معمر القذافي .. عقيداً دولياً وقرصاناً جوياً! (الحلقة السادسة) .. حسن الجزولي
حسن الجزولي
10 June, 2011
10 June, 2011
(القصة الكاملة لاختطاف طائرة الزعيمين السودانيين بابكر النور وفاروق حمدالله عام 1971 بواسطة معمر القذافي وإشرافه)
*وزير الحربية المصري يملي القيادة الليبية الاجابات على أسئلة السفير البريطاني بخصوص أمر الاختطاف!.
*الأسباب التي إدعتها القيادة الليبية بخصوص تآمر النور وحمد الله على الثورة الليبية تكشف محاولاتها لاخفاء تآمرها هي على أمن وسلامة المجتمع الدولي!.
*ظل القذافي يعتقد دوماً أنه فوق القانون دون رادع أو مسائل!.
*القذافي يضمر عداءاً شديداً للشيوعيين والتقدميين في المنطقة لاحساسه المريض بالضئالة الفكرية أمامهم منذ البدايات الأولى لطرح نفسه كزعيم ومفكر أيدولوجي!.
*شاءت الأقدار ألا يطبق ميثاق تبادل ليبيا والسودان معارضي البلدين إلا مرة واحدة عندما سلم القذافي الزعيمين السودانيين إلى النميري!.
كتاب جديد بالعنوان أعلاه، دفع به كاتبه د. حسن الجزولي إلى المطبعة، والكتاب يوثق لأحد أشهر عمليات القرصنة الجوية التي بدأ بها عقيد ليبيا معمر القذافي حياته السياسية في فضاء التدخل والتعدي على السلام الدولي، عندما أمر باختطاف طائرة الخطوط الجوية البريطانية التي كانت تقل كل من المقدم بابكر النور سوار الدهب، والرائد فاروق عثمان حمدالله، عند سفرهما من لندن في طريقهما إلى الخرطوم، كقيادات جديدة للنظام الذي أطاح بحكومة النميري في إنقلاب 19 يوليو عام 1971، ذالك الاختطاف الذي أدى إلى تسليم القذافي كل من بابكر وفاروق إلى النميري العائد إلى السلطة كالمسعور بعد إجهاض الانقلاب، ليبعث بهما إلى دروة الاعدام!، الميدان تبدأ في تقديم مقتطفات من بعض فصول الكتاب في هذه الحلقات المتتالية، لتعريف الأجيال الجديدة، بتاريخ قديم لـ ” ملك ملوك أفريقيا) و ( عميد الحكام العرب) الذي يترنح نظامه الآن تحت ضربات الشعب الليبي البطل!.
د. حسن الجزولي
يشير الفريق محمد صادق، وزير الحربية المصري، إلى مجموعة أفكار ناقش حولها القائمين بأمر الاختطاف، من أجل تأمين عملية الاختطاف، التي جرت بنجاح منقطع النظير، ولم يكن النجاح متوقعاً بهذه الدرجة من الدقة، حيث طلب من جلود، الاستعداد لمواجهة السفير البريطاني، الذي سيحضر للاحتجاج، على ما جرى خلال ساعات، وعندما علم بأمر طلب السفير البريطاني موعداً مع العقيد القذافي، واستشعر المخاطر من مواجهة حادة، كان أعضاء مجلس قيادة الثورة الليبية، يستعدون لها في استقبالهم للسفير البريطاني، إقترح عليهم ترك الأمر ” لوزير الخارجية الليبي، صالح بويصير وقتذاك، وعليه أن يتمسك، بأن ليس لديه معلومات، عما جرى في بنغازي، وعن الموقف هناك، وأنه سيتصل بالسفير البريطاني، ليخبره بملابسات الحادث، حينما يتلقى معلومات عنه. أما إذا استقبله جلود فإن عليه أن يوضح له، أن الطائرة خرجت من الممر الجوي المعتمد، فاضطرت القوات الجوية لإجبارها على الهبوط كأجراء أمني”!، وسأل جلود: بماذا أجيبه إذا سألني عن السودانيين المحتجزين؟ فتدخل عبده مباشر في الحديث، وقال: قل له إن السلطات الليبية احتجزتهم، لأنه مطلوب القبض عليهم من قبل، لاتهامهم بالتآمر على ليبيا، فصرخ القذافي فرحاً، وقال هذا الصحافي نابغة. وواصلت حديثي طالباً منه ان يتمسك بهذا الدفاع، وأن يحرص على ألا يمتد النقاش. وأن المهم أن ينهي الموضوع في هدوء، مهما كان موقف السفير البريطاني"
وهكذا تكشف الذريعة، التي اقترحها “الصحفي النابغة” للقيادات الليبية، بعدم وجود أسباب حقيقية – سوى الخلاف الأيدولوجي - تعطي الحق القانوني والأدبي للقيادة الليبية، باختطاف قائدين سودانيين، لم يأتيا بأي أنشطة أو أعمالاً، تمس سيادة الدولة الليبية، حتى تعتدي القيادة الليبية على حرية تنقلهما بهذه الدرجة، سوى استهانة القيادات الليبية، الحديثة والمتهورة بالقوانين الدولية، وأخذ القانون في أياديها، دون أي محاذير من مغبة، مثل هكذا تصرف من قبل المجتمع الدولي!، وهو ما تأكد بالفعل، في مستقبل سنوات، تصرفات العقيد القذافي ونظامه، الذي أخذ القانون بكل (رعونة) في أياديه، وراح يعيث (فتونة) و( بلطجة) في المحيط الدولي، وهو يظن أن لا رادع أو مسائل له!.
