يقيني الذي عبرت عنه كثيرا أن "الربيع العربي"، ليس صناعة أمريكية أو "قطرية"، أو "إخوانية"، والربيع لم يكن مجرد موجة شعبية لتغيير أنظمة، ولم يكن فقط في مصر وتونس وليبيا. لقد كان فعلا تراكميا في العديد من الدول أدى إلى موجات من "الإصلاح" أو "التغيير" أو "تثبيت الأنظمة"، كل حسب حالته. ويقيني الثاني أن الأنظمة الملكية العربية أفضل من الجمهورية والعسكرية والحزبية، وانظروا إلى تجارب المغرب والأردن في الربيع، يمكننا القول أن الربيع في المغرب كان ربيعا بحق. وفيه نماذج أكثر من رائعة. فالتيار القوي في الشارع لم يكن اخوانيا بل كان مزيجا، وفيه أحد الناشطين المشاهير، الذي قاد المظاهرات عبر مدوناته ثم قرر "التخلي عن الفكرة"، قائلا ... كنا نريد نضالا لتأسيس جمهورية ديموقراطية، ولكن لو استمر الأمر فانه سيفضي إلى "إمارة إسلامية"! وخرج التيار الليبرالي من الموجة، وبقى الإسلاميون ومعهم غضبات ومطالب شعبية، إستجاب الملك لبعضها أو فلنقل لمعظمها، ولم يحتج إلى قمع الإخوان، كانوا أصلا يمارسون السياسية بهدوء وتروي، وانتهت القصة بملكية دستورية بنسبة يتفاوت الناس في تقديرها من 70% إلى 60% ولكن على كل الأحوال، إنها نسبة تؤكد النجاح. الأردن مرت بسيناريو مشابه، مع فترات توتر أطول بسبب جوارها الإسرائيلي اللئيم، ولكن في النهاية عبرت المملكة الأردنية الربيع بإصلاحات، الأمر كان أقل بكثير في سلطنة عمان لأن المطالب لم تكن سياسية بل غلب عليها الطابع الإقتصادي وسط شريحة من الشباب وبالذات المطالبين بتوفير فرص العمل، وعبرت السلطنة الربيع بامتياز. في البحرين أدى الربيع إلى تثبيت الحكم اكثر، وذلك لمحاولات الإستغلال الخارجية الواضحة في وسط حساس جدا، وكان التيار الأقرب للإخوان هو الداعي لرفض فكرة التغيير.
حتى في الدول غير الملكية، تجربة تونس تختلف عن مصر وليبيا واليمن، وفي سوريا الإخوان في المعارضة ولا يزالون يحظون بدعم من الدول التي أعلنت الحرب على الإخوان. أنا استاء جدا لتصريحات الإسلاميين العدوانية، واستاء جدا للتصريحات العدوانية ضد الإسلاميين، وطالما هنالك نماذج تعايش لماذا لا يتم دراستها بدلا من القياس والتشبيه بالنماذج الفاشلة. أقلقتني للغاية تصريحات ملك الأردن الذي لا يصرح كثيرا، واشعر أن المذكور من الأسباب في تصريحاته مجرد قمة جبل جليد لأزمة نائمة بدأت تستيقظ: (وقال في مقابلة مع شبكة "بي بي إس" الأميركية إن الربيع العربي "قام به شباب وشابات تواقون للتغيير، وقد تم اختطافه لاحقا من قبل جماعة الإخوان المسلمين، وهي جماعة سياسية منظمة". وتأتي تصريحات الملك عبد الله في حين تشهد العلاقة بين النظام الأردني والإخوان فتورا متصاعدا منذ أبريل الماضي على خلفية قضايا جلها يتعلق بتطورات المنطقة، ومن ذلك انتقاد الجماعة موقف الأردن الرسمي إزاء الحرب الأخيرة على قطاع غزة والتي أثارت موجة غضب حكومية ظهرت على شكل تسريبات في الإعلام الرسمي وغير الرسمي تلمح بحظر التنظيم) لا أعتقد أن الأسباب المذكورة ترقى لدرجة التوتر، ولا أعتقد أن العلاقة متوترة لهذا الحد، ولكن هنالك أطراف، نعم هنالك أطراف، تحرض على التوتر وتسوق الأردن لسيناريو مجهول، على الملك والإخوان الإنتباه بأسرع فرصة. هنالك أطراف قررت جر المنطقة في "مستنقع داعش"، ونجحت في ذلك، وتخطط تمديد السيناريو للأردن، حتى تهنأ إسرائيل بجوار عربي مضطرب. .................. makkimag@gmail.com ////////