(ورقتى فى منتدى الدين والدولة فى نيروبى-كينيا مع توضيحات بسيطة اقتضاها النشر موضحة بالبنط العريض فى ثنايا النص.)
إستهلال: تشير العديد من الدراسات الحديثة إلى أن قارة إفريقيا هى مهد الإنسان الأول , ويشير علم الجينات أيضاً إلى أن المورثات الإفريقية تأكد أنها مشتركة بين كل الأعراق الإنسانية كما تبين الشفرة الوراثية ذلك كل صباح تشرق فيه الشمس.وفى خاتمة عقد الثمانينيات جاء غلاف مجلة "نيوز ويك" الأمريكية يحمل رسما لآدم وحواء يكلل وجوهم سواد الإنسان الإفريقى. وتقوم مجلة ( ناشونال جيوقرافيك ) المعروفة ببرنامج لتأكيد أن إفريقيا هى موطن الإنسان الأول وهومشروع يمتد لسبع سنوات كلف بالقيام به الصحافى الأمريكى (بول سالوبيك) وهو صحافى شغوف بالتأريخ يعمل لدى يومية (شيكاقو تربيون) ويتعاون مع مجلة ناشونال جيوقرافيك. بدأ المشروع السيد سالوبيك قبل نحو أكثرمن عام بقليل منطلقاً من منطقة عفر فى إثيوبيا حيث عثر العالم دونالد جوهانسون على بقايا بشرية أطلقوا عليها اسم (لوسى), يعتقد انها الأقدم فى العالم وأنها تعود لنحو أربعة ملايين سنة. ( هناك اكتشافات أحدث تتعلق بمسارات تطور أخرى لسلالة لوسى) .ويتحرك السيد سالوبك سيرا على الأقدام وعلى الدواب مرورا بساحل البحر الأحمر إلى منطقة السويس التى كانت تربط آسيا بإفريقيا قبل حفر قناة السويس يحاكى خروج الإنسان الأول من قارة إفريقيا فى العالم الفسيح. فشلنا للأسف فى تامين التأشيرة اللازمة للرجل فاتخذ سواحل المملكة العربية السعودية بديلاً لسواحلنا بفعل الضرورة فى صحبة جمّال سودانى أثنى عليه الثناء الحسن. قال إنه كان خير تعويض له عن سواحل السودان على بحر القُلزم. إن كان ذلك كذلك يكون الدين قد ولد هنا بميلاد الإنسان الأول وبخلق آدم عليه السلام, قبل أن تتفرق بذريته السبل فى بقاع العالم الأخرى., ولا تنسوا أنه كان نبياً. وتدل الحفريات التى تكتشف جديدا كل يوم فى الفضاء الممتد بين الخرطوم والحدود المصرية على رسوخ الدين فى الحياة السودانية منذ عصور الوثنية متمثلة فى الأهرامات التى تربو على المائتين وما هى إلا مقابر يتهيأ فيه المقبور لحياة بعد الموت ودونك الرسومات فى معبد آمون فى جبل البركل ومدافن الملوك فى الكرو فى محلية مروى شمال السودان. فى العصر المسيحى تحدث ويليام آدمز فى كتابه "Nubia, Corridor to Africa” عن عدم صحة أن المسيحية كانت هى ديانة الحكام فقط والطبقات العليا من المجتمع , وهو ما كان يدرس لنا فى المدارس المتوسطة ,مستدلاً بإكتشافات لكنائس فى جزر صغيرة فى عرض النيل وببقايا حضارية لا زالت مرعية فى طقوس سكان شمال السودان مثل حمل المولود الجديد إلى النيل ورشه بالماء على إعتبار أن ذلك ما تبقى من طقوس التعميد المسيحية إلى غير ذلك من طقوس أخرى. ثم جاء الإسلام منذ القرن السابع أو ربما منذ زمن النبى (ص) حيث ألزمت إتفاقية البقط ملوك النوبة بالعناية بمسجد المسلمين فى دنقلا العجوز وتعهده بالنظافة والإضاءة مما يدل على وجود مسلمين قبل إتفاقية عبد الله بن سعد بن ابى السرح الذى ولى ولاية صعيد مصر على أيام عثمان بن عفان ثم آلت إليه ولاية مصر بأكملها بعد عزل عمرو بن العاص.
