مشاهدات في الفاشر ..و”رسالة ” مؤتمر القوى الكبرى في الدوحة

 


 

 

 

محمد المكي أحمد

 

modalmakki@hotmail.com

  

اخترت أن ازور  الفاشر مع عدد من الزملاء والزميلات الذين  شاركوا في الملتقي الثاني للاعلامين السودانيين العاملين في الخارج في الثاني عشر من مايو 2009.

 

 اتاح لنا منظمو الملتقي فرصتين لنختار بين زيارة سد مروي والفاشر،  وكنت زرت سد مروي  الانجاز الكبير في يوم افتتاحه، وقد  لعبت صدفة وجودي في الخرطوم  آنذاك  دورا أسعدني  بزيارة  مروي التاريخية .

 

أما الفاشر التي زرتها لساعات  معدودات  فهي  تعيش يوميا  مواجع الحرب وأنين الحزانى المكلومين في معسكرات النازحين البؤساءن وقد   حرصت على زيارتها لأشاهد عن قرب بعض مشاهد الحزن السوداني في دارفور،وخاصة في وجوه أطفال ونساء وشيوخ  "تحتضنهم "معسكرات النازحين.

 

السلطات في الفاشر اتاحت لنا فرصة مقابلة مسؤولي معسكري أبوشوك و السلام، وهناك  التقينا مسؤولين في  محلية الفاشر ومعسكري ابو شوك و السلام  .

 

 التقينا أهل المعسكرات والمعنيين بامرها في البداية  في موقع يطل على سوق  يعكس حال الناس هناك ويعكس أوضاع نساء يفترشن الارض ويلتحفن السماء في سبيل لقمة عيش نظيفة في زمن القتل المتبادل بين السودانيين.

 

قيل لنا هناك معسكرا ثالثا للنازحين في الفاشر و هو معسكر زمزم الذي لم نزره،كما لم ندخل لى مواقع سكن النازحين،  وحسب معلومات مديري معسكري ابو شوك  ودار السلام، فا لأول يضم 38 ألف  نازح وقيل انهم كانوا 54 ألف شخص،  كما  قيل لنا  أن العدد تناقص  بسبب"العودة الطوعية لبعض النازحين".

 

قيل لنا ايضا   إن عدد النازحين  في معسكر السلام يبلغ 32 الف شخص وقيل  لنا ايضا انه بعد "تحسن الاوضاع"  انخفض العدد وكان 43 ألف شخص.

 

 طبعا قيل لنا كلام كثير في الفاشر عن "العودة الطوعية" و"أنه" لا اشكالات في التعليم"، وعن ايجابيات "صحة البيئة"، وعن دور الاعلام السلبي حول قضية دارفور"، وقيل كلام كثير  لا يتسع المجال لذكره ، لكن الواقع يناقض ذلك بشكل حاد.

 

مشاهداتي عن قرب لاوضاع أطفال ونساء وشيوخ  جاءونا من معسكر ابو شوك والسلام في موقع تم تحديده لمقابلتهم أثارت في قلبي مواجع لا حصر لها، و باختصار فان  مشاهد الناس في تلك المواقع البائسة المسيئة لكرامة الانسان  تثير الحزن وتنخر بشدة  في دواخل أي انسان سوداني يتمتع باقل قدر  من الاحساس بمأساة أطفال حفاة شبع عراه وجياع، ونساء وشيوخ معذبين مقهورين.

 

من يجد في نفسه  القدرة على حبس انفاسه ودموعه في تلك المواقع يحتاج الى جلسة حوار وكاشفة  مع نفسه في زمن انشطر  فيه وجدان الناس.

 

هناك  مثلا يمكنك أن ترى إمراة  شاخت من كثرة ضربات  الحاجة والاحتياج  وهي تبحث عن لقمة عيش او قطعة خبز، وعندما تقترب من زائر عابر مثلنا لا يملك سوى الوقوف على مشاهد الحزن والوجع الدفين تطلب منك  إمراة حزينة موجوعة  بصوت مجروح  ان تقول لهم، أي لمن يوزعون الغذاء والدواء والماء  " ساعدوني لأحصل علىشيء من القمح".

 

قلنا لها   قيل لنا أن الناس في معسكرك ينالون حظهم مما هومتاح من "اغاثة" فترد لا أحصل على شيء،  ليس لدي "كرت" لتوزيع الغذاء ، فيدخل على الخط مراقبون للمشهد،  ويحدث شيء اشبه  بالنفير لكن  يبدو  أن ماجرى  هو  نتاج  حركة   فرضتها ظروف   ضيافة  الوفد الاعلامي الزائر ، وقد شاهدت كما شاهد غيري  احوال الناس و بؤس الناس،  كما شاهدنا رقصا شعبيا قدمته  فرقة شعبية في الوقت نفسه ، وكأن وجدان الانسان السوداني تم تقسيمه وتوزيعه  بما يسمح بالتعامل مع المتناقضات معا وفي الوقت نفسه أيضا .

