مركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية: في الرد على أمجد فريد وحلفائه

 


 

 

تحت عنوان: "استخدام المناصرة للعمل الإنساني كسلاح أدى إلى مأساة في مخيم زمزم"، كتب السيِّد أمجد فريد مقالاً ينتقد فيه بياناً تضامنياً لمجموعة من منظمات المجتمع المدني السودانية، بتاريخ ١٦ نوفمبر٢٠٢٤، طالبت فيه القوات المشتركة التي تحارب بجانب الجيش السوداني، والتي أسست لها وجوداً عسكرياً داخل معسكر زمزم للنازحين، الذي يقع بالقرب من مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور، بأن تنهي هذا العمل غير المسؤول الذي حتماً سوف يعرِّض النازحين المدنيين الأبرياء للخطر الجسيم لأنه يعسكر منطقة مدنية. وقد حمّل كاتب المقال مسئولية قصف معسكر زمزم من قبل الدعم السريع في بداية شهر ديسمبر الجاري، للجهات الموقِّعة على البيان التحذيري آنف الذكر، واصفاً البيان بأنه استخدام مقصود للمناصرة وخيانة للعمل الإنساني. يقول السيِّد فريد ما يلي:

التعسّف وقلب الحقائق رأساً على عقب
في محاولته إلصاق التهمة بنا بكل سبيل مهما كان، يتبِّع السيِّد فريد أسلوباً كنّا نظنّه حكراً على جماعة الإنقاذ وحدها. فاسمعه يقول:

"إن الاستخدام المتعمد للمناصرة لتصوير ملاذ مدني على أنه هدف عسكري مشروع كان محاولة لتبرير هذا العمل الشنيع، وهو أيضًا خيانة فاضحة للمبادئ الأساسية للإنسانية التي يُفترض أن تحكم دور المجتمع المدني".



فهل سمع الناس باحتقار للعقول مثل هذا؟ وهل شهدوا إهانة للذكاء والبداهة والحس السليم بمثل هذا؟ كيف جاز للسيِّد فريد أن يقلب الحقائق رأساً على عقب؟ كيف يدين بياناً هو من أوجب واجبات المجتمع المدني الأخلاقية في حماية المدنيين من التعرّض للخطر عن طريق التنبيه والتحذير والكشف عن الحقائق وفضح المتورطين في الانتهاكات؟ وكيف جاز له أن يعتبره سبباً في الهجوم على المعسكر بهذه الطريقة المتعسفة البائسة اليائسة (المتلبطة) التي تدوس على المنطق السليم بصورة يبدو معها وكأنه يعتبر الناس أنعاماً لا يفقهون شيئاً ولا يعقلون؟ وماذا يريدنا السيِّد فريد أن نفعل؟ أن نرى القوات المشتركة تجعل من النازحين دروعاً بشرية ثم نصمت؟ ولماذا؟ ما هي الفوائد التي يحققها الصمت؟
يجيب السيِّد فريد بوضوح أكبر أن الدعم السريع استندت على البيان لتبرير الهجوم. أسمعه يقول:

"استندت المبررات التي قدمتها قوات الدعم السريع لهجومها على مخيم زمزم بشكل كبير إلى بيان مثير للجدل وقع عليه – أو نُسب زورًا إلى – عدة منظمات مجتمع مدني بارزة، ونُشر في 16 نوفمبر 2024".

وهذا يعني أمرين. أولهما أن قوات الدعم السريع لم تك تعلم بأن القوات المشتركة لها وجود بالمعسكر رغم استخباراتها التي تخترق الجيش نفسه من قمته لقاعدته، وثانيهما أنهم يجلسون ببلاهة في انتظار بيان منظماتنا لتوفر لهم المعلومة والمبررات لكيما يهاجمون المعسكر الذي يقع في إقليم يسيطرون على معظم ولاياته إن لم يكن كلها وهذا أمر مضحك حد الرثاء. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل قدمت قوات الدعم السريع مبررات للهجوم على معسكر زمزم قالت فيه أنها استندت على البيان؟ أين ومتى قالت قوات الدعم إنها استندت في هجومها على بياننا؟ نحن نطالب السيِّد فريد إما بإبراز الإثبات علنياً، أو الاعتذار العلني، وإلا فإنه سوف لن يعدو قدره.

