ما يموت فينا ونحن أحياء
عمر العمر
18 May, 2023
18 May, 2023
حرق المكتبات ،تدمير مراكز الأبحاث ،نهب المتاحف ليست ظاهرة عشوائية همجية في أتون هذه الحرب القذرة.بل ممارسات ممنهجة في سياق النهج الإظلامي المستهدف تخريب الهوية الوطنية بتدمير ذاكرة الشعب الجمعية. فإذا صدقت مقولة الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي ( الثقافة أولًا والتنمية ثانيًا )فإن محو الشواهد الثقافية ظل يتزامن مع تدمير مؤسسات الإنماء في خضم كل الحروب الهمجية منذ هولاكو . فحرق مكتبة محمد عمر بشير يشكل أحدث افرازات هذه الحرب القذرة ضمن محطات ثقافية عدة بينها متحف الحياة الطبيعية .كلاهما لا يشكلان مصدر تهديد عسكري !كما هو حال مقر سجل الأراضي، فحرق السجل العقاري مؤشر خطير يفصح عن مخطط لتغيير ديموغرافي آتٍ.
*****
الفيلسوف البريطاني برتراند راسل رأى في الحركة الإنسانية الثقافية إحدى المحطات الأربع الأساسية في مسيرة التقدم الإنساني عقب القرون الوسطى.راسل فقد مقعده أستاذا في جامعة كامبريدج عقابًا على نشاطه العام في مناهضة الحرب ومناصرته السلام.قادة الرعاء في عمليات تدمير ذاكرتنا الثقافية لا يدركون تأثير بقاء هذه الذاكرة تنبض بالحياة والجاذبيةمثلما لم يسمعوا بغارودي أو راسل.هم في البدء نتاج سياسات استهداف تشويه (تبديل) هويتنا السودانية . تلك السياسات جذرها أكذوبة (المشروع الحضاري).هو أول مخطط سوداني مضاد لحركة التقدم والخير والجمال.
*****
بين دهاقنة ذلك المشروع من يدرك كم هي (الحياة تقلّد الفن)حسب حكمة الشاعر المسرحي الإيرلندي أوسكار وايلد. لذلك منحت حملاتهم المسعورة تبديد الثقافة أولوية . الانقاذ بدأت سياسة ممنهجة لتخريب رؤى الشعب تجاه الفن ،الأعمال الأثرية الخالدة بما في ذلك كنوز المتحف القومي.تلك السياسة المتوحشة لم تستثن ميدان الخليفة !هكذا بدأ احد شاغلي منصب وزير الثقافة اقتلاع نصب الجندي المجهول باعتباره رجس من الأوثان!تماما كما فعلت طالبان في أفغانستان .عقبها مباشرة ادرك التشكيلي المثّال عبد الرزاق عبد الغفار بحسه الفني بداية حملة التحرش بالجمال فخفّ الرجل إلى جامعة الخرطوم حيث تأبط هربًا إلى منزل أسرته في رفاعة تمثالين كان إبدعهما لرأسي كل من عالمنا الموسوعي التيجاني الماحي القاضي المرموق محمد صالح الشنقيطي، رئيس البرلمان السوداني الثاني .
*****
عائلتا الماحي والشنقيطي أهديا مكتبة جامعة الخرطوم فيضا غزيزًا من الكتب ، المخطوطات والمعارف .المكتبتان تعرضا إلى ما طال المكتبة الرئيسية في الجامعة الأم من الإهمال.عديد من المهتمين بالشأن الثقافي كتب مناديا بإغاثة الإرث الثقافي في مكتبة جامعة الخرطوم من التخاثر،التعديات والنهب طوال عهد الإنقاذ!البعض يحدثك عن اختفاء مراجع نادرة ، بعض يكلمك عن انتزاع صفحات من مراجع نفيسة .عندما أبلغت استاذنا المؤرخ السياسي فيصل عبد الرحمن علي طه مندهشا عن نبأ يطلب بموجبه امين عام مكتبة جامعة الخرطوم من السفارات مراجع وكتب ضحك ساخراً الدكتور فيصل وهو أستاذ سابق في كلية القانون ، ولم تغب وقتذاك شمس العهد الذهبي للجامعة.
