معالجات كسولة !!
منى أبو زيد
22 January, 2012
22 January, 2012
كلنا مجمعون على ضياع فضيلة الإتقان من صناعة الإعلام في السودان لكننا لا
لم نستطع أن نحرك ساكناً أمام لعنة العشوائية التي تمسك بتلابيب حضورنا الإعلامي، أما لماذا فلأننا في هذا السودان مصابون بداء عضال اسمه "إغفال التفاصيل" .. أهم التفاصيل .. لذلك يفشل إعلامنا دوماً في تغيير نظرة العالم نحو قضايانا المحلية ..!
شواهد كثيرة من الإعلام العالمي تؤكد على أنه ليس بالإمكانات المادية والتقنيات الحديثة وحدها يحيا الإعلام! .. وأن أغلب أسباب النجاح تكمن في براعة الاشتغال على التفاصيل ..!
صحفي بريطاني اسمه ريتشارد نورتون كشف عبر تحقيق شهير – نشر بعنوان (حقائق قاسية في البصرة) تم نشره في صحيفة الجارديان – عن تورط القوات البريطانية في تعذيب وإساءة معاملة المدنيين والمعتقلين العراقيين في البصرة، والسبب الأول في نجاحه كان عنايته الفائقة بأدق التفاصيل ..!
ومثله دونالد بوستروم الصحفي السويدي الذي برهن بالدليل القاطع على قيام إسرائيل باستخدام أعضاء المعتقلين الفلسطينيين بعد وفاتهم، وذلك عندما أرفق مع تحقيقه صورة لجثة شاب فلسطيني وعلى جسده العاري آثار جراحة على طول الصدر .. ولولا دقة الصورة (ملكة التفاصيل) لما حصد كل ذلك التأثر العالمي ..!
صحفية فرنسية اسمها أود لانسلان أثارت – قبل فترة - أكبر زوبعة ثقافية في فرنسا
عندما كشفت عن ثقوب خطيرة في طرح برنار هنري ليفي آلهة الفكر الفرنسي بحسب وسائل إعلامها وفيلسوفها المدلل الذي أسقطه إهمال التفاصيل (استشهد بسطور من كتاب لا يعرف مؤلفه، ونسب حديث كاتب إلى آخر) ..!
وقبلها إيريك الصحفي الأمريكي الذي قوض عرش إمبراطورية الوجبات السريعة عندما كشف – عبر تحقيق محلي - عن تفاصيل دقيقة بشأن ظروف العمل في المسالخ ومصانع تجهيز تلك الوجبات، ففضح بذلك نفوذ لوبي (الفاست فود) في الكونجرس الأمريكي .. وكله من خلال حرصه الشديد على توثيق حزمة تفاصيل ..!
بينما .. كم مرة قرأت تحقيقاً يتصدر صحيفة محلية بعناوين نارية غليظة ومتن هلامي تنقصه أهم التفاصيل ؟! .. كم مرة أغراك الترويج التلفزيوني بمشاهدة مادة إعلامية فظللت تمني النفس بتفاصيل وخبايا .. قبل أن تحبطك المعالجات الكسولة التي تلازم أي تحقيق ينتهج كشف المستور في إعلامنا المحلي (أحداث هلامية وعبارات خالية من لهاث المشقة ولزوجة العرق .. ومحاور غير عابئة، يسهل تدبيجها خلف مكتب صغير، مع كوب شاي) ..!
لذا، قبل السؤال عن أسباب غياب الإتقان المهني – عن أي تحقيق إعلامي محلي - لا بد من إزهاق روح العلاقة العكسية بين مساحات التحري وعدد أكواب الشاي ..!
منى أبو زيد
munaabuzaid2@gmail.com