تطور عملية تغلغل الإسلام فى الحياة السودانية: تشير معظم المراجع الـتأريخية إلى أن بداية التدفقات العربية الكبيرة على السودان وقعت بعد تولى أحمد بن طولون ولاية مصركأول وال غير عربى على مصر فى زمن الخليفة العباسى المعتصم . وقد استبدل بن طولون القوات العربية التى ظلت فى رباط فى مصر منذ أيام الخليفة الثانى عمر بن الخطاب بقوات تركية وقطع أعطيات أولئك العرب فاستأذنوه فى التوجه إلى السودان والشمال الإفريقى. ثم كثرت تلك التدفقات خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر حتى أدت إلى تغيير التركيبة الديمقرافية فى السودان مما أدى إلى سقوط آخر الممالك المسيحية (مملكة علوة) وعاصمتها سوبا قرب الخرطوم.وقامت السلطنة الزرقاء بتحالف بين قبيلة العبد الللاب التى أسست ملكاً يمتد من أربجى حتى الشلال الثالث بينما أقام الفونج ملكاً في المنطقة الواقعة جنوب الخرطوم حتى فازوقلى على النيل الأزرق وشرقا حتى البحر الأحمر ضمت فيما بعد أجزاء أخري فى غرب وجنوب غرب السودان. لعبت هذه الدولة الفتية التى كانت عاصمتها فى سنار دورا كبيرا فى توطين الإسلام والثقافة الإسلامية فى السودان حيث شجعت العلماء والمتصوفة من الحجاز والمغرب واليمن على القدوم إلى السودان وتعليم الناس وأقطعتهم الأراضى وعفتهم من الضرائب فجاءوا من كل بقاع العالم الإسلامي فى وقت ضعفت فيه الصوفية خارج السودان واختلطت بالأساطير والخرافات فى رأى قبريال ووربيرغ. تذكرون جميعاً ما قاله جى اسبنسر ترمينقهام واصفا سودنة او أفرقة الإسلام القادم إلى السودان من موطنه الأصلى: وفحوى قوله : أنهم قبلوا الإسلام بجماع قلوبهم لكن وفقاً لطريقتهم الفريدة فى التمثل حيث أخضعوه لعقليتهم وطريقتهم الخاصة مجافاة لقوالبه الثيولوجية الجامدة : فتغنوا فيه ورقصوا وبكوا (أو تباكوا إن شئت) وأقحموا فيه عاداتهم وأعرافهم وأذابوا فيه بدرجة كبيرة عقائدهم الوثنية( أى التى سبقت مجيئه) لكن تمسكوا بحيويته وبالوحدة الكامنة فيه تحت وحدانية الرب. The Sudanese received Islam whole-heartedly, but, through their unique capacity of assimilation, molded to their own particular mentality; escaping the formulae of theologians, they sang in it, danced in it, wept in it, brought their own customs, their own festivals into it, paganized it a great deal but always kept the vivid reality of its inherent unity under the rule of one God. (Islam in the Sudan p.X). هذه الخاصية فى التمثل والإستيعاب ليست قاصرة على السودان فقد كانت موضوع كتاب كامل كظاهرة إفريقية جاءت فى كتاب Islam in Africa and African Islam المحرر من قبل Eva Evers Rosander and David Westerland تفصيل فى الظاهرةعلى إعتبارها ظاهرة إفريقية أدت لصراع بين المتصوفة والإسلاميين. كذلك فعل جون فول وجون اسبيستو فى دراسة عميقة بعنوان (ِAsian Islam in the 21st Century, Oxford University Press 2008 ) وثقت لعملية تمثل مشابهة وفقت فيها العبقريات الاسيوية بين مقاصد الدين والعرف السائدهناك.
فترة الأولياء: وهى الفترة التى سبقت قيام الطرق الصوفية ويطلق عليها الغربيون فترة ال Phase of Holy Men لأنها تميزت بدخول مشائخ الطريقتين القادرية أو الجيلانية والشاذلية الذين جذبوا إليهما الناس دون أن يقيموا طرقا مركزية إلا لاحقاً.
فترة قيام الطرق الصوفية المركزية: حدث ذلك فى منتصف القرن الثامن عشر ثم التاسع عشر تصدرت ذلك طريقتان هما الختمية والسمانية.ويرى الدكتور على صالح كرار أن دخول وسائل الإتصال الحديثة كالتلغراف والسفن البخارية فى القرن التاسع عشر قد ساعد على قيام طرق (صوفية) مركزية. ويضيف الدكتور محمد أبوسبيب سببا آخر لقيام طرق مركزية قوية هو أن القرن الذى بدأ عام 1650 قد شهد ضعف سلطات السلاطين والنظام السياسى فى سلطنة الفونج مع إزدياد نفوذ التجار والعلماء.
