محمد حمدان دقلو والهروب إلى الأمام ولوم الآخر

 


 

 

العُربان -دينهم وديدنهم الشكوى والقاء اللوم على الآخرين مع انهم السبب لكل ما حلّ بهم سابقا وحاضرا وسيحل بهم مستقبل.. يقول أحدهم!
ويستمر قائلا: "مرض الشكوى والقاء اللوم على الآخرين عوّدهم على النوم قريري العين يحلمون بما لذّ وطاب بعد كل مصيبة بدون إدراك اسبابها للخلاص منها".
في سودان اليوم، أصبح إلقاء اللًّوْم على الآخرين عند المسؤولين الحكوميين خاصة، شيئا عاديا ومفروغا منه وذلك لحماية الذات وتجنب الاعتراف بالخطأ.. فالأزمة الاقتصادية وغلاء الأسعار ونقص الوقود والمياه، وكذا الأزمة السياسية والأمنية وغيرها التي يمر بها السودان، سببها (الآخر)، اما هُم -أي من في السلطة، فلا علاقة لهم بها.
عزيزي القارئ..
محمد حمدان دقلو، زعيم ميليشيات الجنجويد الذي فرض نفسه على السودانيين بالبلطجة، له قدرة استثنائية على القاء اللوم على الآخر الذي لا (يسميه) دائما. وتعد عنده -أي عند دقلو، فكرة إيجاد كبش فداء نقطة محورية في نجاحه، فبواسطة كبش الفداء يحرر نفسه من الذنب، ويلقي اللوم على هدف بريء (إنسان، جماعة، دولة، وولخ).
دقلو ليس جديدا على السودانيين، فهم يعرفونه جيدا ويعرفون من الذي صنعه، ولماذا صُنع. هذا المليشي القبلي فجأةً ومن حيث لا يدري حتى هو، وجد نفسه أمام مهام جسيمة لا يستطيع إنجازها، ليصاب بعقدة النقص بشكل لا لبس فيه.. فالرجل قادم للتو من (خلا) ويفترض أنه لم يتعلم سوى استعمال الأسلحة وإطلاق نيرانها لإفراغ السكان الأصليين من حواكيرهم وأراضيهم في دارفور. وحسب ما تقول سيرته الذاتية، فانه لم يدخل أية مدرسة نظامية، ولم يعرف النظام والانتظام في حياته.
والرجل إذن وبهذه الإمكانيات التعليمية والقدرات النفسية الضعيفة، وجد نفسه بين ليلة وضحاها بلا منازع على قمة السلطة في دولة، يتسم شعبها بالجدال السياسي، وفيها ملايين المتعلمين، والمثقفين، والمبدعين، وولخ. وبدلا من ان يتواضع ويواجه المسؤولية التي وجد نفسه امامها، بالصدق وقول الحقيقة دون لف ودوران، لجأ الى ممارسة سياسة الهروب الى الامام كلما ظهرت أزمة ما، سياسية كانت أم اقتصادية لتبرئة نفسه عن أي مسؤولية. ليس هذا فحسب، بل أصيب الرجل بمرض جنون العظمة الذي يصيب الغالبية العظمى من حكام السودان.
بعد ان عاد دقلو من زيارته المشبوهة لتركيا الإخوانية الأسبوع الماضي، دخل مرحلة جديدة من مراحل العواء والصراخ والاسهال الكلامي، ليفتح النيران في كل الاتجاهات وعلى كل الجهات وهي كالعادة جهات لا يسميها، ليقول للصحف السودانية الاتي:
(كشف نائب رئيس مجلس السيادة الإنتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو عن تململ وسط الأجهزة الامنية والعسكرية من تأدية واجباتهم خوفاً من إستهدافهم، وقال حميدتي لدى مخاطبته تأبين القيادي في حركة جيش تحرير السودان مبارك نميري أمس إنه الشخص الوحيد في اللجنة الأمنية الذي إعترض على مخططات منسوبي النظام السابق، وأضاف ”كنت الشخص الوحيد الإعترضت على مخططاتهم كلهم كانوا مجتمعين على فض الإعتصام” وتابع” لو ما أنا لكان البشير حتى الآن حاكماً ، ونحن من قمنا يإعتقاله ووضعه في الإقامة الجبرية".
واتهم جهات بالعمل على شيطنته والتقليل من شأنه، ولفت أن تلك الجهات شككت في سودانيته، ورتبته العسكرية ، وتساءل حميدتي عن ذنبه حتى يتم شيطنته والتقليل من شأنه، وتابع” هؤلاء يرون المناصب القيادية حصرياً على جهات معينة وأشخاص بعينهم”، وزاد” عن بكرة أبيهم كانوا مجتمعين لفض الاعتصام ، انا البقيت سبب المنع، ودعمت الشعب والآن أصبحت عدو للشعب”. وتابع”إختصروا دوري في أن أكون مقاتلاً في الخلا أقابل ناس الحلو ومناوي جبريل، لكن نحن تاني ما بتنغشى".
