثة.
فيا زين العابديين صالح أنت تريد أن تأبّد عبادة صنم ذهني جديد أي احمد ابراهيم أبوشوك و هو غارق في تقليديته كمؤرخ تقليدي و هذا لا يخدم التفكير النقدي في شئ و احمد ابراهيم أبوشوك لا يشبه وضعه غير وضع إنجيل برنابا بين الأناجيل المعترف بها و في أحسن أحاولها قد تجاوزها الفكر الحديث أي فكر عقل الأنوار بفكرة زوال سحر العالم كما تجاوز التفكير النقدي فكر المؤرخ التقليدي السوداني الذي يقول عنه احمد ابراهيم أبوشوك في مدح يوسف فضل و في الحقيقة قد ذمه أي أن يوسف فضل قد كرمته كل النظم التي مرت على حكم السودان بعد إستقلاله.
بالله يا زين العابدين صالح عبد الرحمن في دليل على تقليدية المؤرخ السوداني أكثر وضوح مما قاله احمد ابراهيم أبوشوك في قوله؟ و هذا القول نفسه يمكنك أن تستدل به على تقليدية احمد ابراهيم أبوشوك كمؤرخ تقليدي مقارنة بمؤرخيين مدرسة الحوليات حيث كان هم مدرستهم من البداية نقد الفكر السياسي الذي تقوم عليه الجمهورية الثالثة في فرنسا دعك من أفكار ريموند أرون في نقده لقوانيين الجمهورية الرابعة فأين وجه الشبه بينهم و يوسف فضل كمؤرخ تقليدي كرمته كل نظم الحكم التي مرت على حكم السودان بما فيها الحركة الاسلامية السودانية و هو جالس في حوار الوثبة؟
و أضف الى ذلك تقديم احمد ابراهيم أبوشوك ليوسف فضل في كتابه الأخير لينال جوائز العربان و أموال البترول و دورها في تغبيش الوعي ليلحق يوسف فضل بحيدر ابراهيم علي و قبوله بجوائز عرب الخليج و لسؤ حظ حيدر ابراهيم علي بعده بأيام قلائل رفض الفيلسوف الالماني هابرماس جوائز عرب الخليج فماذا قائل يا زين العابدين في كل من يوسف فضل و حيدر و في احمد ابراهيم أبوشوك؟ و هو يسير كالسائر في نومه وراء شيخه يوسف فضل في خدمته للثقافة العربية الاسلامية التقليدية و بسببها قد نال يوسف فضل جائزة عربان الخليج التي رفضها هابرماس كفيلسوف محترم؟
حال المؤرخ التقليدي السوداني و عالم الاجتماع التقليدي السوداني و المثقف التقليدي لا يشبهه غير وصف السيد المسيح للكتبة و الفريسيين بأنهم حفظة شريعة قسات قلوب يقفون بالباب لا يدخلون و لا يتركون من يريد الدخول أن يدخل.
وقوف المؤرخ التقليدي السوداني بالباب و عرقلته لمن يريد الدخول لمناهج النقد يشرحها فقر مكتبتنا السودانية لمشاريع النقد التي تثمر ثمار التفكير النقدي في حقولها و في غياب أثار جهد المفكريين و إبداعهم الفكري و غياب المناهج و ضعفها في سبيل البحث نجد ذلك بسهولة في غياب فكرة فن القراءة مثلا في إبداع كل من موريس ميرلو بونتي و تلميذه كلود ليفورت حيث و صلا لفكرة أن مكيافيلي أخلاقي عكس ما يعتقد المثقف التقليدي السوداني فيما شاع عن عدم أخلاقية مكيافيلي في كتابه الشهير.
و من هنا ندعو النخب السودانية التقليدية لتجاوز عتبة الغاية تبرر الوسيلة التي حجزتهم عن معرفة أخلاقية مكيافيلي و كيف تساعدهم فكرة فن القراءة في ترسيخ معنى القطيعة مع التراث و كيف تؤسس للنزعة الانسانية و تمجد إبداع العقل البشري في عقلانيته و هذا ما توصل له كل من موريس ميرلو بونتي و كلود لوفرت في إبداعهم في فن القراءة الذي قد ساقهم الى مسألة إعادة النظر في آداب كتاب مكيافيلي الشهير.
