مرونة الفكر الليبرالي و جمود الفكر السوداني.. الأستاذ و إعوجاج القوس
طاهر عمر
16 May, 2024
16 May, 2024
طاهر عمر
الإقتصاديون و علماء الإجتماع و المؤرخون غير التقلديين و الفلاسفة يدركون أن الفكر الليبرالي يتعرض لهزات تكاد تقضي على مسيرته إلا أنه يخرج من كل تجربة صعبة أكثر قوة و أكثر حيوية في قدرته على معالجة ما يتجدد في وجه المجتمع البشري كظاهرة و هو الأقدر على ترجمة إيقاع معادلة الحرية و العدالة و هي تسوق مسيرة البشرية كمسيرة تراجيدية و مأساوية و لها القدرة على مجابهة المتجدد من المصاعب المتجددة التي تمسك بتلابيب بعضها البعض في صيرورة و في تلازم بلا قسور مع تاريخ الإنسانية في إنفتاحه على اللا نهاية بعكس الهيغلية و الماركسية في إعتقادهما في عقل يسوق نحو نهاية متوهمة للتاريخ و هيهات.
قوة الفكر الليبرالي تكمن في هشاشته مثل مقولة إستقامة القوس في إعوجاجه أو إعوجاج القوس هو إستقامته لما أريد له. و لهذا السبب يفوت على كثير من أتباع الشموليات من نازية و فاشية و شيوعية و حركات إسلامية كالحركة الإسلامية السودانية أن الفكر الليبرالي هش و يسهل القضاء عليه إلا أن التاريخ يقول أن الفكر الليبرالي هو تاج الإنسانية التاريخية و الإنسان التاريخي و في فضاءه تولد الشخصيات التاريخية و في أيديهم يمسكون بمفتاح تاريخ الذهنيات المنتصر على تاريخ الخوف و ما أطوله من سجل أي تاريخ الخوف وسط النخب السودانية و قد كسد فكرها؟
لهذا لم يزدهر في وسطهم غير فكر متصالح مع الخوف و علاجه عندهم أن تسلك طريق الخلاص الأخروي و لهذا كثر عندنا أتباع المرشد ككيزان و أتباع الامام كأنصار و أتباع الختم و حتى الشيوعي السوداني نجده متواطي مع الخطاب الديني التقليدي بإيمانه التقليدي و فكره المنغلق و رأينا كيف كان عبد الخالق محجوب يبحث لدور للدين في السياسة و تبعه محمد ابراهيم نقد في حوار حول الدولة المدنية و خرج بعلمانية محابية للأديان إلا الأستاذ محمود محمد طه و قد مزّق سجل تاريخ الخوف من رفوف المكتبة السودانية و سار منتصر بإبتسامة عابر عبر تاريخ الخوف السوداني و نحو تاريخ الذهنيات ليصل الى مقام بروموثيوس عندما سرق نار الآلهة حين إستفزّه هوان الإنسان و هل كان هناك هوان يفوق هوان الشعب السوداني عندما مر تاريخ كساده الفكري بشريعة نميرى و كيزانه أي قوانيين سبتمبر؟
المحزن للغاية أن عبد الله علي ابراهيم في هذه الأيام يكتب في سلسلة مقالات محاولا رد الإعتبار لمحاكم نميري للعدالة الناجزة و هذا عنوان مقالاته مواصل مسيرة تواطؤه مع خطاب الإسلام السياسي و نسى عبد الله علي ابراهيم بأن خطاب الإسلام السياسي في العالم العربي و الإسلامي قد تأهب للخروج من التاريخ بلا رجعة و قد رأينا كيف كان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قد قال بأن أفكار الحداثة و التنمية لا يمكن أن تكون في ظل خطاب الحركات الإسلامية و فكرها التقليدي و كذلك رأينا كيف أجبر مفكري تونس الغنوشي بأن يعترف بأنه صاحب عشرية فاشلة و قد وضعت نهايته و نهاية حركة النهضة التونسية فيا عبد الله علي ابراهيم تواطؤك مع الكيزان يجعلك كنافخ القربة المقدودة لن يرجّع الكيزان رغم حربهم العبثية ضد صنيعتهم الدعم السريع كأداة موت و لا حربهما العبثية تعني للشعب السوداني شئ.
