ماوراء الاستهداف!!
عادل الباز
24 December, 2011
24 December, 2011
24/12/2011م
البعض ساءه تجديد الثقة بالأستاذ علي محمود وزيرا للمالية. ولما سألت الغاضبين عن سر غضبتهم تلك لم أحصل إلا على همهمات لا تفيد شيئاً. هل فشل علي محمود في إدارة الاقتصاد؟... جاء علي محمود في وقت تضعضعت فيه إيرادات الدولة البترولية، ثم انسحب البترول كليا من الموازنة لتفقد 70% من مداخيلها. كانت الموازنة تحتاج ليس لوزير مالية بل لـ (حاوٍ) حتى يسيِّر أمور دولة أرهقها الصرف البذخي والأمني وتراجعت احتياطاتها النقدية. وسط هذه الظروف نجح علي محمود في عبور كثير من الأزمات وخلق استقراراً بالاقتصاد على الأقل في الاحتياجات الأساسية للبلاد، ثم أوقف الصرف البذخي ووجَّه موارد الدولة للإنتاج، وأصبحت الموازنة ترتبط بالمشاريع المنتجة والإستيراد للضروريات.
أكثر ما عجبت له أن يأتي الهجوم على الوزير من الذين أحسن إليهم، إذ شنت قيادات من ولاية جنوب دارفور هجوما على الوزير، مدعية أنه يماطل في تحويلات مستحقات الولاية، وأنه يمارس صراعا خفيا مع السيد كاشا، وأعلنوا أنه يتعمد إلحاق الضرر بأهله!!. حين سألت أحد الأصدقاء في مفوضية تخصيص ومراقبة الإيرادات عن صراع السيد كاشا مع الوزير الذي يمنع تحويل مستحقات ولاية جنوب دارفور، ضحك، وقال لي لا علم لي بمثل هذا الصراع، ولكنه أكد لي أن وزارة المالية لا تتحكم في التحويلات إنما تقوم فقط بتغذية حساب المفوضية وتجري هذه العملية بشكل دوري وتلقائي دون تدخل الوزير، وأكد أنه ليس لولاية جنوب دارفور أي مبالغ طرفنا!!. ما أذهلني ليس فقط أن لولاية جنوب دارفور استحقاقات بل إن مبالغ إضافية قد حُولت إليها تبلغ في جملتها (6,000,000) !!. السؤال الذي طاف بذهني: لماذا تتوتر هذه الولاية باستمرار، ولماذا افتعال المشاكل مع الوزير؟!.
ما بين أيدينا من مستندات يقول إن عدد التنفيذيين والدستوريين بهذه الولاية يبلغ 73 بينما يبلغ عدد أعضاء التشريعي 48 بمخصصات شهرية لكل عضو تبلغ الخمسة ملايين (بالقديم)، بينما أعضاء المجالس التشريعية بالولايات، وحتى أعضاء المجلس الوطني لا تتجاوز مخصصاتهم الأربعة ملايين جنيه (بالقديم) كحد أعلى!! ومخصصات رئيس وأعضاء اللجان بالمجلس التشريعي تبلغ 70 مليون جنيه (بالقديم)!!. قامت الولاية باستحداث بدل مأمورية للخرطوم تبلغ 7 ملايين جنيه (بالقديم).. هكذا بلغت جملة المخصصات الشهرية للدستوريين والتنفيذيين والتشريعيين 587 مليون جنيه (بالقديم)!!. من أين ستأتي الولاية بهذه الأموال الباهظة؟. هذا هو السبب الرئيس وراء توتر قيادات الولاية إذا شحت الموارد المحلية وأصبح الاعتماد كليا على مخصصات المركز، ولذا لابد من توتر دائم وشكوى مستمرة من تقصير المركز وبلا سبب، على الرغم من أن مفوضوية الإيرادات تدفع ما عليها من التزامات ولكنها لا تكفي هذا الصرف المتضخم!!.
هناك سبب آخر لهذا التوتر هو اقتراب موعد إنشاء أربع ولايات وإلغاء ولايتي جنوب وغرب دارفور؛ مما يعني إعفاء كل التشريعيين والدستوريين؛ الشيء الذي يفقدهم تلك الامتيازات ويجعلهم أكثر توترا وقلقا من المستقبل. هذه الحقائق توضح أن المصالح المهتزة وحدها هي وراء الحملة التي كانت تستهدف عدم إعادة الأستاذ علي محمود لمقعده كوزير للمالية، ليس لأنه فشل مركزيا أو لم يوف بمستحقات ولاية جنوب دارفور. الشاهد أن هذه الحملة لم تنجح وقررت قيادة الدولة تجديد ثقتها بالوزير ليس حبا فيه، ولكن ما أهّله لذلك هو عطاؤه خلال الفترة الوجيزة التي تسنم فيها قيادة الوزارة وسط عواصف وأوضاع خانقة لم تكن من صنع يديه. كان المتوقع أن تكون قيادات دارفور (أهله) هم من يدعمون بقاءه في الوزارة، لكن يبدو أن البعض لا ينظرون إلا من ثقب مصالحهم الضيقة حتى وإن كانوا ذوي قربى!!
عادل الباز