السياسة الإستعمارية إزاء الدين فى السودان: أقام الحكم التركى المصري 1821-1885 تراتبية لمؤسسة دينية فى السودان لأول مرة فأسس المحاكم وأقام القضاء والتعليم على النهج القائم فى مصر والشرق العربى فى مسعى لمحاربة الصوفية على إعتبار أنها تجعل الولاء لشيوخ الطرق الأمر الذى يتناقض مع مسعى الحكم التركى فى السيطرة على الأوضاع فى السودان. لكن يرى البروفسور جون فول فى أطروحته للدكتوراة أن الحكم التركى قد شجع الطريقة الختمية بإعفائها من الضرائب والسماح لها بالتمدد لأن الطريقة كانت معروفة فى صعيد مصر حيث زارها واقام فيها السيد أحمد بن إدريس الفاسى شيخ السيد محمد عثمان الميرغنى حيث أسسا للطريقة فى قرية (زينية) قرب الأقصر قبل أن يتوجه السيد محمد عثمان إلى بارا فى السودان عام 1817 . بينما ضيقت على الطرق الأخرى مثل الميدوبية الشاذلية . ويرى أبوسليم أن ذلك كان سببا لإنضمام عثمان دقنة وعشيرته للمهدية بل ويذهب نعوم شقير مبالغاً بأن ذلك كان السبب لإنفجار الثورة المهدية. ويرى قابريل ووربيرغ أن الختمية كانت الطريقة الوحيدة المنظمة التى تعاونت مع الحكم التركى المصري. وقع ما خشيته التركية السابقة كما يطلق السودانيون على الحكم التركى المصرى , حكم محمد على باشا وذراريه, فاندلعت ثورة المهدى فى 1981 وتمكنت من تحرير السودان وإقامة حكم فيه يستند على الدين استمر اثنتى عشرة عاماً. أعاد الإستعمار الإنقليزى المصرى الحكم الأجنبي مجددا فى أغسطس عام 1898 وعادت معه السياسة المناوئة للتصوف والتى عمدت إلى تقوية التراتبية الدينية المؤسسية وفق قواعد الإسلام السنى فأسست معهد أمدرمان العلمى ومجلس العلماء يقيادة الشيخ محمد البدوى وبنت عددا من المساجد وجعلت الجمعة عطلة رسمية وسمحت بالحج إلى الأراضى المقدسة فى الحجاز بعد أن كانت المهدية قدمنعت الحج. كل ذلك الجهد كان يرمى إلى جعل المؤسسة الدينية تحت قبضة الدولة وإضعاف دور الطرق الصوفية فى ذلك.وقدعمل الحاكم العام ونقت والمفتش العام رودلف سلاتين بهمة لتحقيق ذلك الهدف. استمر نهج التسامح مع الطريقة الختمية فى العهد الجديد كما استمر التضييق على المهدويين وبخاصة نجل المهدى السيد عبد الرحمن المهدى. لكن اندلاع الحرب العالمية الأولى ووقوف تركيا إلى جانب ألمانيا ضد بريطانيا أخاف البريطانيين من دعاية الخليفة العثمانى ضد بريطانيا ومطالبة المسلمين بالوقوف ضدها وتزامن ذلك مع إستقالة سلاتين الذى كانت بلده النمسا تحارب إلى جانب ألمانيا وبدأت الحكومة الإستعمارية فى الخرطوم التودد للسيد عبد الرحمن المهدى وجعلته والسيد على يصدران بيانا يؤيدان فيه بريطانيا والحلفاء فى تلك الحرب ثم انضم إليهما السيد يوسف الشريف الهندى والسيد على التوم زعيم قبيلة الكبابيش ثم أرسلتهم مع آخرين لتقديم التهنئة لملك بريطانيا جورج الخامس بعد إنتصار الحلفاء وظلت الإدارة البريطانية تدعم الطائفتين مع مراعاة ألا يزيد نفوذ إحداهما على الاخرى بما يهدد الإستقرار . ( راجع مقالة بيتر وودورد . أدت هذه السياسات إلى قيام الأحزاب السياسية الكبرى على أكتاف هذه الطوائف الدينية وبخاصة الحزبين الكبيرين : الأمة والإتحادى الديمقراطى. وحدت السيطرة الميكانيكية للحزبين على البرلمان وبالتالى على الحكومة بالعقائديين اليساريين والإسلاميين إلى المغامرة بالإستيلاء على السلطة. الحزبان الكبيران رغم استنادهما على طائفتين دينيتين إلا أنهما تركا مهام الحكم لعناصر متعلمة وعلمانية إلا ان تطور حركة