و بالتالي كان حكمهما بأن مكيافيلي أخلاقي بامتياز عكس ما يعتقد المثقف التقليدي السوداني في عدم أخلاقية مكيافيلي. و أيضاعبر فن القراءة قد وصل ميرلو بونتي لعطب الشيوعية و هذا سبب خصومته مع سارتر و قد إنقطعت بسببه صداقتهم.
و من هنا نقول للصحفي زين العابدين صالح عبد الرحمن أنظر كيف تحدد المناهج علاقة المفكريين مع بعضهم البعض مثلما حدث في قطع علاقة الصداقة بين سارتر و موريس ميرلو بونتي و سارتر و ألبرت كامي و سارتر و ريموند أرون فالمسألة مسألة مناهج و ليست علاقة أستاذه بتلميذه كما رأينا في علاقة أحمد ابراهيم أبوشوك مع يوسف فضل.
و في نفس أهمية المناهج نجد أيضا كيف إستفاد كلود ليفي اشتروس من منهج موريس ميرلو بونتي في تقوية بنيوية كلود ليفي إشتروس و كيف وصل كلود ليفي إشتروس لفكرة أن التاريخ يعتبر الأسطورة الأخيرة للمجتمعات الحديثة و هذا الحديث عنه يطول في زمن يسيطر على أفقه المؤرخ التقليدي السوداني في مشهد فكرنا السوداني الفقير بسبب فقر المناهج و نجده في مقولات كلود ليفي إشتروس في الانثروبولوجيا التاريخية.
taheromer86@yahoo.com
/////////////////////////
و من هنا ننبه القارئ الناعس بأننا لم نجد في مشاريع المؤرخ التقليدي السوداني فكرة الاقتصاد و المجتمع التي سيطرت على حقول المؤرخ في الشعوب المتقدمة حيث يكون المؤرخ فيلسوف و اقتصادي و عالم اجتماع و أنثروبولوج و هنا نعيد و نكرر حتى نخرج من الحلقة المفرغة و محمكة الإغلاق التي ضربها من حولنا المؤرخ التقليدي.
لذلك يجب مراجعة طرح المؤرخ التقليدي السوداني و مواجهته بأن مشروعه التقليدي المتمركز حول فكرة صحيح الدين كما راينا بحوث المؤرخيين أمثال على صالح كرار و كذلك تبجيل محمد ابراهيم أبوسليم للوثيقة المقدسة كعنوان للمؤرخ التقليدي و قد كرمه أتباع حزب الأمة و هم غائصيين في وحل خطابهم الديني و كله بسبب غياب فكرة العقلانية من سجل عالم الاجتماع السوداني و المؤرخ التقليدي السوداني.
و العقلانية هي سليلة تاريخ الفكر الاقتصادي و النظريات الاقتصادية و هذا الجانب الذي لم يوليه محمد ابراهيم أبوسليم أي إهتمام لذلك جاءت بحوثه في إطار فهم المؤرخ التقليدي الذي يكرمه أتباع حزب الأمة حيث يقبع الصادق المهدي كرجل دين أكثر من أن يكون سياسي بمعناها الحديث و لا يختلف عنهم يوسف فضل و تلاميذه و قد رأينا إنعكاس تقليدية فكر المؤرخ التقليدي أي يوسف فضل في جلوسه في حوار الوثبة التي نظمته الحركة الاسلامية لمحاولة مواصلة إستمرار الخطاب الديني.
جلوس يوسف فضل في حوار الوثبة و صمته يوم إعدام الاستاذ محمود محمد طه يوشحه بوشاح المؤرخ التقليدي الذي يحاول المحافظة على قيم مجتمعات تقليدية و كذلك لا يختلف عنه عبدالله علي ابراهيم و قد ظل في حقبة حكم الحركة الاسلامية في صحبة الاسلاميين و قد كرموه و قد كتب و هو يتغنى فرحا بزيارة السائحيين له و هم الدبابين و غيرهم من أتباع الحركة الاسلامية من مجاهديين و قد غنى عبد الله علي ابراهيم حبايبي الحلويين أهلن جوني و أنا ما قايل سايحيين زي ديل بزوروني و كذلك أغنية كلام الحب كلو قلتوه بس كلامي أنا الما عرفتوه.
