ما بين مرح وعيدها،، وتلك التي طارت عصافيرها

 


 

 



صباح هذا اليوم،، السابع والعشرين من فبراير، نهضت باكراً وارتديت أجمل ما أملك من ملابس، تعطرت وتهندمت، ثم خرجت صباحاً ، بعد أن عاينت وضع الشقة التي مكثت وقتاً في ترتيبها طيلة ليلة أمس، فقد كانت ليلة الأمس بمثابة يوم الوقفة بالنسبة لي! وقد أوصتنا أمنا العزيزة " نعمة" عليها الرحمة، العناية بالمكان جيداً في وقفة العيد!، خرجت من الشقة وأنا أستنشق بقايا "اللافندر" متداخلاً مع "الفانيليا" كمعطران لغرف شقتي المتواضعة، بعدما لم أجد ما هو متوفر من "بخور التيمان" ونحوه من أبخرة سودانية لطيفة، من يدري، فربما فات على " لبنى عزيزتي" وضع بعضاً منها في حقيبة سفري وهي ترتبها لي إلى "بلاد تموت من البرد حيتانها"!، في كل الأحوال خرجت، رغماً عن نثرات الجليد التي راحت تضيف منذ ليلة الأمس ألقاً على المكان حولي في هذه الصبيحة الرائعة،، خرجت إذن لأحتفي بطريقتي الخاصة بأول ساعات هذا اليوم تحديداً ، خرجت في هذه الصباحية التي قررت الاحتفال بها بالبساطة إياها! ،،وذلك بارتشاف قهوتي الصباحية وحيداً في أحد المحال المتواضعة قرب شقتي، خرجت تلاحق أنفي تلك المعطرات + عطر مهجتي وبهجتي الشخصية، فاستنشقها جميعاً دفعة واحدة، لتزيد من دفقات إنتعاشي الحميم!، خرجت صباح اليوم، فألفيت نفسي وكأن الناس، كل الناس في الشوارع يستقبلونني بالتهاني والهدايا والورود والأحاديث الطيبات، لخاطر مرح وعيد ميلاد مرح، تماماً كصديقنا بشرى الفاضل، عندما خرج من حبيبته منتشياً ذات يوم، في قصته القصيرة (حكاية البنت التي طارت عصافيرها ) قائلاً:- " أحبها وتحبني ويحب ناقتها بعيري. ألف مرة أجيئها غاضباً وأخرج من عندها هاشاً باشاً كأن لديها مصنعاً للفرح. خرجت في ذات يوم من لدنها مليئاً بها حتى غازلني الناس في الشوارع "،، وهكذا استقبلني الناس في الشوارع بالبهجة والحبور!، وعمقوا فيني الاحساس بالفرح والحبور صبيحة العيد السعيد،، عيدها،، عيد ميلاد "مرح" ،، بتي وبت أمها لبنى بت محاسن بت ملالة بت عبد الرحمن الجزولي دياب، مرح ،، فلذة كبدي التي فارقتها قبل أيام لأرتب لها ولأمها مرقداً بجانبي، بعد أن فاض الحنين وتدفق، فكان لابد من لجمه!، ولأن مرح تحب العصافير وتبتهج بها وتظل أعينها تلاحق رفرفتها وشقشقتها وتغريدها في الفضاء، فقد كان وجهها وكما تبدى لي وأنا أفارقها مودعاً لبلاد " تموت من البرد حيتانها " كوجه تلك التي طارت عصافيرها في حكاية بشرى " مستديراً،، وكان أنفها كالأخضر الطازج ولها عين؛ يالله! وعنق فرعوني ذوي وترين مشدودين أنيقين لا يبدوان إلا إذا التفتت، وإذا التفتت هربت جميع البائعات بفولهن المدمس وتساليهن المملوح. وهربت الشوارع من حفرها والروائح النتنة من أماكن بيع اللحوم، وهربت ذاكرتي إلى مستقبل أتمناه. إذا صببت ماءً في هامة البنت التي طارت عصافيرها، انحدر ناحية الجبهة. وكان جسمها إذ تمشي يتماوج، كأنه بريمة تنداح دوائرها في قطعة خشب تنوي ثقبه " ،، وعند عودتي للشقة بعد تلك القهوة الصباحية، دلفت وأنا أجلب لداخلها ابتسامات الناس في الشوارع وتهانيهم الحبيبة لي وبقايا نكهة فنجان القهوة الصباحية، وبعد برهة سمعت نقراً حميماً على شباكي ، وعندما فتحته دلفت عشرات العصافير وهي تغرد وهي تشقشق وهي تمرح بحبور وكأنها زارتني خصيصاً لتقديم التهاني بالعيد السعيد ،، بعدها طارت جميعها ، فقبعت أنظر لسربها من شباك غرفتي متوجه نحو بلاد مرح، فقال خاطري: هذه إذن حكاية أخرى ،، فالتكن حكاية البنت التي (عادت) عصافيرها!،، فيا مرحي ،، يا بنيتي وقرة عيني ،، ماذا أهديك في عيدك؟! ،، أو دعيني أتمثل كلمات الشاعر إيليا أبو ماضي في قصيدته البديعة "هدية العيد":-
((أيّ شيء في العيد أهدي إليك يا ملاكي،،
وكلّ شيء لديك؟
أسوار؟ أم دملجاً من نضار،،
"لا أحبّ القيود في معصميك"
أم وروداً ،،
والورد أجمله عندي ،، الذي قد نشقت من خدّيك
أم عقيقاً كمهجتي يتلظى،، والعقيق الثمين في شفتيك
ليس عندي شيء أعزّ من الروح ،،
وروحي مرهونة في يديك!.))
فكل سنة طيبة يا مرح ،، إنتي وكل بنات الأرض وأولادها ،، كل أطفال السودان ،، " أطفال السودان المجروحو الحدقات" هنا وهناك ،، سواء في أجواء دارفور البغيضة أو في أطراف النزوح عند نواحي جبال النوبة والنيل الأزرق أو في بقية ربوع وأطراف السودان! و،،" آه مني أنا القدح إبن الكرم،، يملأونني بالشجن مكان الدخن واللبن وأملأهم بالفرح مكان الحزن والبؤس" . كل سنة وكلكم بخير وعلى أتم بهجة وعافية ومرح ،، يا مرح ونديدات مرح وأندادها!.

hassan elgizuli [elgizuli@hotmail.com]

 

آراء