ونحن بدورنا نتساءل متى احتاجت قوات الدعم السريع لمبررات في كل الانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها؟ فهي مثلها مثل الجيش الذي أنشأها، يقتلون المدنيين وينتهكون جميع القوانين الإنسانية دون أن يرمش لهم جفن. ونتساءل أيضا هل الذي أثار حنق السيِّد فريد حقا هو تحذير البيان من عسكرة المعسكر أم لأن هذه القوات تابعة للجيش الذي يسانده السيِّد فريد لدرجة التماهي ولا يذكر له ولا جريمة واحدة؟ لا يا سيِّدي إن الخيانة الحقيقية ليست في بيانات التضامن من حيث هي بل إن الخيانة الحقيقية هي التغاضي عن السبب الحقيقي وهو وجود قوات مشتركة داخل المعسكر أنشأت الارتكازات وأدخلت الأسلحة في انتهاك فاضح لجميع الاتفاقات والعهود والبروتوكولات التي تُعنى بحماية المدنيين في وقت الحرب، وشهدت عليها ثلاثة بيانات وردت من تنسيقية المعسكر، يضاف إليها ما أكده المبعوث الأمريكي توم بيرييلو من وجود هذه القوات في المعسكر وقد أدان هذا الفعل غير المسؤول، بقوله: "عسكرة (القوة المشتركة) لمخيم زمزم انتهاك للقانون الدولي الإنساني".

وأنت إن أردت الحق فهو عمل جبان وحقير من قبل القوات المشتركة. هذا هو السبب الحقيقي للهجوم. السبب الواضح وضوح الشمس في كبد السماء، ولكن السيِّد فريد لا يراه من غرضٍ ورمدٍ أعمى قلبه وأغمى على عينيه، لذلك ازوَرَّ منه وراغ كما يروغ الثعلب وذهب يتعلق بأسباب خيالية أوهى من خيط العنكبوت، ألا وهي أن بيان المنظمات هو السبب، ويا للعجب! من الواضح أن اتهام المنظمات الموقعّة على البيان يحقق له غايتين كبيرتين، الترويج لنفسه وتنصيبها وصياً على المجتمع المدني السوداني من ناحية، والحط من قدر الآخرين من الناحية الأخرى، خاصّة وأن هناك سلوك رائج بين متعلمي بلادنا يحرِّكه الظن بأن الصعود للقمة عبر إزاحة المنافسين أسرع من منافستهم منافسة شريفة. لذلك حذقوا فنون التآمر والدس و"الحفر" وتصفية الحسابات مع المنظمات التي يضطغنون عليها. وهذا هو عين ما مارسه السيِّد فريد عبر بيانه المهترئ هذا.

فإذا فهمنا دوافع السيِّد فريد ما بال المنظمات التي انسحبت؟ هل بسبب شكل البيان أم متنه؟ فبحسب ما طالعناه من بيانات هناك منظمتان على الأقل لم تقولا إن سبب انسحابها هو أن عسكرة المعسكر معلومة كاذبة، بل جاء التسبيب أنهما لم يطّلعا على المقال قبل نشره! هل يعقل أن يكون جازت عليها حيلة هذا الرجل الذي لم يمنعه مانع من استخدام التهديد والوعيد والابتزاز ضد من يُفترض أن يكونوا زملائه في المجتمع المدني السوداني؟ وإن كان من كلمة نقولها في هذا المقام فإن هذا البيان الهش الركيك الذي يفتقد للمنطق السليم، المليء بالتقعّر والكذب ومحاولات التذاكي والدعاية للذات، والحاط من قدر الآخرين، والمكرَّر حد الملل، ليس فيه ما يحمل الناس على تغيير رأيها والانسحاب. ونناشد زملاءنا الذين انسحبوا كردة فعل لهذا البيان أن يلقوا عليه نظرة أخرى وأن يراجعوا موقفهم فالرجوع للحق فضيلة وقيمة من قيم مجتمعنا المدني.

نكران الحقائق الساطعة
جاء مقال السيّد فريد محتشداً بالأخطاء والمغالطات والكذب الصريح. فهو يقول إنه ليست هناك قوات مشتركة في المعسكر. دعونا نذكره بكلماته. قال الآتي:

"ووصف البيان مشاهد مزعومة لدبابات ومركبات عسكرية وطائرات بدون طيار وأسلحة متوسطة إلى ثقيلة منتشرة داخل المخيم، لكنه لم يقدم أي أدلة داعمة. ونفى سكان المخيم هذه الادعاءات، قائلين إن مثل هذه الأحداث لم تحدث." (الخطوط تحت الكلمات من وضعنا).