و كلام عبد الله علي ابراهيم كان معروف كمؤرخ تقليدي حالت تقليديته بينه و فهم أن علم الاجتماع قد أصبح بعد معرفي في صميم الديالكتيك و كذلك قد أصبحت المعادلات السلوكية بعد معرفي جديد في تفسير الظواهر الاجتماعية مع إفتراض عقلانية الفرد و أخلاقيته كبديل لفكرة نهاية التاريخ و إنتهاء الصراع الطبقي التي يؤمن بها عبد الله علي ابراهيم كمهوس بالماركسية التي إنتقدها مؤرخ و عالم اجتماع كماكس فيبر في فكرة الاقتصاد و المجتمع و قد زاد عليها في مدحه لعقلانية الرأسمالية التي لم تظهر نتائجها في حيز المجتمعات التقليدية و لا في فكر مؤريخيها التقليديين أمثال عبد الله علي ابراهيم و أقصد كتاب ماكس فيبر الأخلاق البروتستانتية و روح الرأسمالية.
أنظر لفكرة عقلانية الفرد التي قلنا أن ماكس فيبر كمؤرخ و عالم اجتماع أستمدها من تاريخ الفكر الاقتصادي و النظريات الاقتصادية و هنا تكمن محنة عبد الله علي ابراهيم كمؤرخ تقليدي لأنه لم يفارق وثيقته المقدسة و هذا ما جعله بأن لا يتحرج من صحبة الاسلاميين لثلاثة عقود و يلتقي بالسائحيين و عاجز عن فهم أن فكرة نهاية التاريخ و إنتهاء الصراع الطبقي لا تختلف عن غائية و لاهوتية الفكر الديني في زعمه في تقديم الحلول النهائية و هنا يلتقي عبد الله علي ابراهيم مع الكوز في فكر مطلق غائي و لاهوتي ديني أي فكرهم الذي يعتقد بأنه قادر على تقديم حلول نهائية و هيهات.
قد أصبح عبد الله علي ابراهيم كمؤرخ تقليدي مكبل بفكرة الصراع الطبقي و نهاية التاريخ و قد قال لم يفارق الحزب الشيوعي السوداني بسبب عطب الشيوعية و لكن بسبب ممارسات الحزب الشيوعي السوداني في وقت نجد المؤرخيين في المجتمعات المتقدمة قد فارقوا الشيوعية لعطب في الشيوعية نفسها كما فعل إدغار موران قبل قيام الحزب الشيوعي السوداني و نجد كلود ليفورت قد فارق الشيوعية بفضل فكر استاذه موريس ميرلو بونتي و قد تخاصم مع سارتر و قد إنتهت صداقتهم بسبب إصرار سارتر و دفاعه عن الشيوعية كنظام شمولي بغيض لا يختلف عن النازية و الفاشية في نظر المؤرخ غير التقليدي في المجتمعات الحية.
ما أود أن أوكده بأن المؤرخ التقليدي السوداني كان الأقرب للفكر الديني في كل جهوده لذلك كان أبوسليم خادم مطيع لحزب الأمة في دراساته لوثائق المهدية دون أن يقول أن الخطاب الديني للمهدية يحاول أن يكون خارج التاريخ بل يحاكم التاريخ و مبتعد عن كل فكر يفتح لنا نافذة على فكرة النزعة الانسانية المفارقة للفكر الديني.
و بالتالي كساد المؤرخ التقليدي السوداني و تأخره عن تطور الفكر هو المسؤول عن تأخر ظهور الفكر الليبرالي في الساحة السودانية بل سبب إعتقاد أغلب النخب السودانية أن الفكر الليبرالي فكر رميم و هذا مضحك بل يفتح باب الضحك على مؤرخ تقليدي سوداني ظل أقرب لفكر الأحزاب الدينية في السودان و يبرر لهم عبر دراسته للطرق الصوفية و تبرير أنها تمثل صحيح الدين أو تبرير المهدية كثورة في وقت يرى علماء اجتماع في العالم العربي مثل هشام شرابي يرى أن المهدية و الوهابية و السنوسية حركات عطلت النهضة الفكرية في العالم العربي.
و بالتالي يصبح المؤرخ السوداني التقليدي هو الأب الشرعي لديمومة و إستمرارية خط سنار المهدية الانقاذ الثمرة المرة للحركة الاسلامية السودانية و كذلك هو الأب الشرعي لكساد الشيوعية السودانية كنسخة يتخفى خلفها الشيوعي السوداني غير القادر على أن يتيقن من صحة نمط الانتاج الرأسمالي و صحة الفكر الليبرالي و كيف قد أصبحت ثورة الديمقراطية بديلا للفكر الديني و خطابه من كل شاكلة و لون.
