ماتوا سمبلة!!

 


 

عادل الباز
26 June, 2011

 


نعم... رعاع
من الحُثالات التي في القاعْ
من الذين انغرست في قلبهم براثن الإقطاعْ
وسملت عيونهم مراود الخداعْ
حتى إذا ناداهم حقهم المضاعْ
عند الذين حولوا لهاثهم ضياعْ!!.
صلاح أحمد إبراهيم
ستون جثة فاضت بها مشارح العاصمة ولكن العاصمة لم تهتز ولم تذرف دمعة واحدة واكتفت صحف الخرطوم بمينشيتاتها المثيرة كأنها تحتفي بموتهم وأفردت صفحات ملونة لم تتوشح بالسواد.. الضحايا المجهولون لا بواكي لهم (الموت دواهو عدم العرفة). جاؤوا من المجهول ومضوا إليه.. لو أنهم كانوا من أحشاء المدن لا من هوامشها لضجت الأرض وقامت قيامتها. جاؤوا إلى الدنيا بلا استئذان ومضوا دون وداع.
كان الجميع يتفرجون على المأساة التي تظللهم و  لا أحد حاول أن يضع لها حلا, كانوا بانتظار كارثة تحل وتريح السلطات منهم. ها هي الكارثة قد أنشبت أظفارها في الأجساد الغضة فهل ارتاحت ضمائر الفراجة وهل بإمكانهم الآن إطباق أجفانهم على أعينهم؟. كان الجميع ينظر إليهم باستهجان، أجسادهم متسخة وثيابهم رثة ولكن لا أحد أخذ من ملابس أولاده ليدثرهم بها. لا أحد حين يراهم يقتاتون على بقايا الموائد يأخذ صحناً من بقايا وجباته الدسمة ليسكت بها نيران بطونهم الخاوية. لا شك أن جهات كثيرة قد سعدت بالكارثة التي حصدتهم !!
أين كانت الحكومة: ولائية أو اتحادية، في أي غرفة كانت تنام حين تسرب السبرتو لأحشائهم؟. تعرف الحكومة  أن السبرتو مادة قاتلة وتعلم أنهم يتعاطونها فلا وجدت حلا لهم يحميهم ولا وجدت حلا للسبرتو!!. كأنها كانت تجهز أدوات موتهم وتنظر للمتعاطين لتشاهد ذلك الموت التراجيدي. لو أن الحكومة كانت تتمتع  بحس إنساني واجتماعي  لأنفقت عليهم كما تنقف على دعواتها الفارغة وعزوماتها للغاشي والماشي. ما كانوا يكلفون كثيراً، فالعمولات التي يحصل عليها الأكابر كانت كافية لإطعامهم سنوات حياتهم، ولكن الحكومة ينحصر همها في اللهث السياسي وميزانياتها التي تنفقها  عليه أضعاف ما تخصصها للرعاية الاجتماعية. انظر لأي وزارة سيادية وقارن ميزانياتها مع ميزانية وزارة الرعاية الاجتماعية ستدرك الفارق وستدرك لماذا حصد الموت أرواحهم بيسر!!.
أين المنظمات الحكومية والأهلية وتلك التي تخصصت في رعاية هؤلاء الضحايا؟ بعض هذه المنظمات تملك ميزانيات لا يستهان بها ولكن للأسف أولويات صرفها لاعلاقة لها بحاجة الذين خصصت لهم. فعربات السادة مديريها ومكاتبهم الأنيقة والصرف الفارغ الذي يأكل غالب الموازنة ولا يترك لهم ما يأكلون. ذهبت ذات يوم لمنظمة لرعاية الطفولة فهالني المبنى الأنيق وصف العربات التي ينتظر السادة الأباطرة بداخلها. لو أن ربع ميزانية هذه المنظمات خصصت لمهامها الأصيلة لما حصد الموت أرواحهم. الدور الذي يفترض أن تأوي وتعلِّم وتدرِّب لا تجد لها ميزاينات كافية كما أن القائمين عليها لا حيلة لهم وليست هنالك سياسية متبعة لطرائق الإيواء وعلاج الإشكالات الناجمة عن عدم استقرار الأطفال الذين تأويهم تلك الدور.
أين مجلس رعاية الطفولة.... وهل هو مسئول عن رعاية الطفولة بعد موتها أم أنه نفسه يعاني حالة الموت السريري تلك؟. لم أسمع له صوتا في خضم هذه المأساة.
هكذا سيتفرق دم الضحايا بين السبرتو والحكومة والمنظمات ووزارة الرعاية الاجتماعية وتلملم المأساة أطرافها ويسجل البلاغ ضد مجهول لنصحو في يوم آخر على وقع كارثة أخرى. الآن الضحايا هم مجرد رقم يتصاعد يوميا ولا أحد يسأل من هو المسئول.؟. لو أن ما جرى قد حدث في بلد آخر في هذا الكوكب لسقطت الحكومة أو على الأقل لأطيحت برؤوس كثيرة لأن هناك رأي عام قادر على المحاسبة وقوانيين ذات حس إنساني لا يريح ضميرها أن تزهق ستون روحا بريئة دون أن يهتز كرسي واحد ودون أن يصاب أحد المسئولين بحكة ضمير تدفعه لتقديم استقالته من أجل هؤلاء الذين ماتوا سمبلة!!.

 

آراء