 

لن انسى مشهد امراة كانت "تقش" الأرض بحرقة  لتجمع بعض حبيبات قمح تطايرت في المكان، ومهما قيل من تفسيرات للمشهد فهو يعبر عن سوء الحال، وكارثية الأوضاع ومأساويتها في معسكرات النازحين في دارفور.

 

تلك المشاهد المحزنة المبكية الموجعة التي  تسيطر على ساحة الحزن في معسكرات النازحين في دارفور هي وصمة عار على  جبين السودانيين، ايا تكن مواقعهم ، ولا سبيل لمعالجة هذا الجرح النازف الا بايقاف الحرب اليوم قبل الغد.

 

النازحون هم ضحايا المجازر الانسانية في دارفور،هم ضحايا القتال والظلم ،  وهم الذين يدفعون قبل غيرهم  ثمن الحرب  والصراع الدموي الناجم عن خلل في معادلات الحقوق والواجبات في السودان.


وبسبب هذا كله  اقول إن استمرار الحرب في دارفور يشكل مأساة اضافية لمآسي الناس في السودان كله، ولا بد ان يدرك الجميع وخاصة الحكومة وحركة العدل والمساواة وبقية الحركات وكل القوى السودانية السياسية او قوى المجتمع المدني أن حرائق دارفور اذا استمرت ستعود بكوارث لا حصر لها على الانسان في دارفور وكل السودان، ولا أستبعد تدخلا دوليا كبيرا اذا لم يتم وقف اطلاق النار والاحتكام الى الحوار لحل الخلافات لتحقيق السلام والعدالة والحرية والاستقرار.

 

 
أشير في هذا السياق  الى سؤال وجهته للسيد والي شمال دارفور عثمان كبر في اطار تعليقي على حديثه عن الوضع في دارفور.

والي شمال دارفور الذي اتاح لنا مشكورا فرصة طرح الاسئلة عن مأساة دارفور والحوار معه ،  قال إن مشكلة دارفور تنحصر في ثلاثة مسائل هي "طموحات شخصية( يقصد قادة متمردين) وتدخلات أجنبية، واعلام مغرض".

 

أزعجني واحزنني  ان يحصر السيد الوالي أزمة  دارفورفي تلك الاسباب والعوامل  الثلاثة مع احترامي بالطبع لرؤيته، وحقه في حرية التفكير والتحليل.

 

قلت للسيد الوالي  بحضور عدد من  الزملاء والزميلات  في قاعة خصصت  للقائه مع الصحافيين،  هل توافقني ان كلامك  عن العوامل الثلاثة هو تبسيط لمشكلة دارفور،  خاصة ان هناك  مظالم اشرت اليها في حديثك للاعلاميين، فتمسك الرجل برؤيته لكنه والحق يقال  مقتنع  بأهمية معالجة المظالم.

 

أشير الى هذا الجانب ليس من اجل توجيه انتقاد لوالي شمال دارفور الذي حرص على استقبال وفد الاعلاميين بحميمية سودانية كما ودعنا بنبضها ايضا.

 

 لكن أكتب هذه الحروف  منبها الى ضرورات  تعديل  الخطاب السياسي والاعلامي لمسؤولي الحكومة السودانية حول قضايا الساعة والمشكلات الكبرىحتى يكون الخطاب  منطقيا ومقنعا للسودانيين أولا قبل الآخرين.

 

لا سبيل لحل مشكلات الوطن اذا لم نعترف بالواقع و المظالم والمواجع والأخطاء ،  خاصة أنه لاتوجد امكانات  على ارض الواقع لنجاح  مسلسل  ايهام النفس بقدرة الحرب والمواجهات على  حل مشكلات الوطن التي لن يحلها سوى نهج الحوار القائم على مناخ ديمقراطي حر يحقق التعددية المسؤولة والعدل والمساواة والانصاف للمظلومين.

 

لغة الحوار هي الغة التي تشكل محور تحركات القوى الكبرى حاليا وخاصة الادارة الاميركية الجديدة  بقيادة الرئيس باراك اوباما، ولعل المواقف الواضحة والمهمة  التي اعلنها ممثلو الدول  دائمة العضوية في مجلس الامن والاتحاد الاوروبي في اجتماعهم التاريخي في قطر يوم الاربعاء السابع عشر من مايو 2009 تحمل رسائل مهمة لكل السودانيين.

 

الدول صانعة القرار الدولي تدعم الجهد والوساطة القطرية لاحلال السلام في دارفور، وتلك القوى تدعم الحوار والحل السلمي لازمة دارفور، ولكنها لا تتجاهل قضايا  الحق والعدل .

 

برقية: اجتماع ممثلي الدول دائمة العضوية في مجلس الامن والاتحاد الاوروبي في قطر دعم حيوي لنهج الحوار بين السودانيين، فلا تضيعوا الفرصة ايها المتقاتلون أو القابعون في حلبات الصراع السياسي المحموم

 عن صحيفة (الأحداث)
.                  

 

آراء