معمر القذافي .. عقيداً دولياً وقرصاناً جوياً! (الحلقة الثامنة) .. حسن الجزولي
حسن الجزولي
24 June, 2011
24 June, 2011
( القصة الكاملة لاختطاف طائرة الزعيمين السودانيين بابكر النور وفاروق حمدالله عام 1971 بواسطة معمر القذافي وإشرافه)
* لماذا أمر برج المراقبة الليبية الطائرة بالهبوط مع أن قوانين الطيران الدولية تلزمها أصلاً بذلك؟!.
* لماذا سحبت روما الترخيص الذي سبق وأن منحته للطائرة بالعودة لمطارها؟!.
* عابدين إسماعيل يصر على إدانة الاختطاف في مؤتمر صحفي أعلن عنه كسفير للسودان بلندن رغم عودة النميري ونظامه بعد فشل الانقلاب!.
* عندما سألوه في المؤتمر الصحفي سفير من أنت .. نميري أم بابكر؟! رد عابدين قائلاً بكل شجاعة أنا سفير السودان!.
* أحد أقطاب حزب الأمة يقود مظاهرة بلندن تدين الاختطاف وتندد بموقف القذافي ونظامه!.
كتاب جديد بالعنوان أعلاه، دفع به كاتبه د. حسن الجزولي إلى المطبعة، والكتاب يوثق لأحد أشهر عمليات القرصنة الجوية التي بدأ بها عقيد ليبيا معمر القذافي حياته السياسية في فضاء التدخل والتعدي على السلام الدولي، عندما أمر باختطاف طائرة الخطوط الجوية البريطانية التي كانت تقل كل من المقدم بابكر النور سوار الدهب، والرائد فاروق عثمان حمدالله، عند سفرهما من لندن في طريقهما إلى الخرطوم، كقيادات جديدة للنظام الذي أطاح بحكومة النميري في إنقلاب 19 يوليو عام 1971، ذالك الاختطاف الذي أدى إلى تسليم القذافي كل من بابكر وفاروق إلى النميري العائد إلى السلطة كالمسعور بعد إجهاض الانقلاب، ليبعث بهما إلى دروة الاعدام!، الميدان تبدأ في تقديم مقتطفات من بعض فصول الكتاب في هذه الحلقات المتتالية، لتعريف الأجيال الجديدة، بتاريخ قديم لـ ” ملك ملوك أفريقيا) و(عميد الحكام العرب) الذي يترنح نظامه الآن تحت ضربات الشعب الليبي البطل!.
د. حسن الجزولي
طرحت العديد، من التساؤلات وعلامات الاستفهام، حول ما اكتنف عملية، طائرة الخطوط البريطانية، من غموض مثير، خاصة في النواحي التقنية،حيث أثيرت مسألة الهبوط والاقلاع، بالنسبة لأي طائرة، والذي تحكمة أنظمة حركة المرور، الجوية العالمية، بحيث أن هبوط طائرة الخطوط البريطانية، في الأراضي الليبية “كان أمراً مفروغاً منه، ما دامت الطائرة تخضع للقوانين العالمية للطيران. ولكن الأمر غير العادي في هذه المسألة، أن برج المراقبة في مطار بنينة، أمرها بالهبوط باللاسلكي”. أما الأمر الثاني، الذي كان ملفتاً هو” أن قائد الطائرة البريطانية طلب من مطار لوقا المالطي، السماح له بالطيران عائداً إلى روما، ومعنى ذلك أن قائد الطائرة، أراد أن يتحاشى الهبوط، في الأراضي الليبية، ولذلك فضل العودة، وطلب السماح له بالعودة إلى روما.. والسؤال الطبيعي هنا .. لماذا هذه الخطوة من الطيار”؟!.حيث اتضح أن الطائرة البريطانية، لم تدخل الأجواء الليبية لأكثر من 40 ميلاً، ما يعني أنه كان باستطاعتها، قطع هذه المسافة في حدود خمس دقائق، إن أرادت تجنب المقاتلات الليبية ” وهذا ما لم يفعله الطيار”!. وتشير التساؤلات التي طرحت بخصوص الغموض إلى التراجع، وسحب الترخيص، الذي كان قد منح للطائرة، بالعودة إلى روما!.وطرح سؤالاً بهذا الخصوص مفاده، ما هي الأسباب التي دعت المطار، لرفض طلب الطائرة للعودة إلى مطار روما؟!.