و النتيجة هي التحول الهائل في المفاهيم بسبب ثورة الديمقراطية في فكر توكفيل كمؤرخ و نتجت منها مسألة المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد و نجدها قد أصبحت في المعادلات السلوكية التي توضح النشاط الاقتصادي كما في مسألة الاستهلاك المستقل عن الدخل كما نجده في فكر يسار الرأسمالية الذي أستوعبته الأحزاب الشيوعية في الغرب و قد أصبح عصى على فهم الشيوعي السوداني المتخفي خلف نسخته الشيوعية السودانية المتحجرة.
و فهم الأحزاب الشيوعية في الغرب لنمط الانتاج الرأسمالي هو بسبب وجود المؤرخ غير التقليدي أي المؤرخ الذي يتسلح بعلم الاجتماع و النظريات الاقتصادية و تاريخ الفكر الاقتصادي و الفلسفة السياسية و الانثروبولجيا و بالتالي قد وضحت له مسألة كيف و متى و لماذا إنتهت فلسفة التاريخ التقليدية؟ و كيف و متى و لماذا ظهرت فلسفة التاريخ الحديثة؟ و ما ذكرناه عن فلسفة التاريخ الحديثة لم نجده في بحوث يوسف فضل و لا بحوث أبوسليم و لا في بحوث علي صالح كرار و لا بحوث احمد ابراهيم أبوشوك.
يحاول كثر أن يجعلوا من المؤرخ التقليدي احمد ابراهيم أبوشوك وريث للمؤرخ التقليدي السوداني أي ضمان لاستمرارية بحوث المؤرخ التقليدي و بحوث احمد ابراهيم أبوشوك تفتقر لعلم الاجتماع و الفلسفة السياسية و الانثروبولوجيا التاريخية و تفتقر لتارخ الفكر الاقتصادي و أدبيات النظريات الاقتصادية مقارنة بمشاريع المؤرخيين غير التقليديين.
لذلك نقول للصحفي زين العابدين صالح عبد الرحمن في محاولته البائسة اليائسة في محاولة تطويب أحمد ابراهيم أبوشوك و هو على قيد الحياة كوريث للمؤرخ التقليدي السوداني لا تذكرنا محاولاتك إلا بمحاولات بعض أتباع المسيحية بالإعتراف بإنجيل برنابا كإنجيل غير معترف به بجانب الأناجيل الأخرى في وقت يؤكد فيه ماكس فيبر زوال سحر العالم.
أي أن الخطاب الديني لم يعد له دور بنيوي على صعد السياسة و الاقتصاد و الاجتماع وكذلك نقول أن المؤرخ التقليدي السوداني قد فشل على إمتداد فترة زمنية تجاوزت السبعة عقود و هو عاجز أن يجسر الهوة بينه و بين المؤرخ في المجتمعات الحديثة.
فيا زين العابديين صالح أنت تريد أن تأبّد عبادة صنم ذهني جديد أي احمد ابراهيم أبوشوك و هو غارق في تقليديته كمؤرخ تقليدي و هذا لا يخدم التفكير النقدي في شئ و احمد ابراهيم أبوشوك لا يشبه وضعه غير وضع إنجيل برنابا بين الأناجيل المعترف بها و في أحسن أحاولها قد تجاوزها الفكر الحديث أي فكر عقل الأنوار بفكرة زوال سحر العالم كما تجاوز التفكير النقدي فكر المؤرخ التقليدي السوداني الذي يقول عنه احمد ابراهيم أبوشوك في مدح يوسف فضل و في الحقيقة قد ذمه أي أن يوسف فضل قد كرمته كل النظم التي مرت على حكم السودان بعد إستقلاله.
