متقاسم ومفقود بين موسكو والخرطوم

 


 

عمر العمر
27 June, 2023

 

الروس تنفسوا الصعداء لكن الأزمة لا تزال فوق الكرملين عالقة. بيرغوحين خرج سالماً لكنه أقرب الى الخسارة منه الى الأمان . بوتين كسب جولة لكنه لم يربح الحرب . وحده رئيس بيلاروسيا ،السكندر لوكا شينكو ، خرج ظافرا من معركة لم يخضها. روسيا باغتتنا مرتين . الأولى حينما بدت على موعد مع فوضى صدام مسلح شبيه بنسخة من سيناريو عالمثالثي مقيت ؛ اقتتال بين النظام وربيبه المكرّس لتنفيذ العمليات القذرة . المرة الأُخرى حينما خبا الحريق بُعيْد قليلٍ من اشتعاله فجأة كما بدأ بغتةً. لوكا شينكو هو بطل مشهد إنقاذ الروس من سيناريو ليس لأحد رسم وبال مداه الزماني أو المكاني .مع ذلك ينبغي عدم التقليل من دوري بوتين و بيرغوحين في وضع خاتمة سعيدة لسيناريو الرعب.
*****
قوام عظم السيناريو الروسي يشتمل على العديد من مقومات محنتنا السودانية الراهنة. ربيب مسلح يتمرد على مربيه وعرابه .فقط الاختلافات البارزة في الشخوص. بيرغوجين نسخة مطابقة التوصيف العام لحميدتي .كلاهما رأسا فصيل مسلح دأب على القيام بعمليات قذرة لصالح النظام . الجنجويد تتبنى كاتلوغ فاغنر و عتاده .رغم بعد الشقة في مقابلة بوتين والبرهان ،إلا ان القيصر ظل يتابع من قصر الرئاسة توقد طموحات قائد الميليشيا دون اتخاذ ما ينبغي لكبحها. بل ربما صدر من قبله كما البرهان ما يقذيها.العلاقة الوشيجة بين الرجلين ولّدت ثقة زائفة لدى الأول كما في الثاني.هي ثقة ناجمة عن سوء فهم عسكري أفضى إلى سوء تقدير سياسي.
*****
طموحات بيرغوجين غير المشروعة دفعته على غير روية لجهة الحافة .بعد قطع أرتاله مئات الكيلومترات أدرك الرجل حتمية فشل مغامرته العسكرية. فقائد فاغنر آفاق على حقيقة تهور اندفاعه إذ ليس في وسعه الانتصار على الجيش فيما لو توغل في الصدام العسكري مع النظام . موازين القوى عند منحنى نهري موسكفا و الفولغا بيّنة تماما ،ليست كما حالها بين النيلين الأبيض والأزرق. منسوب الاحتراف لدى فاغنر أعلى كثيرا مما عند الجنجويد .من المؤكد بقاء بيرغوحين عند الحافة لن يطول فسقوطه الى الهاوية مسألة وقت .لافرق فيما إ ذَا ظل الرجل داخل روسيا أو في بيلا روسيا. أينما كان فلن يكون بعيدا عن ذراع بوتين الطويل
*****
ربما هزت المغامرة صورة بوتين على الصعيد الخارجي اكثر مما هي داخل الإطار الداخلي إذ بدا وكأن قبضته ليست محكمة على زمام الوضع الروسي برمته. مع ذلك لم يفقد القيصر رباطة جأشه ليجاري بيرغوجين بمغامرة مضادة . لا أحد يمكن له المزايدة على قدرة الحيش الروسي قمع المغامرة ،وأدها بل سحقها تماما .لكن تطويق تداعيات مثل هذا الإجراء سيكلف روسيا غير قليل ويكلف بوتين كثيرا .لكن رجل الكرملين راهن على تسوية المسألة عبر وسائط ليست باهظة الكلفة. هو وحده ،ليس كصاحبنا ،يملك قرار رسم الخروج من المأزق.حوله مستشارون يهمهم تجميل صورته وإعادة ترميم ما أصابها من خدوش .مهمومون أكثر باستقرار البلد وسلامة الشعب والجند
*****
كيفية ظهور ومن ثم تفاصيل أداء لوكاشينكو داخل المشهد الأخير من الدراما لاتزال مبهمة .ربما تحرك الرحل الموسوم بأنه اخر دكتاتور في أوروبا بايعاز من رجل الكرملين بغية إطفاء اللهب فبل اشتعال البيت.ربما بادر رئيس بيلاروسيا بغية تقديم خدمات لرجلين تربطه بهما علاقات ودودة. فهو صديق قديم لقائد الميليشيا مثلما هو حليف حميم للرئيس الروسي.كيفما جاء تحرك لوكاشينكو فمما لا ريب فيه انه حقق استثماراً ذاتيا ا سياسيا رابحا سيجني ثماره داخل بلاده كما على نطاق روسيا.بغض النظر عن دوافعه فقد لعب دور الاطفائي الوفي الناجح
*****
لوكاشينكو في حاجة ماسة إلى مثل هذا الدور .بل هو يحتاج إلى كل ما يجمل صورته.هذا الرجل الجاسم على السلطة في منسك منذ العام ١٩٩٤ ادخلت سياساته شعبه في قبضة حديدية داخل عزلة مجيدة. فهو يتمتع بصورة حاكم مستبد مكمم لأفواه الاعلام قامع للرأي العام. رغم انه دأب على مد بقاءه في السلطة عبر وسائط الديمقراطية إلا أن دورات انتخابات الرئاسة الست افتقرت إلى الحد الأدنى من الشفافية والمصداقية. البرلمان الأوروبي تبنى قرارا اعتبر بموجبه لوكاشينكو شخصا غير مرغوب فيه على نطاق القارة! افتقد نظامنا الهجين حليفاً إقليميًا على شاكلة لوكا شينكو في وسعه إخراج الجيش والميليشيا من الحريق قبل الاشتعال . كما افتقد النظام وعي الاستجابة للمبادرات ومن ثم إنقاذ الشعب والبلد أو حتى ذاته من السقوط في المهالك.

 

 

آراء