ملخص كل ذلك هو: كان على الطائرة البريطانية، الهبوط في الأراضي الليبية، بحكم قوانين الطيران العالمية.. إلا أن الطيار يرغب في العودة بالطائرة، إلى مطار روما.. مفضلاً ذلك على الهبوط في الأراضي الليبية!..السلطات المالطية تسمح للطائرة بالعودة إلى روما.. سلطات مطار بنينة تعطي إنذاراً للطائرة للهبوط في المطار.. السلطات المالطية تتراجع عن الاذن لعودة الطائرة إلى روما ثانية.. بالإضافة إلى أن الطائرة كان يمكن لها، تحاشي الدخول في المجال الجوي الليبي.. مما يؤدي في النهاية لهبوط الطائرة في الأراضي الليبية، واعتقال كل من بابكر النور وفاروق حمدنا الله.( مكتبة بكري الصائغ، أين هم وماذا يفعلون الآن موقعsudaneseonline.com)
وقد تم تبرير تراجع مالطا، عن إعطاء الاذن للطائرة بالعودة، بأن “الطائرة كانت على ارتفاع أقل من 40 ألف قدم، فقد كانت خارج نطاق سلطتهم، وأنهم لم يكونوا في وضع، يمكنهم من منح الأذن أو منعه”!.
يواصل الحردلو موضحاً:- ” وعدنا إلى السفارة وأعددت برقيتين، واحدة بوصية الرائد فاروق، والثانية بأقوال الكابتن، وأخذتهما إلى السفير عابدين الذي وجّه بإرسالهما للخرطوم حالاً:-
خطف النور وحمد الله:
التاريخ: 22-7-1971
من: السفير، لندن
الى: وزير الخارجية
صورة الى: السفير، الخرطوم
الموضوع: اجبار طائرة بريطانية على الهبوط في ليبيا
“امام مجلس العموم اليوم، قال قودبار، وزير الدولة للشئون الخارجية، إن طائرة الخطوط الجوية البريطانية “في سي 10″ في طريقها من لندن إلى الخرطوم، عندما دخلت المجال الجوي الليبي، طلب منها مكتب الحركة الجوية في بنغازي أن تهبط. وقال أنه عندما غيرت الطائرة اتجاهها وتحولت نحو مالطا، وكانت لا تزال في المجال الجوي الليبي، هدد مكتب الحركة الجوية باسقاطها، إذا لم تهبط في المطار.
وقال، لأن الطائرة كانت مليئة بالمسافرين، وكان فيها عدد كبير من النساء والاطفال، اضطر الكابتن ليهبط. وبعد الهبوط، دخل الطائرة رجال من الامن الليبي، وطلبوا بابكر النور وفاروق حمد الله، اللذين أُعلن في السودان أنهما في قيادة الانقلاب العسكري ضد نميري وقال انهما رفضا. غير أن رجال الأمن قالوا لهما إن رفضهما، يهدد بقية المسافرين داخل الطائرة. وبعد أن رضخ الرجلان واستسلما، عادت الطائرة إلى لندن، ولم يصب بقية المسافرين فيها بأي اذى، وقال أنه، في وقت لاحق، استدعي سفير ليبيا في لندن، ونقل له غضب حكومة صاحبة الجلالة على ما حدث. وان ما حدث خرق للقانون الدولي. وطلب السماح للرجلين بمواصلة السفر الى الخرطوم، أو إعادتهما إلى لندن، حسب رغبتهما“
ويوضح الحردلو أن السفير عابدين، طلب منه الإعداد لمؤتمر صحفي، في الخامسة من عصر اليوم الخميس، وبدأت الاتصالات بالصحف وأجهزة الإعلام الأخرى. “كان السفير يريد إدانة ما حدث. كانت الساعة قد تجاوزت الواحدة ظهرا”ً. ثم يواصل موضحاً، أنه بينما كان منهمكاً في قراءة قصاصات ذلك اليوم، رنّ جرس التلفون. كان المتحدث صديقاً له من القسم الإنجليزي بالبي – بي – سي، وأخبره بأن نميري يتحدّث الآن على الهواء. وقال أنه ذهب للتأكد، فشاهد الدكتور عز الدين علي عامر، العضو القيادي في الحزب الشيوعي السوداني، يجلس على مكتب الوزير المفوض وحيداً، واضعاً يديه فوق صدغيه، فأخبره بأن نميري يتحدث الآن بالتلفزيون، فلم يرد عز الدين، وعندما اقترب منه، طار سيل من الدموع، من عيني عزالدين إلى الأمام. قفزت الدموع إلى الأمام قفزاً. فسأله: هل أنت بخير؟! أخرج منديله يمسح الدموع “لم أسمع ولم اشاهد في حياتي مشهداً مثل ذلك. دلفتُ إلى مكتب السفير وقلتُ له :نميري يتحدّث الآن، وقلتُ له بعد قليل: أرى أن نلغي المؤتمر الصحفي، وردّ السفير عابدين: لا.. لن نلغيه، إن ما حدث خطير ولابدّ من إدانته. عُدتُ إلى مكتبي”.