وأشار أن التغيير في السودان حتى الآن لم يكتمل ووصف ما جرى بأنه إعتقال للرئيس المخلوع عمر البشير فقط وادخاله السجن. وأكد ان اتفاق السلام سيتم تنفيذه وأن الترتيبات الأمنية ايضاً سيتم تنفيذها غضون الايام المقبلة. ووصف الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والامنية بالمضطربة، وإتهم المثقفين بقيادة حملة للعنصرية وشيطنة البعض).
طبعا من السهل جدا عزيزي القارئ أن يلجأ دقلو إلى القاء اللوم، فهذا هو دينه وديدنه.. فلوم شخص أو جماعة ابسط وأقصر الطرق للهروب من المسؤولية.. لكن الى متى تكرار هذه النغمة التي عرفها الكل في السودان ويئس من سماعها.. الى متى؟
يقول دقلو انه الشخص الوحيد الذي اعترض على مخطط فض اعتصام القيادة العامة، لكنه فشل ان يوضح للناس من هم الذين خططوا لفض الاعتصام وما هو دليله على هذا الزعم؟
إذا كان للسيد دقلو دليلا على ما يردده ويلوك من كلام لأكثر من عامين، فليقدمه للشعب السوداني، وإلا "ليسكر" فمه ويخرس..
في عوائه وصراخه الهيستيري، يقول دقلو إن التغيير في السودان حتى الآن لم يكتمل ووصف ما جرى بأنه اعتقال للرئيس المخلوع عمر البشير فقط وادخاله السجن. ونحن إذ نتفق مع هذا الكلام، لكن، أليس دقلو ومن معه في الحكومة الانتقالية، هم من يمنعون عملية التغيير، لكي يحافظوا على امتيازاتهم السياسية والاقتصادية وولخ؟
إذا كان السيد دقلو فعلا معنيا بعملية التغيير بكل اشكاله، وان هناك من يعوق هذه العملية.. فلماذا إذن لا يتقدم الرجل باستقالته من مجلس السيادة ومن أي مهام مكلف بها، ويقدم خطابا مفصلا يشرح فيه للشعب السوداني أسباب وملابسات الاستقالة؟
على كل حال.. فالخطاب الذي قدمه الرجل امام جمع غفير من أبناء دارفور في الأسبوع الماضي. كان خطابا شعبويا تهريجيا، اعتمد على دغدغة المشاعر وإثارة العواطف التي لا صلة لها بخطاب العقل الراجح.. كان خطابا انتهازيا لتحقيق مصالح شخصية وإرواء غليل في نفسه، إذ انه لم يعتمد على حقائق بقدر ما اعتمد على فوضى في القول وتشتيت الكرة. انه خطاب أشبه ما يكون بحبل طوق به القطيع فهو يسمع ويطيع أو عقار فقدان الوعي والتنويم المغناطيسي.
الشيء المضحك في الأمر هو حديث الرجل المتكرر عن الثورة والتغيير، لكن ما لا يعرفه أو يعرفه وعامل فيها "شاطر"، هو ان الشعب السوداني أصلا ثار من أجل التخلص من أمثاله. فالتغيير قصد به ذهاب دقلو وجنجويده ومعهم اللجنة الأمنية التي ركبت موجة الوقوف والانحياز للثورة.
نعم.. ندري ان السودان دولة متخلفة سياسيا واجتماعيا وثقافيا وولخ، فالسلطة هي الهم الأكبر لكل من هب ودب، لكن حتى من هب ودب يجب على الأقل ان يكون لديه شيء من الإمكانيات التعليمية والقدرات النفسية التي تمكنه من ممارسة عمله. اما هذا الدقلو، فهو عديم الكفاءة والممارسة السياسية، فوجد أن العمل الديماغوجي الغوغائي هو السبيل الى السلطة.
دقلو الباحث عن السلطة بكل الطرق والوسائل، حاول في البداية شراء واغراء الإدارات الاهلية ورجال الدين، وزعماء، وشيوخ القبائل، وغيرهم. وعندما فشل كل هذه المحاولات البائسة، صار الرجل بمثابة أضحوكة على لسان الناس، ليلجأ بعد هذا الفشل الذريع الى قطر وتركيا الإخوانية.
إن نصيحتنا للسيد محمد حمدان دقلو، هي ان يمتنع عن جعل منطقه خداع الناس بوهم القوة متقمصا شخصية ابن الهامش المظلوم، لأن هذا المنطق مفضوح ومكشوف ومرفوض من اهل الهامش إلا من الانتهازيين والحمقى منعدمي الضمير ذوي القلوب الذابلة.
على محمد حمدان دقلو، العودة الى حيث اتى، ونسيان حكاية ان يصبح رئيسا للسودان بكل الطرق والوسائل، ذلك ان السودان ما بعد الثورة، لم ولن يسمح لمن يعاني من اضطرابات وعقد نفسية خطيرة، ويقتل خصمه بكل قسوة ودون أن يرف له جفن، ان يتولى السلطة.

bresh2@msn.com

 

آراء