*****
ما أثار سخرية د.فيصل استعادة مفارقة محورها لمّا كان هو عضو في مجلس لجنة مكتبة الجامعة رفض المجلس عروضا من سفارات بإهداء مراجع إلى المكتبة. مصدر الرفض الجماعي ادراك لجنة المكتبة ان الإهداء لن يخرج عن ترويج فاضح لسياسات دول تلك السفارات.قوام اللجنة آنذاك نخبة من الشخصيات الأكاديمية والوطنية.بينهم دفع الله الحاج يوسف ومحمد المكاوي مصطفى ؛ ممثلا القطاع الخاص.أسرة هذا الأخير تبرعت كذلك بمكتبته إلى الجامعة الأهلية .إن لم ينلها ما طال مكتبة محمد عمر بشير سيلحقها حتما في ظل ممارسات الحرق الممنهجة .الاستاذ فيصل نفسه كتب مقالاً قبل سنين عدة يحرّض فيه أصحاب الهم الثقافي على إنقاذ دار الوثائق المركزية من مصير التآكل بفعل الإهمال .كذلك كتب الدكتور أحمد الصافي من أجل إنقاذ كنز مخطوطات مكتبة أستاذه التيجاني الماحي من الأيادي الآثمة.
*****
اسماء من طراز التيجاني الماحي ،محمد عمر بشير ،الشنقيطي وجمال محمد احمد مستهدفٌ محوها من قبل أعداء الثقافة والهمج .عوضا عن تكريم مثل تلك الشخصيات ، على الأقل بإطلاق اسمائهم على طرق رئيسية في العاصمة .، اختار زبانية المشروع الحضاري لشوارعنا اسماء من رماد حروبهم على نسق عبيد ختم قتيل مجهول في حرب خاسرة .!فإذا أخذنا بمقولة الفيلسوف الألماني جون هيرورد(لكل مجتمع روح والمفكر الحقيقي هو من يحول الروح إلى وعي)فالتيحاني،،بشير وجمال ضمن كوكبة بثت الوعي في روح المجتمع السوداني. محنة الوطن ليست طارئة لكنا لم نأبه بما كان يحدث على نحو ما ينبغي.إذاً لما اكتفينا بالشجب و الإشمئزاز. فالمصيبة الكبرى ليست في الموت المجاني الجماعي بل في ما ظل يذبل فينا ونحن أحياء.
aloomar@gmail.com
*****
الفيلسوف البريطاني برتراند راسل رأى في الحركة الإنسانية الثقافية إحدى المحطات الأربع الأساسية في مسيرة التقدم الإنساني عقب القرون الوسطى.راسل فقد مقعده أستاذا في جامعة كامبريدج عقابًا على نشاطه العام في مناهضة الحرب ومناصرته السلام.قادة الرعاء في عمليات تدمير ذاكرتنا الثقافية لا يدركون تأثير بقاء هذه الذاكرة تنبض بالحياة والجاذبيةمثلما لم يسمعوا بغارودي أو راسل.هم في البدء نتاج سياسات استهداف تشويه (تبديل) هويتنا السودانية . تلك السياسات جذرها أكذوبة (المشروع الحضاري).هو أول مخطط سوداني مضاد لحركة التقدم والخير والجمال.
*****
بين دهاقنة ذلك المشروع من يدرك كم هي (الحياة تقلّد الفن)حسب حكمة الشاعر المسرحي الإيرلندي أوسكار وايلد. لذلك منحت حملاتهم المسعورة تبديد الثقافة أولوية . الانقاذ بدأت سياسة ممنهجة لتخريب رؤى الشعب تجاه الفن ،الأعمال الأثرية الخالدة بما في ذلك كنوز المتحف القومي.تلك السياسة المتوحشة لم تستثن ميدان الخليفة !هكذا بدأ احد شاغلي منصب وزير الثقافة اقتلاع نصب الجندي المجهول باعتباره رجس من الأوثان!تماما كما فعلت طالبان في أفغانستان .عقبها مباشرة ادرك التشكيلي المثّال عبد الرزاق عبد الغفار بحسه الفني بداية حملة التحرش بالجمال فخفّ الرجل إلى جامعة الخرطوم حيث تأبط هربًا إلى منزل أسرته في رفاعة تمثالين كان إبدعهما لرأسي كل من عالمنا الموسوعي التيجاني الماحي القاضي المرموق محمد صالح الشنقيطي، رئيس البرلمان السوداني الثاني .