ويؤكد الحردلو بأن جميع العاملين بالسفارة قد غادروا في هذه اللحظات مكاتبهم، ولم يتبق من أحد تقريباً، بعد أن تأكدوا بأن نميري قد عاد، فلم يشأ أي منهم، أن يتورط مع المؤتمر الصحفي، الذي أصر السفير على عقده!.
كانت الساعة توشك على الخامسة، حينما توجه السكرتير الثاني بالسفارة السودانية، من مكتبه إلى مكتب السفير، بعد أن تأكد أن كل شئ قد أُعد للمؤتمر الصحفي” نهض وخرج أمامي، لم يكن المصعد موجوداً فدلف يهبط بالسلالم، في عنفوان شاب في الثلاثين. يمشي كجنرال والرقبة متكية لليسار، – كان السفير المغربي يعتقد أن عابدين إسماعيل جنرالاً بالجيش- ومن يومها كنتُ ومحمد أحمد ميرغني، نسميه فيما بيننا بالجنرال. كان الجنرال يهبط الدرج أمامي، وليست في يده ورقة واحدة”.
ويقارن الحردلو هنا بين موقفين، حيث أنه قبل يومين، كان قد أشار للسفير عابدين، وبعد الاعلان عن نبأ وقوع انقلاب 19 يوليو، بأن كل من بابكر النور وفاروق حمدالله، وهما ضمن قيادات الانقلاب، يتواجدان بلندن وسأله ما إذا كان قد ذهب لتحيتهما، فرد عليه السفير قائلاً :” ما مشيت ولا حا أمشي .. الدايرني يجيني في سفارتي”!. ثم يواصل الحردلو قائلاً” قبل يومين قال “ما مشيت ولا حامشي” .. وكانا في قمة السلطة.. اليوم هما في محنة وبدون سلطة، وها هو يهبط الدرج ذاهباً لإدانة العملية والدفاع عنهما. أي عظيم هذا الرجل؟!”.
وينقل الحردلو وقائع المؤتمر بأن كانت القاعة مكتظة بالصحفيين” تقدّم السفير نحو المقدمة، ناداني الملحق الإعلامي في السفارة المصرية، وكان صديقاً عزيزاً:
:- يا سيد – هكذا كان ينده اسمي – ده نميري رجع!. قلت:
:- عارف!..
:- والسفير.. عارف؟! قلت:
:- نعم..
:- وحتعملوا المؤتمر!؟
:- نعم..
وصفّق يديه وهو يقول:
:- عجبي عجب!.
أدان السفير العملية، وقال (إنها قرصنة غير مسبوقة)، وحين سألوه (سفير مَنْ أنتَ؟ نميري أم بابكر!؟)، قال (أنا سفير السودان!)، وخرج، وخرجت الكاميرات وراءه حتى السيارة!.
ويقول الحردلو أن تظاهرة قد جاءت في تلك الأثناء، يقودها بعض الإنجليز والسودانيين وكان على رأسهم، السفير يعقوب عثمان، والذي كان دائماً ما يقول للحردلو:- أنا حزب أمّة جناح الإمام الهادي، يعني يمين اليمين! ” سألته:- ما شأنك وهذه التظاهرة!؟، قال:- نحن – السودانيين – قادرون على حل – مشاكلنا فلماذا يتدخّل بيننا الآخرون! كنتُ أريدهما أن يصلا الخرطوم وأن نتداوس هناك – جئت أُدين هذه العملية”!.
hassan elgizuli [elgizuli@hotmail.com]