و هنا نقول لك يا عبد الله علي ابراهيم أن حرب البرهان العبثية ضد صنيعته حميدتي تذكرنا بحروب نابليون و نابليون بالمناسبة قطع طريق الثورة الفرنسية الى حين و لكن حروبه ساعدت في إنتشار شعار الثورة الفرنسية مع إنتشار جيوشه في البلدان الأوروبية شفت مكر التاريخ يا عبد الله علي ابراهيم؟ و أقصد كما إنتشر شعار الثورة الفرنسية مع جيوش نابليون كقاطع طريق الثورة الفرنسية فأن حرب الكيزان البرهانية في السودان أكدت بأن لا حل للشعب السوداني غير الفكر الليبرالي و التحول الديمقراطي الذي يعني عقلنة الفكر و علمنة المجتمع و لا حل غير قيم الجمهورية و فصل الدين عن الدولة و رغم أنفك لرد الإعتبار لمحاكم نميري للعدالة الناجزة.
و عندما نقول التحول الديمقراطي و قيم الجمهورية أحسب كم من السنيين إحتاجت الثورة الفرنسية لتحقيق قيم الجمهورية و مواثيق حقوق الإنسان. و بعدها إنتهى الكاثوليك كيزان ذاك الزمن و إنتصر التحول الديمقراطي و أصبح الدين شأن فردي و أصبحت الديمقراطية و الفكر الليبرالي زهرة يانعة لفكر قدمه عمانويل كانط في فكر أنثروبولوجيا الليبرالية و عنده الفورة مليون و ليس همه كهمك بأن يكرمك الكيزان يا عبد الله علي ابراهيم كما ظهرت بوجه كالح يوم تكريمك من قبل خالد موسى دفع و السر السيد و غسان علي عثمان قبل سقوط الكيزان عندما كانت تحتهم خزائن الذهب.
بالمناسبة كان الكاثوليك كحالة عبد الله علي ابراهيم اليوم في وقوفه مع فكر الكيزان يظنون بأن الكاثوليكية و فكرها يمكن أن يحقق تحول ديمقراطي و لكن في مجتمع مثل المجتمع الفرنسي كان هناك توكفيل و قد قال لهم بأن لا حل غير عقلنة الفكر و علمنة المجتمع و أن الدين ينبغي تجريده من أي قوة سياسية و قوة إقتصادية و يجب فصل الدين عن الدولة و حينها يصبح الدين عندما يجرد من قوته السياسية و قوته الإقتصادية يصبح شأن فردي و يصير أفق الرجاء للأنسان كفرد في علاقته بربه بلا وسيط من تجار الدين.
و نحن نسأل عبد الله علي ابراهيم أين فكر الكاثوليك الذي إنتقده توكفيل؟ و قال لهم بأنهم عاجزون بفكرهم أن يحققوا ديمقراطية كما يزعم مفكري السودان الآن في تحقيق ديمقراطية بأحزاب دينية أي كحزب الامام و الختم و المرشد و هم لا يشبهون غير كاثوليك زمن توكفيل و قد تخطاهم الزمن و لم يبقى غير فكر توكفيل و الغريب عبد الله علي ابراهيم لا يحتاج لقامة توكفيل و فكره نقول له أن ولي عهد السعودية بمشروع 2030 و إبعاده لرجال الدين و إزعاجهم قد تخطاك فكريا دعك من توكفيل يا عبد الله علي ابراهيم و خليك مع رد الإعتبار لمحاكم نميري للعدالة الناجزة و قد محى الأستاذ محمود محمد طه بفيض ضياء إبتسامة عباقرة الرجال ظلام محاكم العدالة الناجزة.
عند توكفيل أن الليبرالية ليست نظام حكم فحسب بل فلسفة تسعى لتحقيق العيش المشترك و لا يكون بغير فصل الدين عن الدولة و لذلك قد أصبح الفكر الليبرالي بديلا للفكر الديني و لا يمكن تحقيق تحول ديمقراطي بأحزاب دينية كما هو حاصل في السودان و سيطول درب الآلام في السودان و لكن في النهاية سيصل لتحول ديمقراطي بفضل وعي أجيال آتية من جهة المستقبل البعيد تدرك فكرة عقلنة الفكر و علمنة المجتمع.