المناداة بالدستور الإسلامى منذ العام 1957 التى إزدادت تأثيرا عقيب ثورة أكتوبر 1964 بنشاط جبهة الميثاق الإسلامى , الجناح السياسى لجماعة الاخوان المسلمين قد حملت الحزبين الكبيرين على تبنى برامج إسلامية ( راجع لام أكول Inside An African Revolution) فجاءت شعارات الحزب الإتحادى الديمقراطى للإنتخابات التى كان مزمع قيامها فى مستهل العام 1970 بالمناداة بالجمهورية الإسلامية ومناداة حزب الأمة بشعار إسلامى آخر ( الصحوة الإسلامية) وهو ما دفع اليسار لقلب الأوضاع فى مايو 1969 واستيلاء نميرى على السلطة. أدت شعارات الحركة الشعبية لتحرير السودان بعد العام 1983 إلى مخاوف قطاعات أوسع من السودانيين فى الشمال إلى التماهى مع الحركة الإسلامية التى غدت الحزب الثالث فى البرلمان بعد إنتخابات عام 1986.ثم جاء ضغط العسكر على حكومة السيد الصادق المهدى لإخراج الإسلاميين ممثلين فى حزب الجبهة الإسلامية من الحكومة إلى إنقلاب يونيو 1989. بعد إنفصال الجنوب تصبح حجة الإسلاميين فى تطبيق الشريعة الإسلامية أقوى من ذى قبل. لكن إخفاقات الحكومة فى حل مشكلة الفقر والبطالة والإتهامات بإستشراء الفساد والمحسوبية وتقديم الولاء على الكفاءة يجعل مهمة الحركة الإسلامية أعسر من ذى قبل لكنه قد يفتح الباب لتنامى حركات أخرى أكثر راديكالية تقحم الدين أكثر فى الحياة السياسية على إعتبار أنه خط الدفاع الأقوى فى الحفاظ على الهوية السودانية فى محيط يبدو عدائيا فى الجوار العربى والإفريقى. وعلى كل حال فإن مراكز البحوث فى العالم تتنبا ببقاء الإسلام حياً فى الحياة العامة فى الشرق الأوسط والعالم الإسلامى لدهور أخرى لتغلغه فى الحياة العامة بصورة لا نظير لها فى الديانات الأخرى( راجع نوح فيلدمان The Fall and the Rise of Islamic State حيث يشير إلى أن الشريعة لدى المسلمين ليست حزمة قوانين جنائية تنزل عقوبات جسدية على المخالفين أو أنها تفرض الحجاب على النساء بينما الشريعة هى النظام القانونى الأساس فى حياة المسلمين والذى تحكم نصوصه المقدسة الحكام وعامة الناس وأن قيم العدل والمساواة عند المسلم متوخاة من الوحى المنزل من السماء. لذلك لاتنقطع الدعوة للشريعة بفشل التطبيق وينسب الخطأ إلى الحكام المطبقين لا للشريعة لذلك يرى أن فكرة الدولة الإسلامية هى الإيدولوجية الوحيدة التى تنهض بعد السقوط . ويبدو لى أن المقصود هنا ايضاً أن الإسلام يمثل مظلة ومنظومة من القيم تكسب مجتمعات المسلمين هوية مميزة لا تنحصر فى الحدود بل تعتبر يمثابة الروح التى تبنى عليها العدالة الإجتماعية والمساواة المطلقة بين الناس ومنظومة القيم الأخرى ولعل هذا الفهم أعمق وأشمل من طروحات الحركات الإسلامية التى تركز على إعمال القوانين وحدها دالة على الشريعة . ويذهب نوح بهذه القناعة شوطاً ابعد بالطلب من الولايات المتحدة وأوروبا حث ومساعدة الإسلاميين وغيرهم على إقامة دولة القانون التى يسير دولابها القانون وحده وليس الجهاز التنفيذى فى الدولة وذلك بعقد المؤتمرات وتدريب القضاة والقانونيين إن كانت بغية الإسلاميين إقامة العدل والمساواة بين الناس حتى لوكان ذلك من منظور الشريعة الإسلامية! (إستعادة إستقلال القضاء لدى المسلمين وألا يعلو على سلطانه حتى الحكام كركيزة اساسية للإستقرار والتقدم ) . ويذهب Ernest Gellener إلى طرح قريب من هذا فى كتابه Postmodernism, Reason and religion يقول إن الدين تغلغل فى مجتمعات المسلمين فأصبح بمثابة وعنفوان الوطنية