مستشار لا يعرف اليمين من اليسار!
فيصل علي سليمان الدابي
31 December, 2012
31 December, 2012
وفقاً للتراث السوداني الساخر، فإن البصيرة أم حمد ، تعتبر أشهر مستشار لا يعرف اليمين من اليسار ، فقد طالبها من دخل رأس ثوره في جرة جاره بتقديم استشارة لإخراج رأس الثور من الجرة دون قتل الثور أو تحطيم الجرة ، فنصحت الناس بذبح الثور ولما فعلوا ورفض الرأس العنيد الخروج من الجرة ، أمرتهم بتحطيم الجرة ، فخسر طالبا الاستشارة الثور والجرة معاً! وهناك مفارقة سودانية أخرى في مجال الاستشارات ، فبعض الرجال يقولون: (المرا شاورا وخالفا) أي أنهم يعتقدون أن المرأة أياً كانت هي مجرد مستشار لا يعرف اليمين من اليسار لكن يُمكن مشاورتها على سبيل الترضية ثم مخالفة استشارتها في كل الأحوال حتى لو كانت صحيحة، لكن بعض الرجال يقولون: (مرتك لو قالت ليك أطلع الجبل ، اطلع من بدار) وهؤلاء يعتقدون أن المرأة هي أعظم مستشار على وجه الأرض وأنها إذا طلبت من الرجل أن يصعد إلى رأس الجبل دون سبب ، فعليه أن يفعل ذلك مبكراً دون أي سؤال أو نقاش حتى لو كانت استشارتها خاطئة!
هناك أنواع مختلفة من المستشارين ، فهناك مستشارون ماليون ، مستشارون قانونيون ، مستشارون عسكريون ... الخ ، والمؤكد أن بعض هؤلاء ينتمون إلى فصيلة المستشارة البصيرة أم حمد التي اعتقد أنها خرجت من محليتها وأصبحت شخصية عالمية موجودة في كل أنحاء العالم ، فالمستشار العسكري للقذافي قد نصحه بقصف الشعب الليبي بالدبابات والطائرات والآن أين القذافي وأين مستشاره العسكري؟! المستشار العسكري للأسد نصحه بقصف المدن السورية الثائرة بحجة أن الثوار السوريين مجرد عصابات إرهابية ، والنتيجة أن الأسد وكثير من أعوانه أصبحوا اليوم متهمين بارتكاب جرائم حرب دولية وصار الثوار السوريون يدقون أبواب القصر الرئاسي للأسد بمدافع الهاون وأصبح سقوطه مجرد مسألة وقت، الرئيس المصري الجديد مرسي، عانى من أكبر حرج سياسي فقد نصحه بعض مستشاريه السياسيين بإصدار إعلان دستوري يقضي باحتكار السلطات القضائية والتنفيذية والتشريعية ، ولما فعل قامت الدنيا ولم تقعد إلا بعد إلغاء الإعلان إياه! وهناك أكثر من مستشار قد حظي بشهرة عالمية ملأت الآفاق بالمشاكل والبلاوي المحلية والدولية ، كارل ماركس ، مبتدع الشيوعية، وآدم سميث ، مبتدع الرأسمالية، أثبت الواقع العملي أن كليهما كان مجرد مستشار لا يعرف اليمين من اليسار ، فالشيوعية قد أفقرت الشعوب وجردتها من حرياتها الأساسية والرأسمالية المتوحشة قد أثرت الأغنياء والبنوك والشركات العابرة للقارات وزادت الفقراء فقراً ومنحتهم حريات شكلية، والآن نصف العالم لا يدري ماذا يفعل ونصفه الآخر يبحث عن الحل الجذري في طريق ثالث لا مستشيع ولا مترسمل!
من المؤكد أن طلب الاستشارة هو أمر محمود ولكن طلب الاستشارة من الشخص الخطأ قد يؤدي إلى مخاطر كبيرة وكثيرة ، قد يقول قائل إنه يُمكن مقاضاة المستشار والحصول منه على تعويض على أساس الخطأ المهني إذا قدم استشارة مدفوعة الثمن وتسببت في إلحاق ضرر بطالب الاستشارة لكن من الممكن أن يفلت المستشار من المسؤولية إذا قدم دفعاً قانونياً مفاده أنه مُلزم ببذل عناية وليس بتحقيق غاية! لذا يجب على الانسان الذي ينشد العواقب السليمة أن يحمي نفسه بطلب الاستشارة من ذوي الفهم الثاقب والخبرة الكبيرة والحصول على أكثر من استشارة إذا لزم الأمر حتى لا يفقد الثور والجرة معاً ويقلب كفيه على خسائره وهو يصيح: (جبناه فزعة بِقالنا وجعة)!
sara abdulla [fsuliman1@gmail.com]