عبد الله علي ابراهيم في السودان من جيل يعاني من إلتباس في تحول المفاهيم فيما يتعلق بمفهوم الدولة و مسألة المسؤولية الإجتماعية نحو الفرد جيل قد ذهبوا للحزب قبل الذهاب للكتب و النتيجة مثقف منخدع بماركسية ماركس لا يفرّق بين حربه ضد الإستعمار و حربه ضد الحداثة و التنمية و لا يدرك بأن معدل مستويات الوعي في العالم العربي و الإسلامي بفضل تقدم تكنلوجيا الإتصالات و إرتفاع نسبة المتعلمين و إنخفاض الأمية في كثير من الدول العربية و الإسلامية توضح بأن هناك علاقة عكسية مع خطاب الإسلام السياسي أي بالمختصر المفيد لا مستقبل لخطاب الإسلام السياسي الكيزاني في المستقبل البعيد. و لكن كعادته يراهن عبد الله علي ابراهيم دوما على الحصان الخاسر كما راهن من قبل على حصان الشيوعية كشمولية بغيضة ها هو الآن يراهن على حصان الكيزان و الأكيد أنه خاسر.
بالمناسبة جيل عبد الله علي ابراهيم و أساتذتهم هم من أسسوا لفكرة أن تاريخ الفكر الليبرالي تاريخ يخص أوروبا و يمكننا في السودان تأسيس ديمقراطية بفكر ديني كما هو سائد و معشعش في رؤوس نخب لا يعرف فكرها غير الحيرة و الإستحالة في وقت في كثير من الدول العربية و الإسلامية هناك علماء اجتماع و إقتصاديين عندما يتحدثون عن التحول الديمقراطي يعنون الفكر الليبرالي كما هو عند جون لوك و جان جاك روسو و عمانويل كانط و مونتسكيو بلا أي نقصان من فكرهم لأنه هو الأقدر على معالجة ظاهرة المجتمع البشري و ما يؤرق مجتمعهم لأنه مجتمع من أفراد و لا يشغل بال الفرد غير الحرية و العدالة وفقا لقدرات العقل البشري.
من المفارقات العجيبة أن عقلانية الرأسمالية جاءت بسبب فكر الأقلية البروتستانتية و ها هي تنتصر مع إكتشاف معادلة الحرية و العدالة و هنا أود أن أقول أن أغلبية النخب السودانية تؤمن ايمان العجائز بأنهم يستطيعون تحقيق ديمقراطية بأحزاب دينية مقابل أقلية تنشر فكر ينتصر لعقلنة الفكر و علمنة المجتمع في السودان و كما إنتصرت أقلية البروتستانت و جاءت بعقلانية الرأسمالية ستنتصر الأقلية الخلّاقة السودانية في مطالبتهم بفكر يفصل الدين عن الدولة و يؤسس لعقلنة الفكر و علمنة المجتمع.
و من هنا نقول للذين يظنون أن الأحزاب الدينية داخلها أغلبية النخب السودانية هذا توصيف لا يعني أي شئ و نحن نقول لهم أن فكر الأقلية الخلّاقة التي تنادي بفصل الدين عن الدولة بشكل صريح لا لبس فيه سينتصر كما إنتصر البروتستانت كأقلية و من هنا نقول مهما أجاد عبد الله علي ابراهيم اللعب بضيله أي ذيله مع الأغلبية السودانية فيما يتعلق بأحزاب وحل الفكر الديني لا يغير شئ فيما يتعلق بقدوم أجيال قادرة على التضحية بالهوية الدينية و قادرة على إدراك فكرة عقلنة الفكر و علمنة المجتمع لأن حرب البرهان بجيشه الكيزاني ضد صنيعته الدعم السريع كأداة موت لا تشبه إلا حروب نابليون و كما قلنا أفي أعلى المقال من محاسن حروب نابليون رغم أنها قطعت الطريق على الثورة الفرنسية إلا أنها أدت الى إنتشار مبادئ الثورة الفرنسية مع إنتشار جيش نابليون في أوروبا و كذلك حرب الكيزان العبثية أكدت بأن لا حل للشعب السوداني غير التحول الديمقراطي.
