ما هو السيناريو المطلوب لإصلاح دور البعثة الأممية في دارفور؟

 


 

 

 

الجمعة، 30 يونيو 2017

البعثة المختلطة للاتحاد الإفريقي ومجلس الأمن لحفظ السلام في إقليم دارفور بالسودان (يوناميد) أكملت هذا الشهر عامها العاشر. وتتجه النية إلى أن تنتقل البعثة من مهمة (حفظ السلام) إلى مرحلة (بناء السلام) في سائر أنحاء إقليم دارفور، عدا منطقة جبل مرة، حيث تقوم البعثة بواجبات حفظ السلام فيها بسبب الوضع الأمني هناك،

واستناداً لمبدأ الانتقال من مهام حفظ السلام إلى مرحلة بناء السلام سيتم تقليص المكون العسكري والشرطي بنسبة كبيرة تتراوح بين أربعة وأربعين في المائة وثلاثين في المائة.

إذا أقدمت الأمم المتحدة على هذه التغييرات سيكون ذلك استمراراً للنهج المرتبك والمضطرب الذي تعاملت وفقه مع أزمة دارفور، منذ أن أجازت قرار تكوين هذه البعثة عام 2007م.

ففي ذلك التاريخ بنت مجال تفويض البعثة بحسبانها بعثة (حفظ السلام) على أساس أن اتفاقية أبوجا لسلام دارفور حسمت قضية الحرب، ووضعت أسس السلام، وكانت تلك قراءة خاطئة للوضع في الإقليم،

فاتفاقية أبوجا لم تحسم قضية الحرب، ولم تكسب معركة السلام، بل قوبلت بالرفض من قوتين من القوى الثلاث الحاملة للسلاح في إقليم دارفور آنذاك، ولم يوقع عليها إلا جناح واحد منها هو جناح (مني اركو مناوي)، وقد تمرد عليها وانسحب منها لاحقاً.

وقد ترتب على هذا التوصيف الخاطئ الذي وسم اتفاق أبوجا بالنجاح أن اعتبر مجلس الأمن البعثة المختلطة (بعثة حفظ سلام)، باعتبار أن السلام قد تحقق، وكل المطلوب من البعثة أن تدعم ذلك السلام بحمايته والحفاظ عليه، ولكن الواقع كان يكذب ذلك الافتراض،

فالسلام لم يتحقق على أرض الواقع ولم تجد البعثة الأممية سلاماً كي (تحفظه)!!

وهذا ما أضعف وضع البعثة منذ البداية، وأسهم في الفشل الذي لاحقها حتى بالنسبة للمهام البسيطة التي وردت في مجال تفويضها مثل حماية المدنيين أو حماية أعضائها وحماية ممتلكات الأمم المتحدة، فسجلت في هذا المضمار فشلاً ذريعاً، رغم أن هذه المسؤوليات تصدرت ديباجة القرار 1769 الذي أنشأ البعثة،

إذ جاء في المادة (15) من ذلك القرار ما يلي:
(أ) يأذن مجلس الأمن لبعثة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي في دارفور بأن تتخذ جميع الإجراءات اللازمة في مناطق انتشار قواتها من أجل:

(1) حماية أفرادها ومنشآتها وقواتها وكفالة الأمن وحرية التنقل لأفرادها والعاملين في المجال الإنساني التابعين لها.

(2) دعم تنفيذ سلام دارفور على نحو فعال، ومنع تعطيل تنفيذه، ومنع شن الهجمات المسلحة وحماية المدنيين دون مساس بمسؤولية حكومة السودان.

والواقع أنها لم تحقق شيئاً من هذا في الماضي ولن تحققه الآن، والأسوأ من ذلك أنه إذا أقرت الأمم المتحدة انحسار النشاط العسكري باعتباره تحقيقاً للسلام، فهي ستصبح مرشحة لأن تعيد نفس السيناريو الفاشل،

فالسلام ليس هو مجرد انحسار أو حتى توقف الأعمال العدائية، إنما هو استقرار يتحقق عبر معالجة الأسباب الجذرية التي أدت لاندلاع النزاع المسلح في المكان الأول، وهو ما لم يحدث حتى الآن،

وأمام الأمم المتحدة فرصة الآن لأن تعيد تصميم بعثة السلام في دارفور، حيث تعهد إليها بمهمة صنع السلام، وذلك بالتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار، وتبدأ مسار حفظ السلام بالاتفاق على الترتيبات الأمنية وبصفة خاصة تشكيل لجنة مراقبة وقف إطلاق النار ورصد الانتهاكات ومحاسبة الطرف الذي ينتهك الاتفاق،

فتلك هي الخطوة الأولى في حفظ السلام، ويمكن عندها البدء في عملية بناء السلام، وذلك بإدارة حوار بين أطراف الصراع لمعالجة الأسباب الجذرية للصراع على أمل الوصول إلى اتفاق سلام شامل،

وهذه هي المرحلة التي يمكن أن يسهم فيها الأمين العام للأمم المتحدة بممارسة مساعيه الحميدة للضغط على أطراف النزاع لإبداء المرونة المطلوبة في المرحلة الأخيرة.

إذا كانت الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي جادين في تحقيق سلام دارفور،

فإن هذا التغيير في تفويض البعثة المختلطة هو الأقرب إلى تحقيق السلام،

وهو يقتضي بالضرورة تحميل (اليوناميد) بعد إعادة تشكيلها.

 

 

آراء