مشروع الجزيرة… الشمس حين تسطع!!
كم هي فارغة صحافتنا، ومشغولة بالفارغة؛ لوثة سياسية أصابتها وجعلتها تلهث طيلة نهارها وليالها وراء تصريحات السياسيين التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع. بعيداً عن الضجيح السياسي القاتل والمُمل، قضيت سحابة نهاري أمس بمجلس الوزراء بدعوة كريمة من المجلس لحضور جلسة في غاية الأهمية حول النهضة الزراعية التي خُصصت لمناقشة قضية مشروع الجزيرة. كان الاجتماع برئاسة السيد النائب الأستاذ علي عثمان راعي النهضة الزراعية. منذ فترة لاحظت أن طه قلّ اهتمامه بما يجري في الساحة السياسية، بما فيها من صراعات وموضوعات مستهلكة. وخيراً فعل، فليس في الساحة السياسية من جديد غير المماحكات الفارغة، والصراعات التي هي بلا جدوى. شغل طه نفسه بما ينفع الناس ويبقى في الأرض.
استمعت من مدير مشروع الجزيرة لتقرير وافٍ حول الأوضاع بالمشروع، وما يجري فيه من تحديث وتطوير، كما قدم التقرير تصوراً لمستقبل المشروع. الطريقة العلمية التي بدأت إدارة المشروع تتبعها في نظم إدارة المشروع باستحداث جهاز إدارة المناشط؛ والتي استندت على دراسة علمية قامت بها شركة (جي جي) التركية والتي أوصت بتكوين الهيكل الإداري والمالي؛ ويتكون من 75 عاملاً ليصل مستقبلاً إلى 328 عاملاً. قادت البدايات الجادة للإدارة الجديدة، لنجاحات متعددة؛ إذ نجحت في زراعة محاصيل بخدمات متكاملة؛ منها الإرشاد الزراعي، والحزم التقنية المطلوبة، إضافة للخدمات التجارية، مشيراً للخدمات المتنوعة التي قامت بها شركة الأقطان في محصول القطن، وشركة مزدانة في إكثار البذور.
من أكثر النجاحات التي لفتت نظري بالتقرير؛ هي ما حققه جهاز إدارة الري الذي قام باستلام مهمة إدارة شبكة ري مشروع الجزيرة. الجهاز الجديد حقق ما يشبه المعجزة؛ إذ استطاع لأول مرة منذ سنوات توفير المياه لمساحة 1.5 مليون فدان بنسبة عطش لم تتجاوز 2% مع معالجة مشكلة هدر المياه.
ما أعجبني في التقرير أيضاً إشارته بوضوح أن تعاقد المشروع مع شركة (الهدف) لم يحقق الهدف منه، وخاصة في ما يخص حصر المساحات. كان مهماً الاعتراف بالخطأ الذي يحدث حتى لا يصوّر الواقع كأنه بلا أخطاء.
في الرؤية المستقبلية للمشروع هي الإضافات الجديدة التي تزمع الإدارة الجديدة إضافاتها للمشروع وخاصة في مجال زراعة وصناعة السكر بالتعاون بين وزارتي الصناعة والزراعة؛ فأعلن السيد المدير العام للمشروع أن الترتيبات تجري لإنشاء مصنع سكر حدّاف، وود الفضل، والحرقة ونور الدين، (60 ألف فدان) بين شركة السكر السودانية (40%)، وشركة إماراتية (60%) يُنجز خلال سنتين. ملخّصاً هدف الخطة المستقبلية في صناعة السكر؛ هي قيام أربعة مصانع في مساحة 220 ألف فدان لإنتاج مليون طن سكر؛ ويأتي ذلك في إطار الاستفادة من تعلية خزان سنار.
تلقيت في تلك الجلسة، معلومات في غاية الأهمية عن الاقتصاد الزراعي لمشروع الجزيرة، ووقفت على التحديات الحقيقية التي تواجه المشروع، وكيف يجري الإعداد لحلّها، وخاصة قضية مُلاك الأراضي التي وضعت لها اللجنة المتخصة، حلاً عادلاً لن يرضي الجميع، ولكن في النهاية يضع حلاً لقضية عمرها أكثر من مائة عام. لم يتقدم أحد في الجلسة التي تحدث فيها الكثيرون، لتكذيب ما جاء في التقرير، بل إن الجميع أشادوا بها، مما يدل على مصداقية الإدارة وهي تعد تقريراً هاماً وخطيراً تقدمه للخبراء الذين اكتظت بهم قاعة مجلس الوزراء.
ملاحظات عديدة خرجت بها من ذاك الاجتماع: الأولى هي أن مشاكل مشروع الجزيرة الآن واضحة وعلى الطاولة، ومتى ما حُددت المشكلة بشكل دقيق يسهل التعامل معها.
الثانية أن الحلول والحلول العلمية من الخبراء موجودة ويجري إنفاذها الآن أو التخطيط لإنفاذها بجديّة.
الثالثة الإرادة السياسية القادرة على اتخاذ القرارات الصعبة في سبيل إنجاح المشروع متوفرة بدليل أن السيد النائب بثقله السياسي يقف على رأس النهضة الزراعية التي ضمن أولوياتها النهوض بمشروع الجزيرة كمشروع استراتيجي. في النواحي الأخرى أعلنت الجهات الاقتصادية في الدولة استعدادها لتوفير التمويل اللازم؛ وهو ما أكده وزير المالية للموسم الحالي الذي يبدأ في منتصف هذا الشهر. الشيء الوحيد المتبقي للنهوض بالمشروع هو توفر العزيمة لأهل الجزيرة، وقبلها النيّة السليمة؛ وهم من أنشدوا (ما سلمت بيوت والنية خربانة).