في ختام هذا المقال لابد من الحديث عن مرونة الفكر الليبرالي و قدرته على الإقناع و كما قلنا أن قوته في هشاشته و تجاوزه للأزمات الإقتصادية و الخروج منها أكثر قوة فمنذ أن فك ادم اسمث إرتباط الإقتصاد بكل من الدين و الفلسفة هناك الكثير في سجل النظريات الإقتصادية و تاريخ الفكر الإقتصادي و نظريات اقتصاد التنمية تنتظر فك شفراتها لتصبح في سجل فكر النخب السودانية المتأخرة في إدراك الفلسفة السياسية و الفلسفة الإقتصادية على أقل تقدير في القرن الأخير أي منذ الكساد الإقتصادي العظيم عام 1929 و يمكن أن تصعد بها لقرن كامل حيث يصادفك فكر توكفيل في الديمقراطية الأمريكية و كيف بداءت الليبرالية التقليدية في الأفول و بعدها بداءت خيوط ليبرالية حديثة لم تفهم حتى اللحظة من قبل نخب سودانية ما زالت تظن بأنها تستطيع تحقيق نظم ديمقراطية عبر أحزابها الدينية و هيهات في وقت أكد فيه توكفيل من قبل قرنيين بأن الدين شأن فردي و ينبغي تجريده من قوته السياسية و قوته الإقتصادية لكي يصبح أفق الرجاء للفرد في مجابهة مصيره دون وساطة من تجار الدين من كل شاكلة و لون.
توكفيل في حديثه عن المسؤولية الإجتماعية نحو الفرد أكد أنها انبعثت بسبب التطور الهائل بسبب الثورة الصناعية مما قد أصبح نواة للتفكير في مسألة الضمان الإجتماعي و من هنا تكون توصيتي بأن التحول الديمقراطي في السودان لابد من أن تكون رافعته بعد وقف الحرب رؤية اقتصادية لمعالجة مسألة الإقتصاد و المجتمع و هي القادرة بأن تنمّي إدراك النخب بمسألة المسؤولية الإجتماعية نحو الفرد و هي نابعة من صميم الفكر الليبرالي في مسألة التدخل الحكومي كما نجده في الكينزية و هي تضع حد لليد الخفية لأدم اسمث و اليد الحديدية للشيوعية كنظام شمولي بغيض و يصبح الضمان الإجتماعي أي الإستهلاك المستقل عن الدخل رمز لكرامة الإنسان و ليس كما تعتقد الشيوعية في الإنسان نفسه بل تتخذه كوسيلة لتحقيق غاية متوهمة و هي فكرة إنتهاء التاريخ و هيهات.
نقل تجربة الغرب الصناعية يحتاج لتهية النخب السودانية بأن مجتمع ما بعد الثورة الصناعية لا يشغله الخطاب الديني بل تشغله الحرية و العدالة و بالتالي يصبح المجتمع مجتمع أفراد علاقة الفرد مباشرة بالدولة و ليست بالطائفة و لا الجهة و لا العرق و لا الدين بل الفرد كغاية لأنه يرنو لقيمة القيم أي الحرية.
في ختام المقال نقول للأجيال الجديدة بأن تجربة النخب السودانية المشغولة بخطاب ما بعد الإستعمار كان فاشل في نقل المجتمع السوداني من مجتمع تقليدي الى أعتاب المجتمعات الحديثة التي لا ترضيها غير فكرة الدولة الحديثة و هي مجتمعات حتى في الدول الحديثة مرّت بأزمة الاسترليني و أزمة الفرنك الفرنسي و أزمة الدولار الذي بسببه إنتهت الكينزية كديناميكية إقتصادية و بعدها جاءت النيوليبرالية و قد خلفت خلفها فكرة التوجه نحو الحماية الإقتصادية في الثلاثة عقود القادمة و على الشعب السوداني أن يبداء مع الشعوب المتقدمة من جديد ديناميكية اقتصادية لها أدبياتها في النظريات الإقتصادية و تاريخ الفكر الإقتصادي و حمدوك هو أكثر اقتصادي سوداني جدير بقيادة الشعب السوداني الآن و هو يمر بأحلك حقبة في تاريخه و هو أقرب لفهم نمط الإنتاج الرأسمالي و بسبب مرونة الفكر الليبرالي فقد اقتنعت به كثير من الأحزاب الشيوعية في الغرب و الأحزاب الإشتراكية و أحزاب الخضر أي قد أصبحت لا تضمر أي ضغينة لنمط الإنتاج الرأسمالي و هذا الذي قد عجز عنه الشيوعي السوداني و جعله يقدم مشروعه الجذري كحزمة أرنب غلبتها زادتها. و في الختام طريق التحول الديمقراطي طويل جدا و ربما يحتاج للتضحية بأجيال و لكن قد أصبح ممر إلزامي.