بالله يا زين العابدين صالح عبد الرحمن في دليل على تقليدية المؤرخ السوداني أكثر وضوح مما قاله احمد ابراهيم أبوشوك في قوله؟ و هذا القول نفسه يمكنك أن تستدل به على تقليدية احمد ابراهيم أبوشوك كمؤرخ تقليدي مقارنة بمؤرخيين مدرسة الحوليات حيث كان هم مدرستهم من البداية نقد الفكر السياسي الذي تقوم عليه الجمهورية الثالثة في فرنسا دعك من أفكار ريموند أرون في نقده لقوانيين الجمهورية الرابعة فأين وجه الشبه بينهم و يوسف فضل كمؤرخ تقليدي كرمته كل نظم الحكم التي مرت على حكم السودان بما فيها الحركة الاسلامية السودانية و هو جالس في حوار الوثبة؟
و أضف الى ذلك تقديم احمد ابراهيم أبوشوك ليوسف فضل في كتابه الأخير لينال جوائز العربان و أموال البترول و دورها في تغبيش الوعي ليلحق يوسف فضل بحيدر ابراهيم علي و قبوله بجوائز عرب الخليج و لسؤ حظ حيدر ابراهيم علي بعده بأيام قلائل رفض الفيلسوف الالماني هابرماس جوائز عرب الخليج فماذا قائل يا زين العابدين في كل من يوسف فضل و حيدر و في احمد ابراهيم أبوشوك؟ و هو يسير كالسائر في نومه وراء شيخه يوسف فضل في خدمته للثقافة العربية الاسلامية التقليدية و بسببها قد نال يوسف فضل جائزة عربان الخليج التي رفضها هابرماس كفيلسوف محترم؟
حال المؤرخ التقليدي السوداني و عالم الاجتماع التقليدي السوداني و المثقف التقليدي لا يشبهه غير وصف السيد المسيح للكتبة و الفريسيين بأنهم حفظة شريعة قسات قلوب يقفون بالباب لا يدخلون و لا يتركون من يريد الدخول أن يدخل.
وقوف المؤرخ التقليدي السوداني بالباب و عرقلته لمن يريد الدخول لمناهج النقد يشرحها فقر مكتبتنا السودانية لمشاريع النقد التي تثمر ثمار التفكير النقدي في حقولها و في غياب أثار جهد المفكريين و إبداعهم الفكري و غياب المناهج و ضعفها في سبيل البحث نجد ذلك بسهولة في غياب فكرة فن القراءة مثلا في إبداع كل من موريس ميرلو بونتي و تلميذه كلود ليفورت حيث و صلا لفكرة أن مكيافيلي أخلاقي عكس ما يعتقد المثقف التقليدي السوداني فيما شاع عن عدم أخلاقية مكيافيلي في كتابه الشهير.
و من هنا ندعو النخب السودانية التقليدية لتجاوز عتبة الغاية تبرر الوسيلة التي حجزتهم عن معرفة أخلاقية مكيافيلي و كيف تساعدهم فكرة فن القراءة في ترسيخ معنى القطيعة مع التراث و كيف تؤسس للنزعة الانسانية و تمجد إبداع العقل البشري في عقلانيته و هذا ما توصل له كل من موريس ميرلو بونتي و كلود لوفرت في إبداعهم في فن القراءة الذي قد ساقهم الى مسألة إعادة النظر في آداب كتاب مكيافيلي الشهير.
و بالتالي كان حكمهما بأن مكيافيلي أخلاقي بامتياز عكس ما يعتقد المثقف التقليدي السوداني في عدم أخلاقية مكيافيلي. و أيضاعبر فن القراءة قد وصل ميرلو بونتي لعطب الشيوعية و هذا سبب خصومته مع سارتر و قد إنقطعت بسببه صداقتهم.
و من هنا نقول للصحفي زين العابدين صالح عبد الرحمن أنظر كيف تحدد المناهج علاقة المفكريين مع بعضهم البعض مثلما حدث في قطع علاقة الصداقة بين سارتر و موريس ميرلو بونتي و سارتر و ألبرت كامي و سارتر و ريموند أرون فالمسألة مسألة مناهج و ليست علاقة أستاذه بتلميذه كما رأينا في علاقة أحمد ابراهيم أبوشوك مع يوسف فضل.
و في نفس أهمية المناهج نجد أيضا كيف إستفاد كلود ليفي اشتروس من منهج موريس ميرلو بونتي في تقوية بنيوية كلود ليفي إشتروس و كيف وصل كلود ليفي إشتروس لفكرة أن التاريخ يعتبر الأسطورة الأخيرة للمجتمعات الحديثة و هذا الحديث عنه يطول في زمن يسيطر على أفقه المؤرخ التقليدي السوداني في مشهد فكرنا السوداني الفقير بسبب فقر المناهج و نجده في مقولات كلود ليفي إشتروس في الانثروبولوجيا التاريخية.
taheromer86@yahoo.com
/////////////////////////