ما بين البطل والقراي ،، من يعلق الجرس على رقبة الجهاز الماكر؟!.
تعليق خاص على ما قيل
في عموده المقروء بعنوان " غرباً باتجاه الشرق" تناول كاتبنا مصطفى البطل، موضوعاً يتعلق " بصراع فكري " دار بينه والدكتور عمر القراي الكاتب المرموق والجمهوري المشهور، فيما المتعلق بالموقف من حريات الكتابة وحرية الصحافة على وجه الدقة والتحديد.
فند البطل بعض إشارات للقراي حول موقف صحافة الانقاذ المعادية لهذه الحريات، باعتبارها معبرة عن أفكار الأخوان المسلمين، وأنها لا تتيح النشر في غالب الأحايين إلا لمن يشايعها، أو يرمي بأهداف قلمه بعيداً عن مرماها. وبأن " الصحفيين الشرفاء لا تنشر لهم صحف حكومة الاخوان المسلمين، وإنما يمنعهم جهاز الأمن من الكتابة. ويمنع الصحف من النشر لهم". وقد أقر البطل في ذات السياق أن " سجل حكومة الاخوان المسلمين، في مجال الحريات الصحفية ليس مشرفاً بأي مقياس". مضيفاً بأن تلك الصحف التابعة " للانقاذ والأخوان" تنشر هي نفسها يومياً كتابات لجموع من الذين وصفهم القراي بأنهم شرفاء. ثم يمضي مسائلاً القراي كيف وفي أي الخانات يصنف أمثال هؤلاء الكتاب.
ومع احترامنا الأكيد لكل من القراي والبطل وكافة االكتاب والزملاء الصحفيين الأعزاء الذين أشار إليهم البطل في صدر مقاله، سواء كانوا ضمن قائمة المعارضين، أم في خندق الانقاذ ومشايعيهم، إلى أننا نود أن ندلف للموضوع من زاوية تختلف نحواً ما، علها تبرز لنا أصل الصراع الفكري والتباين بين طروحات القراي وطروحات البطل.
الحقيقة التي لا مراء من النظر إليها هي أن حقل الكتابة والصحافة يمر بمحنة " اليباب والبوار "، في ظل غياب حريات كاملة للصحافة ومصادرة للتعبير وحق للكلام من قبل نظام الانقاذ و " الأخوان المسلمين" وما عقد من أمر أوضاع هذه الصحف أن جهاز الأمن أصبح رقيباً على آداء حتى تلك الصحف المحسوبة على "حكومة الأخوان والانقاذ" معاً وأصبح سيفاً مسلطاً على آدائها، فارضاً عليها ما يسمى بالرقابة القبلية والبعدية، والويل كل الويل لمن يتجرأ ويعترض!، وهو ما دهور من أمر هذه الحريات وصعد من أشكال القمع التي تواجه بها كافة الصحف ، ضمن معاداته بالطبع لقطاع عريض من أولئك الكتاب والصحفيين وصحف أخرى يتم تصنيفهم ضمن القوى المعارضة لتوجهات "الانقاذ والأخوان" ، وتأكيداً لما نقول به نشير إلى صحف كل من الميدان ورأي الشعب والتيار وغيرها، وهي المتوقفة عن الصدور بتغول مباشر من جهاز الأمن لسنوات دون أي عقد قانوني أو مسوق موضوعي، بل هكذا كحكم قراقوش، ومن لا يعجبه العجب فليشرب من أقرب بلاعة تقابله!، ضف لذلك فرمانات المنع من الكتابة الصادرة ضد عدد من الكتاب والصحفيين، ضف لذلك التعدي السافر الذي طال بالأمس القريب مصادرة عدد من الصحف اليومية دون إبداء أي سبب وجيه، وماهو أفدح أن مجلساً كالصحافة والمطبوعات وفي ظل هذه " المسغبة " يتقدم بإشادة وشكر لجهاز الأمن والمخابرات التابع لحزب المؤتمر الوطني، كونه أصدر قراراً – لحسه الجهاز قبل أن يجف الحبر الذي كُتب به - والقاضي برفع المصادرة عن صحيفة رأي الشعب لسان حزب المؤتمر الشعبي!.