taheromer86@yahoo.com
الإقتصاديون و علماء الإجتماع و المؤرخون غير التقلديين و الفلاسفة يدركون أن الفكر الليبرالي يتعرض لهزات تكاد تقضي على مسيرته إلا أنه يخرج من كل تجربة صعبة أكثر قوة و أكثر حيوية في قدرته على معالجة ما يتجدد في وجه المجتمع البشري كظاهرة و هو الأقدر على ترجمة إيقاع معادلة الحرية و العدالة و هي تسوق مسيرة البشرية كمسيرة تراجيدية و مأساوية و لها القدرة على مجابهة المتجدد من المصاعب المتجددة التي تمسك بتلابيب بعضها البعض في صيرورة و في تلازم بلا قسور مع تاريخ الإنسانية في إنفتاحه على اللا نهاية بعكس الهيغلية و الماركسية في إعتقادهما في عقل يسوق نحو نهاية متوهمة للتاريخ و هيهات.
قوة الفكر الليبرالي تكمن في هشاشته مثل مقولة إستقامة القوس في إعوجاجه أو إعوجاج القوس هو إستقامته لما أريد له. و لهذا السبب يفوت على كثير من أتباع الشموليات من نازية و فاشية و شيوعية و حركات إسلامية كالحركة الإسلامية السودانية أن الفكر الليبرالي هش و يسهل القضاء عليه إلا أن التاريخ يقول أن الفكر الليبرالي هو تاج الإنسانية التاريخية و الإنسان التاريخي و في فضاءه تولد الشخصيات التاريخية و في أيديهم يمسكون بمفتاح تاريخ الذهنيات المنتصر على تاريخ الخوف و ما أطوله من سجل أي تاريخ الخوف وسط النخب السودانية و قد كسد فكرها؟
لهذا لم يزدهر في وسطهم غير فكر متصالح مع الخوف و علاجه عندهم أن تسلك طريق الخلاص الأخروي و لهذا كثر عندنا أتباع المرشد ككيزان و أتباع الامام كأنصار و أتباع الختم و حتى الشيوعي السوداني نجده متواطي مع الخطاب الديني التقليدي بإيمانه التقليدي و فكره المنغلق و رأينا كيف كان عبد الخالق محجوب يبحث لدور للدين في السياسة و تبعه محمد ابراهيم نقد في حوار حول الدولة المدنية و خرج بعلمانية محابية للأديان إلا الأستاذ محمود محمد طه و قد مزّق سجل تاريخ الخوف من رفوف المكتبة السودانية و سار منتصر بإبتسامة عابر عبر تاريخ الخوف السوداني و نحو تاريخ الذهنيات ليصل الى مقام بروموثيوس عندما سرق نار الآلهة حين إستفزّه هوان الإنسان و هل كان هناك هوان يفوق هوان الشعب السوداني عندما مر تاريخ كساده الفكري بشريعة نميرى و كيزانه أي قوانيين سبتمبر؟
المحزن للغاية أن عبد الله علي ابراهيم في هذه الأيام يكتب في سلسلة مقالات محاولا رد الإعتبار لمحاكم نميري للعدالة الناجزة و هذا عنوان مقالاته مواصل مسيرة تواطؤه مع خطاب الإسلام السياسي و نسى عبد الله علي ابراهيم بأن خطاب الإسلام السياسي في العالم العربي و الإسلامي قد تأهب للخروج من التاريخ بلا رجعة و قد رأينا كيف كان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قد قال بأن أفكار الحداثة و التنمية لا يمكن أن تكون في ظل خطاب الحركات الإسلامية و فكرها التقليدي و كذلك رأينا كيف أجبر مفكري تونس الغنوشي بأن يعترف بأنه صاحب عشرية فاشلة و قد وضعت نهايته و نهاية حركة النهضة التونسية فيا عبد الله علي ابراهيم تواطؤك مع الكيزان يجعلك كنافخ القربة المقدودة لن يرجّع الكيزان رغم حربهم العبثية ضد صنيعتهم الدعم السريع كأداة موت و لا حربهما العبثية تعني للشعب السوداني شئ.