فلم يكن الأمر يتعلق، بوجود كل من النور وحمد الله، على رأس قيادة الانقلاب، الذي أطاح بالنميري، حتى يتحول الأمر، إلى ذريعة لدى القذافي وقيادات ليبيا، لكي يناصبوهما العداء، لهذه السبب وحده، حيث أن الخلاف الآيدولوجي، ظل ينمو ويتجذر، منذ بداية سبعينات القرن الماضي، مع نجاح التغيير الذي شهدته ليبيا بقيادة القذافي، حيث أن القذافي، يضمر في واقع الأمر، عداءاً شديداً للشيوعيين والتقدميين في المنطقة بشكل عام، لاحساسه المريض بالضئالة الفكرية أمامهم، منذ البدايات الأولى لطرح نفسه كزعيم ومفكر أيدولوجي!.
وقد حدث أن بادر في تلك السنوات بطرح مقترح الاتحاد الثلاثي، بين مصر وليبيا والسودان، بشكل فطير ومتعجل، ثم إستمات من أجل تحقيق ذلك، ومع أن المقترح قد وجد قبولاً، لدي غالبية عضوية مجلس ثورة 25 مايو المنحازة للنميري وقتها، إلا أنه قد وجد معارضة شرسة ومبدئية، من ثلاثي العضوية المتبقية، بابكر النور، فاروق حمد الله وهاشم العطا ” وهو الموقف الأقرب إلى موقف الشيوعيين الذين رأوا في ذلك الميثاق تجاوزاً لخصوصية التشكل العرقي للسودان، كما رأوا فيه انفراداً من نميري باتخاذ القرارات المصيرية دون استشارة أعضاء المجلس الآخرين” الذين اشترطوا ترتيب استفتاء، وسط الشعب السوداني، باعتباره الجهة الوحيدة، التي لها الحق، في تقرير مسألة مثل هذه الوحدة، إن كان ولابد، الأمر الذي عرقل إكمال فكرة الاتحاد الثلاثي، وقد حدث أن تمت مواجهة حادة، بين النميري من جهة، وبابكر النور من الجهة الأخرى بهذا الخصوص، داخل أحد اجتماعات مجلس قيادة الثوة، ففي ذلك الاجتماع، الذي أعقب حضور النميري من ليبيا، إستعرض النميري ميثاق الاتحاد، الذي وقع عليه بليبيا عندما قدمه إليه القذافي دون استشارة بقية أعضاء المجلس، “وأوضح أن الاختيار وقع عليه ليكون نائباً لرئيس الاتحاد المقترح، ثم مضى يؤكد أن تلك لاتعد، فحسب فرصة تاريخية بالنسبة لشخصه، بل للسودان كله، لأنه المستفيد الأوحد من فكرة الاتحاد، وفجأة خفض نميري من صوته قائلاً أن السودان يمكن أن يفسخ ميثاق الاتحاد في أي وقت يشعر فيه أنه حقق ما أراد كما فعلت سوريا مع مصر عام 1961م!وقبل نهاية الاجتماع طرح نميري فكرة الاتحاد للتصويت ، وقبل أن يهم الأعضاء برفع أصابعهم، طلب بابكر النور أن يُسمح له بالكلام. وتحدث بابكر بغضب شديد عن الطريقة الساذجة التي يريد النميري أن يقرر بها أمراً مصيرياً كهذا، وقال إ، من يحق لهم التصويت على قرار الوحدة ليس هو مجلس الثورة، بل الشعب السوداني كله. فقاطعه نميري بسخرية: تريدنا أن نجلس هنا ونطلب من الشعب السودانيأن يقف طابور ليقول كل واحد رأيه في الوحدة؟ فرد بابكر بلهجة لا تقل سخرية: لا توقفهم في طابور لأن الشمس حارة جداً.. لكن أطرح عليهم الفكرة في استفتاء عام! وعقب نميري على بابكر قائلاً بأن رأيه فردي، ولا يمثل أغلبية أعضاء المجلس، ثم طرح الاقتراح للتصويت، فانضم الرائد فاروق عثمان حمد الله والرائد هاشم العطا إلى رأي المقدم بابكر، بينما صوت الأعضاء السبعة الآخرون، بمن فيهم النميري وبابكر عوض الله، إلى جانب ميثاق الاتحاد”. ولكن الاجتماع إنتهى دون أن يعرض النميري، على المجلس (ميثاق الشرف) بين السودان وليبيا الذي أبرمه مع القذافي، والذي ينص على أن يسلم كل من البلدين معارضي الطرف الآخر للسلطات المختصة! “وشاءت الأقدار ألا يطبق ذلك (الميثاق) الذي أبرمه نميري مع القذافي، إلا مرة واحدة، هي تلك التي احتجز فيها القذافي، طائرة بابكر النور وفاروق حمد الله وسلمهما للنميري!”. ومنذ تلك الفترة أضمر العقيد بغضة للقادة الثلاثة، بما فيهم الحزب الشيوعي السوداني!، وحدث أن أوفد القذافي “الرائد عوض حمزة عضو مجلس قيادة الثورة الليبية، ليتحاور مع قادة الحزب الشيوعي السوداني، الذين تحفظوا على فكرة قيام وحدة فورية ثلاثية، بين السودان ومصر وليبيا. ذلك الحوار لم يفض إلى نتيجة ايجابية. ووزع الليبيون وقتها منشوراً، في شكل كتيب على ورق صقيل بعنوان “نحن والحزب الشيوعي السوداني” ينتقدون فيه موقف الشيوعيين السودانيين من “الوحدة الفورية”. وحرص الرائد عوض حمزة أن يوزع ذلك الكتيب على نطاق واسع في الخرطوم".
hassan elgizuli [elgizuli@hotmail.com]