مصر.. مستقبل مفتوح على احتمالات شتى
عادل الباز
19 June, 2012
19 June, 2012
19/6/2012م
ها قد فاز مرسي... فاز الإخوان بعد ثمانين عاما من الكفاح المستمر والتضحيات الجسام التي لا ينكرها إلا من بعينه رمد. كثيرون يشفقون على مصر وهم محقون، فعلى الرغم من أن الانتخابات جرت في أجواء نزيهه عبر فيها المصريون عن إرادتهم واختاروا رئيسا لهم بعد سبعة آلالاف سنة, إلا أن الصراع السياسي المكشوف الذي دخل فيه المجلس العسكري مع الإخوان وكافة قوى الثورية سيجعل أمر استقرار مصر في وقت قريب أمرا مستحيلا. ثلاث قضايا كبرى يجري الصراع حولها في الساحة المصرية: أولها قضية الدستور والثانية صلاحيات الرئيس وثالثها حل البرلمان الخطوة المفاجئة التي أقدم عليها المجلس العسكري في أيام الانتخابات.
تبدو قضية وضع الدستور المصري شائكة ومعقدة بسبب صراعات القوى السياسية المصرية وعدم توافقها على الكيفية التي يمكن أن يصنع بها الدستور. المعادلة التي توصلت لها القوى السياسية مؤخرا تحت إشراف المجلس العسكري يخشى أن يكون الإعلان الدستوري الذي صدر أول أمس قد عصف بها. القوى السياسية سارعت بعقد اجتماع عاجل بالأمس لمكونات الجمعية التأسيسية بهدف تثبيتها في ظل محاولة المجلس العسكري الهينمة على القرار السياسي بالبلاد. لا يعرف إلى أي مدى ستستطيع القوى السياسية فرض إرادتها على المجلس العسكري لمنعه من تمرير أجنداته في الساحة المصرية. وضع الدستور من شأنه أن يحد من جدل التنازع حول السلطات ولكن يبدو أن نيل هذا الهدف الآن بعيد في ظل عدم وجود دستور.
القضية الثانية التي ثارت فجأة منذ يوم أول أمس هي الإعلان الدستوري المكمل الذي أصدره المجلس العسكري وهو الإعلان الذي قال عنه خبراء القانون الدستور إنه يضع أغلب السلطات الأساسية في يد المجلس العسكري حتى اعتبره المرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح بمثابة انقلاب عسكري تجب مواجهته. تعقيدات شتى أثارها هذا الإعلان الذي صعد الخلافات بين الطرفين الأساسين في مصر وهما العسكر والإخوان اللذان ظلا يتصارعان في الساحة المصرية لستين عاما ولا يزالان يمارسان لعبتهما القديمة وإن كانت هذه المرة بطريقة أكثر نعومة من صراعاتهما الدموية التاريخية. هل سيعيد التاريخ نفسه وتدخل مصر مرة أخرى في صراع دموي؟.
كانت ثالثة الأثافي حل المجلس العسكري للبرلمان في أعقاب قرار من المحكمة الدستورية. هذا القرار أثار أيضا جدلا واسعا في أوساط القوى السياسية واعتبرت جماعة الإخوان أنها المستهدفة بالقرار كونها صاحبة الأغلبية في البرلمان, واعتبرته منعدما وليس للمجلس العسكري الحق في إصدار قرار بحل البرلمان. يبدو هنا الصراع صراعَ كسرِ عظمٍ سياسي مكشوف حول السلطات والصلاحيات. فعندما حل المجلس العسكري البرلمان عاد واستولى على القرار التشريعي لحين إشعار آخر.
تبدو الصورة في مصر غامضة ولا يعرف إلى أين تمضي اتجاهاتها. بعض المراقبين أشاروا إلى إمكانية استمرار هذا الجدل والصراع لفترة طويلة من الزمن حتى تتخلص الساحة المصرية من عقابيل حكم ديكتاتوري جثم على أنفاسها ستين عاما. ليس سهلا التعافي منه في شهور أو حتى سنوات قليلة. هناك تقديرات أخرى متشائمة تؤكد أن الأزمة المعقدة ستعصف باستقرار مصر، وتمضي أكثر لتحذر من صراع مسلح قد يندلع بين أطراف مكونات الساحة السياسية في أي وقت. على عكس تلك التقديرات فإن مصر بتاريخها وبالأزمات الكبيرة التي عبرتها قادرة على عبور هذه التعقيدات الخطرة، فالشعب الذي صنع ثورة في بهاء ثورة يناير وأنجز العبور من قبل قادر على عبور هذه المرحلة الخطرة بحكمة وهدوء. ما يحيرني رغم العواصف التي تعصف بمصر فإن الساحة السياسية السودانية تبدو غير معنية بما يجري بها، ولم أفهم السر وراء ذلك ربما ينشغل الناس بالمحروقات ولهم حق، ولكن الخوف كل الخوف أن تحترق مصر. سلمتي يا أخت بلادي يا شقيقة..
عادل الباز