و هنا نقول لك يا عبد الله علي ابراهيم أن حرب البرهان العبثية ضد صنيعته حميدتي تذكرنا بحروب نابليون و نابليون بالمناسبة قطع طريق الثورة الفرنسية الى حين و لكن حروبه ساعدت في إنتشار شعار الثورة الفرنسية مع إنتشار جيوشه في البلدان الأوروبية شفت مكر التاريخ يا عبد الله علي ابراهيم؟ و أقصد كما إنتشر شعار الثورة الفرنسية مع جيوش نابليون كقاطع طريق الثورة الفرنسية فأن حرب الكيزان البرهانية في السودان أكدت بأن لا حل للشعب السوداني غير الفكر الليبرالي و التحول الديمقراطي الذي يعني عقلنة الفكر و علمنة المجتمع و لا حل غير قيم الجمهورية و فصل الدين عن الدولة و رغم أنفك لرد الإعتبار لمحاكم نميري للعدالة الناجزة.
و عندما نقول التحول الديمقراطي و قيم الجمهورية أحسب كم من السنيين إحتاجت الثورة الفرنسية لتحقيق قيم الجمهورية و مواثيق حقوق الإنسان. و بعدها إنتهى الكاثوليك كيزان ذاك الزمن و إنتصر التحول الديمقراطي و أصبح الدين شأن فردي و أصبحت الديمقراطية و الفكر الليبرالي زهرة يانعة لفكر قدمه عمانويل كانط في فكر أنثروبولوجيا الليبرالية و عنده الفورة مليون و ليس همه كهمك بأن يكرمك الكيزان يا عبد الله علي ابراهيم كما ظهرت بوجه كالح يوم تكريمك من قبل خالد موسى دفع و السر السيد و غسان علي عثمان قبل سقوط الكيزان عندما كانت تحتهم خزائن الذهب.
بالمناسبة كان الكاثوليك كحالة عبد الله علي ابراهيم اليوم في وقوفه مع فكر الكيزان يظنون بأن الكاثوليكية و فكرها يمكن أن يحقق تحول ديمقراطي و لكن في مجتمع مثل المجتمع الفرنسي كان هناك توكفيل و قد قال لهم بأن لا حل غير عقلنة الفكر و علمنة المجتمع و أن الدين ينبغي تجريده من أي قوة سياسية و قوة إقتصادية و يجب فصل الدين عن الدولة و حينها يصبح الدين عندما يجرد من قوته السياسية و قوته الإقتصادية يصبح شأن فردي و يصير أفق الرجاء للأنسان كفرد في علاقته بربه بلا وسيط من تجار الدين.
و نحن نسأل عبد الله علي ابراهيم أين فكر الكاثوليك الذي إنتقده توكفيل؟ و قال لهم بأنهم عاجزون بفكرهم أن يحققوا ديمقراطية كما يزعم مفكري السودان الآن في تحقيق ديمقراطية بأحزاب دينية أي كحزب الامام و الختم و المرشد و هم لا يشبهون غير كاثوليك زمن توكفيل و قد تخطاهم الزمن و لم يبقى غير فكر توكفيل و الغريب عبد الله علي ابراهيم لا يحتاج لقامة توكفيل و فكره نقول له أن ولي عهد السعودية بمشروع 2030 و إبعاده لرجال الدين و إزعاجهم قد تخطاك فكريا دعك من توكفيل يا عبد الله علي ابراهيم و خليك مع رد الإعتبار لمحاكم نميري للعدالة الناجزة و قد محى الأستاذ محمود محمد طه بفيض ضياء إبتسامة عباقرة الرجال ظلام محاكم العدالة الناجزة.
عند توكفيل أن الليبرالية ليست نظام حكم فحسب بل فلسفة تسعى لتحقيق العيش المشترك و لا يكون بغير فصل الدين عن الدولة و لذلك قد أصبح الفكر الليبرالي بديلا للفكر الديني و لا يمكن تحقيق تحول ديمقراطي بأحزاب دينية كما هو حاصل في السودان و سيطول درب الآلام في السودان و لكن في النهاية سيصل لتحول ديمقراطي بفضل وعي أجيال آتية من جهة المستقبل البعيد تدرك فكرة عقلنة الفكر و علمنة المجتمع.
