مسلمات في تاريخ العرب تتطلب المراجعة: تاريخ ومدلول كلمة عرب

 


 

 


   ahmed.elyas@gmail.com
 
نود التوقف قليلاً مع كلمة عرب لنتعرف باختصار على الوقت الذي ظهر فيه العرب في التاريخ وما هو مدلول كلمة عرب في الفترة السابقة للاسلام؟  

 وللتعرف على ذلك نلخص الآتي مما أورده في هذا الصدد الدكتور جواد علي(المفصل في تاريخ العرب، ج 1 صفحات:12، 14، 18، 22، 23.) جاءت أول إشارة إلى العرب فى الكتابات الأشورية في نص يعود إلى منتصف القرن التاسع ق.م.، وقد قصد بلفظ عرب في النص الأعراب أي البدو. وقد وردت كلمة عرب في التوراة، وفي اللغة العبرية وفي لغات سامية أخرى بمعنى "البداوة والأعرابية والجفاف والفقر ... فلفظ عرب في تلك اللغات المتقاربة هو البداوة وحياة البادية"

ووردت كلمة عرب في النصوص العربية القديمة أيضا بمعنى البداوة وسكان البادية، أما سكان الحضر فى شبه الجزيرة فقد كانوا يعرفون بأسماء المناطق التي يقيمون فيها أو التسميات القبلية التي اشتهروا بها مثل سبأ وهَمدان وحمير. وعندما أطلق البابليون أو الأشوريون أوالفرس "بلاد العرب" فإنهم قصدوا بها البادية التي في غرب نهر الفرات الممتدة إلى تخوم بلاد الشام... وقد أدخل بعض االعلماء طور سيناء فى جملة هذه الأرضين.
 
وعلى ذلك فكلمة عرب – كما عبر جواد علي في أكثر من موضع - لم تكن قد صارت علما على جنس معين بالمعنى المفهوم من اللفظة عندنا الآن. وكلمة عرب بالمعنى المعروف اليوم ترجع إلى ما قبل الاسلام بزمن وجيز، ولكنه لا يرتقي تاريخياًّ إلى ما قبل الميلاد بل لا يرتقي عن الاسلام إلى عهد جدّ بعيد. ويضيف الدكتور السيد عبد العزيز سالم (تاريخ العرب قبل الاسلام ج 1 ص 44)

"ولا نعرف على وجه الدقة متى استخدم لفظ "عرب" للدلالة على معنى قومي يتعلق بالجنس العربي، والقرآن الكريم هو أول مصدر - ولا يرتقي عن الاسلام إلى عهد جدّ بعيد – استخدم فيه لفظ العرب للتعبير بوضوح عن الجنس العربي." وبناءً على ذلك فإن كلمة "العرب" قبل الاسلام لم تكن تعني جنسا معينا بل كان تطلق على البدو الذين كانوا يتجولون في مناطق بادية الشام والعراق مثل مناطق شمال المملكة العربية السعودية وبعض مناطق سوريا وفلسطين والأردن كما يرى البعض.

هذا هو مدلول ومفهوم كلمة العرب – قبل الاسلام -  عند شعوب منطقة شرقى البحر المتوسط، فكيف كان مدلولها عند اليونان الرومان؟ جاء أول ذكر للعرب في الكتابات اليونانية -كما ذكر جواد على – أتى في منتصف القرن الخامس ق.م. كجنود في جيش الملك الفرسي Xerxus، وقد تحدث هيرودوت عن العرب وبلادهم الممتدة من جزيرة العرب إلى البوادي والمناطق الواقعة إلى الشرق من نهر النيل. وذكر سترابو وبليني (القرن الأول الميلادي) أن العرب تكاثروا على أيامهما في مصر ما بين النيل والبحر الأحمر.

وذكر جواد علي أن اليونايين والرومان أطلقوا لفظ بلاد العرب للدلالة على جزيرة العرب وسكانها على اختلاف لغاتهم لاعتقادهم أن البداوة هي السمة الغالبة على كل تلك المناطق، وتصوروا أن  كل سكانها بدواً،  لأن فكرتهم عن حَضَرْ العرب لم تكن ترتفع عن فكرتهم عن البدو. فأصبح مدلول كلمة العربي عندهم هو البدوي.  

فالكتاب اليونانيون والرومان استخدموا كلمة عرب بنفس معناها السابق للاسلام، فعندما يشيرون إلى العرب يقصدون البدو بغض النظر عن سلالاتهم. فالاشارة إلى العرب في صحراء مصر الشرقية يراد بها البدو الذي كانوا منتشرين في تلك المناطق منذ آلاف السنين قبل اطلاق كلمة عرب على جنس معين. كما يلاحظ أيضا اننا في السودان – في الوقت الحاضر – نستخدم كلمة عرب بمعنى أعراب أي سكان البادية، ونصف البدوي بالعربي.

أما المصادر العربية المبكرة فقد استخدمت كلمة العرب بمعناها الذي ورد في القرآن أي كل سكان شبه الجزيرة العربية البدو منهم والحضر. وقسمت كتب التراث العربي المبكر مثل كتب التاريخ والأدب والأنساب وغيرها العرب إلى قسمين: العرب البائدة أي القديمة التي بادت قبل ظهور الاسلام مثل: عاد وثمود وطسم وجديث والعرب الباقية وهم على قسمين أحدهما: عرب الجنوب وينسبون إلى قحطان، والقسم الآخر عرب الشمال وينتسبون إلي اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام.

والعرب الباقية (العدنانيين والقحطابيين) يمثلون الشعب العربي الذي كان يسكن شبه الجزيرة العربية وحملوا لواء الاسلام. ولم تنسب المصادر العربية المبكرة أي جماعة سامية أخري إلى العرب، فالعرب في كل تلك المصادر هم العدنانيون والقحطانيون. غير أن المؤلفات الحديثة ألحقت بعض الشعوب السامية الأخري بالعرب. وقد اختلفت هذه المؤلفات في الجماعات التي تنسبها إلى العرب، فبعض المؤلفات الحديثة اعتبرت التدمريين – شمال دمشق – والأنباط – جنوب فلسطين – عرباً وتناولت تاريخهم كجزء من تاريخ العرب قبل الاسلام.

وتوسع البعض الآخر في نظرته للشعوب العربية كما فعل جرجي زيدان الذي جعل البابليين والهكسوس عربا (جرجي زيدان، العرب قبل الاسلام ص 12.) وقد اقترح البعض الآخر إهمال كلمتى الشعوب السامية والساميين وعدم استخدامهما واستبدالهما بكلمتي الشعوب العربية والعرب (محمد عزة دروزة، عروبة مصر ص 10) ووفقا لذلك تكون كل الشعوب التي خرجت من شبه الجزيرة عربا منذ فجر التاريخ مثل البابليين والفينيقيين والعبرانيين وغيرهم. ولست أدري كيف يكون موقف رافعو هذا الشعار من الشعوب السامية غير العربية مثل اليهود في إلغاء السامية وادراجهم تحت لواء العروبة!  

ونواصل
 

 

آراء