وعليه فإن قضية الحريات الصحفية هو مما أمن عليه البطل وأقر به في مقدمة مقاله، وهو ما نعتقد أنه لب الموضوع وبيت القصيد الذي يفيد، لو أن البطل ركز عليه وفصل فيه وترك جانباً تركيز هجومه على القراي. وربما أن حوجتنا بالفعل أصبحت ماسة - ربما منذ الخطاب الرئاسي الأخير - لضرورة ترك الحواشي والاستعصام بالمتون!، فما أحوجنا لحوارات تفضي إلى ما نادت به غالبية القوى الحية في المجتمع السوداني والتي لخصها قانوني ضليع كالأستاذ نبيل أديب حول أهمية "غل يد الأمن عن التدخل في ممارسة الناس لحرياتهم، تبدأ برفع كل أنواع الرقابة على الصحف، ومصادرة أعدادها بأوامر غير قضائية. وتشمل إحترام حق التظاهر السلمي، ويتطلب ذلك وقفاً فورياً لمحاكمات المتظاهرين في إنتفاضة سبتمبر، وإحترام حق عقد الإجتماعات العامة، وفتح أجهزة الإعلام الحكومية لكل الآراء كبديل عن الوضع الحالي، والذي يحتكر فيه الحزب الحاكم الإعلام. وبإختصار يجب رفع يد الأمن عن المنافسة الحزبية وأن يقتصر نشاطه على المحافظة على أمن الدولة وليس حماية مصالح الحكومة القائمة، ورفع يد الحزب الحاكم عن أجهزة الدولة المختلفة بحيث تقف على مسافة واحدة من كل الأحزاب"!، وما تزال " البلاد محكومة بقبضة أمنية تحصي الأنفاس، بينما مظاهر اختلال الأمن تلك التي تؤثر سلبا على حياة المواطنين تكاد لا تحصى ". وهنا بيت القصيد أيضاً!.
وعلى هذا الأساس نبني إذن وجهة نظرنا إنطلاقاً من حقائق لا يجب أن تحجبها بعض الافتراضات التي ساقها صديقنا البطل في مواجهة الأستاذ القراي.
إن حجة البطل التي يوضحها قائلاً " الحقيقة التي لا مرية فيها هي أن القراي لا يكتب في صحف الداخل حالياً ليس لأنه (شريف)، او لأنها مملوكة لدوائر (حكومة الاخوان المسلمين)، ولا لأن جهاز الامن والمخابرات منعه من الكتابة. بل لسبب آخر أهون من كل هذا بكثير. وهو أنه، وبكل بساطة، فشل في العثور على صحيفة تتعاقد معه لنشر مقالاته"!.
نرى أن البطل قد استعجل بإطلاق مثل هذا الحكم، هكذا مجازاً على القراي ومواقفه!. وبذا يمكننا إبراز بطلان مثل هذه الأحكام، بما ووجه به البطل نفسه من قبل نفس الدوائر التي ينفي أنها تسببت في ابتعاد القراي أو إحجامه عن نشر مقالاته، وأنها بيت القصيد!.
فقد ورد في مقال سطره البطل نفسه، لينشر في عموده الراتب بصحيفة الرأي العام ، متناولاً فيه بعض الموضوعات التي رأى أنها تشغل بال الرأي العام، ومن بينها موضوعة لقب السيدة الأولى الذي تردده القناة الرسمية في نشرات أخبارها، وفي وصف السيدة الفضلى الزوجة الثانية للسيد رئيس الجمهورية. حيث كثيراً ما يسمع عبارات استقبلت السيدة الأولى وودّعت السيدة الأولى وصرحت السيدة الأولى. مشيراً إلى أن السيد الرئيس متزوج من سيدتين. السيدة الفضلى الأولى فاطمة، ثم السيدة الفضلى الثانية وداد، طارحاً سؤالاً جال بخاطره مفاده كيف أصبحت الثانية فجأة أولى، فصارت (السيدة الاولى)؟ مقترحاً ان يُقال عن السيدة وداد (الأولي مشترك). كما هو الحال في مدارسنا عندما ينال أعلى الدرجات طالبين أو طالبتين في ذات الوقت، فتمنح احداهما صفة (الأولى)، ثم يطلق على الثانية (الأولى مشترك). حتى لا يتم خلط النتائج على هذا النحو الذي رأه البطل في تلفاز الحكومة وهو مما لا يجوز.
ثم وفي نهاية مقاله " الممتاز " يفاجئنا صديقنا البطل قائلاً " كان من المفترض أن تنشر هذه المادة ضمن زاويتي الراتبة (غربا باتجاه الشرق) بصحيفة (الرأي العام) عدد الثلاثاء 04 فبراير، ألا ان ادارة الصحيفة اعتذرت عن نشرها لا عتبارات قدّرتها ".