عبد الله علي ابراهيم في السودان من جيل يعاني من إلتباس في تحول المفاهيم فيما يتعلق بمفهوم الدولة و مسألة المسؤولية الإجتماعية نحو الفرد جيل قد ذهبوا للحزب قبل الذهاب للكتب و النتيجة مثقف منخدع بماركسية ماركس لا يفرّق بين حربه ضد الإستعمار و حربه ضد الحداثة و التنمية و لا يدرك بأن معدل مستويات الوعي في العالم العربي و الإسلامي بفضل تقدم تكنلوجيا الإتصالات و إرتفاع نسبة المتعلمين و إنخفاض الأمية في كثير من الدول العربية و الإسلامية توضح بأن هناك علاقة عكسية مع خطاب الإسلام السياسي أي بالمختصر المفيد لا مستقبل لخطاب الإسلام السياسي الكيزاني في المستقبل البعيد. و لكن كعادته يراهن عبد الله علي ابراهيم دوما على الحصان الخاسر كما راهن من قبل على حصان الشيوعية كشمولية بغيضة ها هو الآن يراهن على حصان الكيزان و الأكيد أنه خاسر.
بالمناسبة جيل عبد الله علي ابراهيم و أساتذتهم هم من أسسوا لفكرة أن تاريخ الفكر الليبرالي تاريخ يخص أوروبا و يمكننا في السودان تأسيس ديمقراطية بفكر ديني كما هو سائد و معشعش في رؤوس نخب لا يعرف فكرها غير الحيرة و الإستحالة في وقت في كثير من الدول العربية و الإسلامية هناك علماء اجتماع و إقتصاديين عندما يتحدثون عن التحول الديمقراطي يعنون الفكر الليبرالي كما هو عند جون لوك و جان جاك روسو و عمانويل كانط و مونتسكيو بلا أي نقصان من فكرهم لأنه هو الأقدر على معالجة ظاهرة المجتمع البشري و ما يؤرق مجتمعهم لأنه مجتمع من أفراد و لا يشغل بال الفرد غير الحرية و العدالة وفقا لقدرات العقل البشري.
من المفارقات العجيبة أن عقلانية الرأسمالية جاءت بسبب فكر الأقلية البروتستانتية و ها هي تنتصر مع إكتشاف معادلة الحرية و العدالة و هنا أود أن أقول أن أغلبية النخب السودانية تؤمن ايمان العجائز بأنهم يستطيعون تحقيق ديمقراطية بأحزاب دينية مقابل أقلية تنشر فكر ينتصر لعقلنة الفكر و علمنة المجتمع في السودان و كما إنتصرت أقلية البروتستانت و جاءت بعقلانية الرأسمالية ستنتصر الأقلية الخلّاقة السودانية في مطالبتهم بفكر يفصل الدين عن الدولة و يؤسس لعقلنة الفكر و علمنة المجتمع.
و من هنا نقول للذين يظنون أن الأحزاب الدينية داخلها أغلبية النخب السودانية هذا توصيف لا يعني أي شئ و نحن نقول لهم أن فكر الأقلية الخلّاقة التي تنادي بفصل الدين عن الدولة بشكل صريح لا لبس فيه سينتصر كما إنتصر البروتستانت كأقلية و من هنا نقول مهما أجاد عبد الله علي ابراهيم اللعب بضيله أي ذيله مع الأغلبية السودانية فيما يتعلق بأحزاب وحل الفكر الديني لا يغير شئ فيما يتعلق بقدوم أجيال قادرة على التضحية بالهوية الدينية و قادرة على إدراك فكرة عقلنة الفكر و علمنة المجتمع لأن حرب البرهان بجيشه الكيزاني ضد صنيعته الدعم السريع كأداة موت لا تشبه إلا حروب نابليون و كما قلنا أفي أعلى المقال من محاسن حروب نابليون رغم أنها قطعت الطريق على الثورة الفرنسية إلا أنها أدت الى إنتشار مبادئ الثورة الفرنسية مع إنتشار جيش نابليون في أوروبا و كذلك حرب الكيزان العبثية أكدت بأن لا حل للشعب السوداني غير التحول الديمقراطي.