*****
عائلتا الماحي والشنقيطي أهديا مكتبة جامعة الخرطوم فيضا غزيزًا من الكتب ، المخطوطات والمعارف .المكتبتان تعرضا إلى ما طال المكتبة الرئيسية في الجامعة الأم من الإهمال.عديد من المهتمين بالشأن الثقافي كتب مناديا بإغاثة الإرث الثقافي في مكتبة جامعة الخرطوم من التخاثر،التعديات والنهب طوال عهد الإنقاذ!البعض يحدثك عن اختفاء مراجع نادرة ، بعض يكلمك عن انتزاع صفحات من مراجع نفيسة .عندما أبلغت استاذنا المؤرخ السياسي فيصل عبد الرحمن علي طه مندهشا عن نبأ يطلب بموجبه امين عام مكتبة جامعة الخرطوم من السفارات مراجع وكتب ضحك ساخراً الدكتور فيصل وهو أستاذ سابق في كلية القانون ، ولم تغب وقتذاك شمس العهد الذهبي للجامعة.
*****
ما أثار سخرية د.فيصل استعادة مفارقة محورها لمّا كان هو عضو في مجلس لجنة مكتبة الجامعة رفض المجلس عروضا من سفارات بإهداء مراجع إلى المكتبة. مصدر الرفض الجماعي ادراك لجنة المكتبة ان الإهداء لن يخرج عن ترويج فاضح لسياسات دول تلك السفارات.قوام اللجنة آنذاك نخبة من الشخصيات الأكاديمية والوطنية.بينهم دفع الله الحاج يوسف ومحمد المكاوي مصطفى ؛ ممثلا القطاع الخاص.أسرة هذا الأخير تبرعت كذلك بمكتبته إلى الجامعة الأهلية .إن لم ينلها ما طال مكتبة محمد عمر بشير سيلحقها حتما في ظل ممارسات الحرق الممنهجة .الاستاذ فيصل نفسه كتب مقالاً قبل سنين عدة يحرّض فيه أصحاب الهم الثقافي على إنقاذ دار الوثائق المركزية من مصير التآكل بفعل الإهمال .كذلك كتب الدكتور أحمد الصافي من أجل إنقاذ كنز مخطوطات مكتبة أستاذه التيجاني الماحي من الأيادي الآثمة.
*****
اسماء من طراز التيجاني الماحي ،محمد عمر بشير ،الشنقيطي وجمال محمد احمد مستهدفٌ محوها من قبل أعداء الثقافة والهمج .عوضا عن تكريم مثل تلك الشخصيات ، على الأقل بإطلاق اسمائهم على طرق رئيسية في العاصمة .، اختار زبانية المشروع الحضاري لشوارعنا اسماء من رماد حروبهم على نسق عبيد ختم قتيل مجهول في حرب خاسرة .!فإذا أخذنا بمقولة الفيلسوف الألماني جون هيرورد(لكل مجتمع روح والمفكر الحقيقي هو من يحول الروح إلى وعي)فالتيحاني،،بشير وجمال ضمن كوكبة بثت الوعي في روح المجتمع السوداني. محنة الوطن ليست طارئة لكنا لم نأبه بما كان يحدث على نحو ما ينبغي.إذاً لما اكتفينا بالشجب و الإشمئزاز. فالمصيبة الكبرى ليست في الموت المجاني الجماعي بل في ما ظل يذبل فينا ونحن أحياء.
aloomar@gmail.com