دعونا نورد ملاحظة صغيرة على طبيعة هذا النّص على ضوء تحليل الخطاب. مقارنة ببقية فقرات البيان نجد أنها الفقرة الأضعف في مخاطبة القارئ. بمعنى أنها ترسل له رسالة خجولة مهزوزة غير واثقة من نفسها. وما ذلك إلا لأنها تحتوي على كذبة. والكذبة هي أنه نفى معلومة هو نفسه يعلم أنها صحيحة. لذلك دسَّ فقرته في المقال بهذه الطريقة الخفية، وكأنه يدخلها بالباب الخلفي، بأمل أن تضيع وسط الزحام وألا ينتبه القارئ لبنيتها الضعيفة خصوصاً مع ضجة الفقرات والنصوص الأخرى ذات النّبرة العالية والمكرّرة مرة بعد أخرى بغرض تثبيتها في وعي القارئ وفق نظرية النازي جوزيف غوبلز في تكرار الكذبة مهما كان حجمها ووضوحها ككذبة حتى ترسخ في وعي الناس فتصبح حقيقة. وها نحن نشهد نازيين جُدد يتبعون أصحابهم وحلفائهم الجدد من أصحاب الأيادي المتوضئة في تطبيق هذه النظرية أيضاً والحمد لله الذي لا يحمد على الكوارث سواه.

وبناء على ما سبق نطرح تساؤلات بسيطة. إن كان ادِّعاء السيد فريد صحيحاً، وإن البيان كان كاذباً في المعلومة نفسها التي انبنى عليها، فما هي الجريرة الأكبر التي تطعن حقاً في مصداقية المجتمع المدني؟ هل هي الكذب والترويج له وتضليل الشعب السوداني، أم بياننا المبني على هذه المعلومة الكاذبة؟ فقد كان من المتوقع أن يركز السيِّد فريد على اتهامنا يالكذب فهذا أبلغ في إدانتنا من تلك الأسباب الواهية التي حاول أن يديننا بها. لأن الكذب عند الإنسانية جمعاء يعتبر من الكبائر التي تحطم مصداقية الأفراد والمؤسسات. وهل كان يتصور أحد أنه يمكن أن يفوّت السيِّد فريد هذه الفرصة الذهبية باتهامنا بالكذب؟ إن أهل القانون يقولون ما بني على باطل فهو باطل أيضاً. وأهل البِنَاء يقولون إن الأساس أهم ما في البناء، فإن ضعف الأساس ضعف المبنى وتشقق وسقط. فهل فاتت هذه الفرصة على "ذكائه الوقّاد" أم أنه ببساطة يكذب وهو يعلم في قرارة نفسه أنه يكذب، لذلك توكل على الله ورماها آملاً ألا يخاف عقباها، ولكنها أتته راجعة فماذا هو فاعل بإزائها؟ هل يملك شجاعة الاعتراف بالخطأ ويعتذر عنه؟ أم تأخذه العزّة بالإثم فيكابر ويمضي قدما في طريق المغالطات والديماغوجية؟ سوف نرى.

المنّصة الأخلاقية العالية والتكبّر على المجتمع المدني
وبعد أن أشبعنا السيِّد فريد بالتقريع والتقزيم، اعتلى وبثقة كبيرة وغطرسة ظاهرة، منصته الأخلاقية العالية، ووضع فوقها كرسي الأستاذية وألقى علينا منها دروساً في قيم المجتمع المدني وأخلاقياته، منصباً نفسه وصياً على المجتمع المدني السوداني طالباً منا التوبة ومحاسبة أنفسنا قبل أن يحاسبنا هو. وليته اكتفى بذلك، بل شرع يصدر تهديدات بالمحاسبة القانونية إن لم ننسحب من البيان ونلحق بمن انسحب واضعاً أسماءنا نحن الذين لم ننسحب بالبنط العريض. فهل سوف يقدمنا لمحاكم البرهان يا ترى؟
فانظر مثل هذا الابتزاز الرخيص يصدر من شخص هو الأقل تأهيلاً أخلاقياً لإصدار أي أحكام على الآخرين. ومع ذلك لا يرى هذا العيب الأخلاقي الكبير في ذاته والذي يعافه كل صاحب قلب سليم وفطرة سويّة وفعل متسق. فهل نستغرب إن رأى حسنات الآخرين عيوباً تستحق العقاب؟

● ستتوفر النسخة الإنجليزية قريباً.

التاريخ: ١٨ ديسمبر ٢٠٢٤

مركز الخاتم عدلان للاستنارة
١٨ ديسمبر ٢٠٢٤

 

آراء