في ختام هذا المقال لابد من الحديث عن مرونة الفكر الليبرالي و قدرته على الإقناع و كما قلنا أن قوته في هشاشته و تجاوزه للأزمات الإقتصادية و الخروج منها أكثر قوة فمنذ أن فك ادم اسمث إرتباط الإقتصاد بكل من الدين و الفلسفة هناك الكثير في سجل النظريات الإقتصادية و تاريخ الفكر الإقتصادي و نظريات اقتصاد التنمية تنتظر فك شفراتها لتصبح في سجل فكر النخب السودانية المتأخرة في إدراك الفلسفة السياسية و الفلسفة الإقتصادية على أقل تقدير في القرن الأخير أي منذ الكساد الإقتصادي العظيم عام 1929 و يمكن أن تصعد بها لقرن كامل حيث يصادفك فكر توكفيل في الديمقراطية الأمريكية و كيف بداءت الليبرالية التقليدية في الأفول و بعدها بداءت خيوط ليبرالية حديثة لم تفهم حتى اللحظة من قبل نخب سودانية ما زالت تظن بأنها تستطيع تحقيق نظم ديمقراطية عبر أحزابها الدينية و هيهات في وقت أكد فيه توكفيل من قبل قرنيين بأن الدين شأن فردي و ينبغي تجريده من قوته السياسية و قوته الإقتصادية لكي يصبح أفق الرجاء للفرد في مجابهة مصيره دون وساطة من تجار الدين من كل شاكلة و لون.
توكفيل في حديثه عن المسؤولية الإجتماعية نحو الفرد أكد أنها انبعثت بسبب التطور الهائل بسبب الثورة الصناعية مما قد أصبح نواة للتفكير في مسألة الضمان الإجتماعي و من هنا تكون توصيتي بأن التحول الديمقراطي في السودان لابد من أن تكون رافعته بعد وقف الحرب رؤية اقتصادية لمعالجة مسألة الإقتصاد و المجتمع و هي القادرة بأن تنمّي إدراك النخب بمسألة المسؤولية الإجتماعية نحو الفرد و هي نابعة من صميم الفكر الليبرالي في مسألة التدخل الحكومي كما نجده في الكينزية و هي تضع حد لليد الخفية لأدم اسمث و اليد الحديدية للشيوعية كنظام شمولي بغيض و يصبح الضمان الإجتماعي أي الإستهلاك المستقل عن الدخل رمز لكرامة الإنسان و ليس كما تعتقد الشيوعية في الإنسان نفسه بل تتخذه كوسيلة لتحقيق غاية متوهمة و هي فكرة إنتهاء التاريخ و هيهات.
نقل تجربة الغرب الصناعية يحتاج لتهية النخب السودانية بأن مجتمع ما بعد الثورة الصناعية لا يشغله الخطاب الديني بل تشغله الحرية و العدالة و بالتالي يصبح المجتمع مجتمع أفراد علاقة الفرد مباشرة بالدولة و ليست بالطائفة و لا الجهة و لا العرق و لا الدين بل الفرد كغاية لأنه يرنو لقيمة القيم أي الحرية.
في ختام المقال نقول للأجيال الجديدة بأن تجربة النخب السودانية المشغولة بخطاب ما بعد الإستعمار كان فاشل في نقل المجتمع السوداني من مجتمع تقليدي الى أعتاب المجتمعات الحديثة التي لا ترضيها غير فكرة الدولة الحديثة و هي مجتمعات حتى في الدول الحديثة مرّت بأزمة الاسترليني و أزمة الفرنك الفرنسي و أزمة الدولار الذي بسببه إنتهت الكينزية كديناميكية إقتصادية و بعدها جاءت النيوليبرالية و قد خلفت خلفها فكرة التوجه نحو الحماية الإقتصادية في الثلاثة عقود القادمة و على الشعب السوداني أن يبداء مع الشعوب المتقدمة من جديد ديناميكية اقتصادية لها أدبياتها في النظريات الإقتصادية و تاريخ الفكر الإقتصادي و حمدوك هو أكثر اقتصادي سوداني جدير بقيادة الشعب السوداني الآن و هو يمر بأحلك حقبة في تاريخه و هو أقرب لفهم نمط الإنتاج الرأسمالي و بسبب مرونة الفكر الليبرالي فقد اقتنعت به كثير من الأحزاب الشيوعية في الغرب و الأحزاب الإشتراكية و أحزاب الخضر أي قد أصبحت لا تضمر أي ضغينة لنمط الإنتاج الرأسمالي و هذا الذي قد عجز عنه الشيوعي السوداني و جعله يقدم مشروعه الجذري كحزمة أرنب غلبتها زادتها. و في الختام طريق التحول الديمقراطي طويل جدا و ربما يحتاج للتضحية بأجيال و لكن قد أصبح ممر إلزامي.
taheromer86@yahoo.com