فى مجتمعات أخرى. بهذا التوصيف فقد اصبحت علاقة الدين بحياة الناس علاقة يتعذر الفصل بين أجزائها فى مجتمعنا ومجتمعات المسلمين كما الحال فى مكونات الجسم الحى. فالتجارب التى حاكت التجربة الغربية دون تعديل ومراعاة للواقع المختلف (أتاتورك وبورقيبة) لم تعش طويلاً. والخير الإتفاق على تنظيم تلك العلاقة وإخراجها من حلبة الصراع وصون الدين من مغبة الإستغلال السياسي والكسب الحزبى على النحو الذى طرحناه فى ذيل هذه الورقة. إن تنام الصراع المذهبى بين السنة والشيعة وإستفحاله مؤخراً بفعل مخاوف الطرفين المتبادلة من بعضهما البعض بالإضافة إلى تفشى شعبوية بقفازات دينية وعرقية فى الغرب تجعل شعارات التطرف الدينى صدى لها وذرائع تستند إليها. قد يصبح خيار حركة النهضة الذى يبدو انه خيار براقماتى لم تؤسس له الحركة إطاراً تاصيلاً من الدين , خيارا مرحلياً للحركات الإسلامية فى العالم توخياً للبقاء وإلتفافاً على حملات الشعبوية الأوروبية والأمريكية ,حتى تنهض الحركات بتأصيله دينياً بمعنى الإقرار بالديمقراطية وبالتداول السلمى على السلطة واحترام خيارات الشعوب دون وصاية وإعتبار ذلك من صلب الدين إستهداء بوثيقة المدينة وليس إستجابة لظرف زمانى بعينه. ذلك يحتاج لميثاق يحكم الحياة السياسية برمتها يقر بمحورية الإسلام كمستودع للقيم السودانية فى العدل والمساواة وموردا لمكارم الأخلاق كالمروءة وحب المساكين . ويخشى فى غياب مثل هذا الفهم لدور الدين واللجو إلى تطرف يقصيه من الحياة العامة ,أن يصبح المناخ مواتياً للتطرف الدينى المدمر الذى تشهده وتعيش ويلاته العديد من الأماكن فى المنطقة.إلى الحد الذى أذهب ريح الدولة نفسها.
تدابير مسبقة للتعامل مع دور الدين: ولتفادى الصدامات وجعل الدين معتركاً لها يلزم وصول الفرقاء جميعا عقائديين وعلمانيين إلى صيغة توافقية: • الإعتراف بدور الدين فى الحياة العامة كمظلة ومستودع للتقاليد والعادات والأخلاق فى الحياة السودانية. • الإبقاء على الدين حكما وحاكما للأحوال الشخصية : زواج, طلاق و مواريث ألخ..( ولقد ظل كذلك حتى تحت الإستعمار الأجنبى دون أن يكون مثار شكوى من أحد.ويستمر تحاكم غير المسلمين وفقاً لمعتقداتهم). • الإبقاء على تحريم الخمر والموبقات والمخدرات فى عالم أصبح فيه إفساد الشباب صناعة ووسيلة لإضعاف الدول. • العناية بالقران والمؤسسات الدينية والسماح للطرق والطوائف الدينية بالعمل والدعوة. هذا فى شأن الدين.
أما فى شأن السياسى:
• تطوير وإعادة العمل بوثيقة الحريات العامة المعتمدة فى إتفاقية السلام الشامل. • التأكيد على الحريات الكاملة لغير المسلمين من السودانيين والوافدين. • النص فى الدستور على السماح بحرية التنظيم للأحزاب العلمانية والدينية بالعمل بالحرية التامة والمشاركة فى الإنتخابات والوصول إلى السلطة عبر الصناديق وتطبيق برامجها السياسية احتراما لرغبة الشعب وخياراته. • إعتبار المواطنة فقط هى معيار الحقوق والواجبات وتحرير مؤسسات الدولة من أى تحيز جهوى أو عقدى أو إثنى وإلغاء الإشارة إلى ذلك فى إستمارات التوظيف.. • إعتماد نظام إتحادى حقيقى تنتخب فيه كافة الأجهزة السياسية التنفيذية والتشريعية على المستوى الإتحادى و الولائى والبلدى وحق المناطق فى تطوير ثقافاتها دون حجر. • إعتماد نظام ديمقراطى برلمانى تكون الرئاسة فى قمته مراسمية بالتداول بين الولايات. • إعادة النظر فى التقسيم الإدارى للبلاد للقضاء على المشاعر الجهوية والعرقية على المدى الطويل.