نقول أن بيت القصيد يكمن هنا ،، في منع مقال الأستاذ مصطفى عبد العزيز البطل ذات نفسه، من قبل تلك الدوائر التي حجبت أو عرقلت أو باعدت بين القراي والنشر في صحف "الانقاذ والأخوان" تماماً كما حجبت أو أبعدت كتابات لآخرين وتقرر منع كتاباتهم أو ظهورها، ومنهم كتاب ينتسبون "للانقاذ والأخوان" وكتاب يعادون "الانقاذ والأخوان"، وكتاب يعادون الأخوان وحدهم وكتاب يعادون الانقاذ وحدها وكتاب لا مع الانقاذ ولا مع الأخوان ولا مع المعارضة!، موضحين أنه إذا سار عزيزنا البطل على ذات منوال مقاله المحجوب عن النشر بذات إصرار أولئك الذين منحهم القراي صفة " الشرفاء" - ونحن نختلف معه في التوصيف – نقول إن سار البطل على منوال مقاله المحجوب على مدى مقالتين تلاتة، فإنه سيلحق وبلا أدنى شك بالقراي وبإؤلئك المغضوب عليهم ولا الضالين ،، آمين! ،، رغماً عن وجود صحيفة تنشر له مقالاته، ورغماً عن وجود خاله الذي تم تعيينه كنائب أول لرئيس الجمهورية!.
ويبقى ما قاله القراي بأن جهاز الأمن والمخابرات قد ساهم بشكل أو آخر في أن يكون لبعض الصحف "حساسية " من موضوعات لـ "شرفاء" قد تسبب بعض "عكننة"، وربما أن رؤساء تحرير بعض الصحف في غنى عنها!، فتبقى هذه حقيقة ومعلومة صحيحة لن ينكرها البطل إن نظر للموضوع برمته من هذه الزاوية!، وبذا من الممكن جداً أن يفشل د. القراي في " العثور على صحيفة تتعاقد معه لنشر مقالاته " ،، وهنا بيت القصيد!.
عليه فإن إدارة صحيفة الرأي العام إعتذرت لاعتبارات قدرتها هي وقدرها الأستاذ عادل الباز ، ليس لأن هذه سياسة الصحيفة التي نقر بأن رئاسة تحريرها، قد بسطت في أحايين كثيرة – وما تزال - صفحاتها لكثير من المصنفين كمعارضين، بل نجد أن الباز فعل ذلك مع د. القراي نفسه زمن رئاسته لصحيفته "الأحداث" معتذراً بلباقة ولسان حاله يردد " ما كلف الله نفساً إلا وسعها "!، علماً أن الأستاذ الباز من الذين لا يشتطون في الخصومة الفكرية!.
وهكذا يا عزيزنا البطل، ها قد تساوت الكتوف والأعمدة والمقالات. وعليه ،، فليس دوماً أنه في عالم الصحافة تكون الكلمة الاولى هي كلمة القارئ، أو كما قلت!، ونحيلك في هذا الصدد لعشرات من مقالات الصحف ومواقع الانترنت ومثلها من الأحاديث التي تُتلى على التلفاز، من التي لا تثمن ولا تغني عن جوع أو وله معرفي، رغم أن المقبلين على قراءتها أو الاستماع إليها أو مشاهدتها يُعدون بالآلاف، فهل أنتجت ثمة مثاقفة أو معرفة أو تلاقح علمي أو فكري يفيد؟! ،، ودونك برنامج الأستاذ حسين خوجلي الذي أشدت في ذات مقالك " بجماهيريته " بينما أعداد مهولة من نسبة مشاهديه، يعبرون عن تهكم وضجر من البرنامج المعني!، ودونك أيضاً حسين آخر في مكان آخر في مواقع النت! ،، وأنت من قبل ومن بعد سيد العارفين ،، وعليه،، فمن يعلق الجرس على رقبة " ذاك الرقيب " الماكر؟!.
حاشية:- وددنا لو أن مقالنا هذا ينشر في نفس الصحيفة التي نطالع فيها العمود الراتب لعزيزنا البطل، كما جرت أعراف الكتابة والصحافة، لو لا أن إدارة الصحيفة المعنية إعتذرت للبطل عن النشر لاعتبارات قدرتها هي. ونقدر بدورنا الاعتذار اللائق، وها نحن ننشره في صحيفة الميدان " المحجوبة عن الصدور " ،، وقاتل الله فرمانات المصادرة ومحاربة حريات الكلام والتعبير!.
______
عن صحيفة الميدان
elgizuli@hotmail.com