أنا شاكر ومقدر لوزارة الخارجية السودانية على إتاحتها الفرصة لنا للحوار والنقاش مع رجل في قامة الدكتور إياد مدني - الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي في جو هاديء ووقور بفندق روتانا السلام بالخرطوم، وإياد رجل عميق وفقيه ومفكر، وبالتأكيد لم تكن الجلسة للتعريف بالمنظمة، فالمعروف لا يعرّف. إنها فرصة مناسبة لنقل همومنا ومقترحاتنا للرجل الكبير. لقد تابعت باهتمام تصريحاته مؤخرا، تحدث بلغة عميقة و"مفاهيمية" عن خطورة التطرف على الإسلام ذاته وليس على الدول التي يستهدفها، وأجدني مؤيدا لتصريحاته مئة بالمئة بل أضيف عليها لقد صار التطرف خطرا حتى على اللغة العربية وليس الإسلام فقط. لقد تمت مصادرة كاملة لمصطلحات إسلامية عربية صميمة لصالح "الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب"، وصار مصطلح الجهاد والمجاهدين يكاد يطابق في الميديا الدولية بكل أسف الإجرام والمجرمين، مع أن الإجرام الذي يمارس ضد المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لا يشكل ولا واحد بالمئة مما يتم ارتكابه بأيدي المتطرفين، بل حتى هذه الحركات المتطرفة تجد الدعم والتوظيف والتوجيه واحداث "الفراغات الأمنية" بذكاء وخبث لصالحها لتتقدم وتفعل ما تشاء ليسهل إلصاق "أفاعيلها" بالإسلام والمسلمين. من الذي حطم العراق وهشم سوريا وفتح الباب لكل الحركات والتنظيمات المتطرفة في المنطقة؟! هل هم العراقيون والسوريون؟! هل هم المجاهدون؟! أبدا! لقد كانت الجماعات والكيانات الداخلية وما زالت "مجرد أدوات" يتم تنفيذ المخططات بها. قبل شهر واحد كنت في كينيا أتحدث مع مجموعة من الناطقين بالعربية وهم ليسو من الدول العربية ولكنها كانت فرصة أو سانحة طلبها بعضهم للتمرين على اللغة، وفي ثنايا الحديث جاءت كلمة "الشباب" اكثر من مرة، كانت تعليقات و "ونسة" عن الأعمار والذكريات، ولكن بسببها تحركت قرون الإستشعار من هنا وهناك .... وكلما نطقنا بكلمة الشباب حملقت العيون وتلفتت الرؤوس هلعا، لأن كلمة "الشباب" صارت تعني الموت والدمار والخراب والقتل. بحسب خبرتي في المجال الأفريقي و الإعلامي أستطيع أن أقول أن الأخطار الأكبر على الإسلام في أفريقيا كلها إسلامية وأولها التطرف ومعه خطر آخر نؤجل الحديث عنه لاحقا. في جلستنا مع د. إياد، ركزت بوضوح على النموذج المشرق للكادر السوداني في الدعوة والعمل الخيري أو حتى العمل التجاري الخاص في أفريقيا، وها أنا ذا أجدد الوصاية بالنموذج السوداني، ليس لأنني سوداني ولكن من واقع الخبرة والتجربة والمقارنة. كثيرون التقيتهم يعلمون لصالح المنظمات الإقليمية أوالإغاثية الدولية والإسلامية والخليجية، وجدتهم في نقاط الإنذار المبكر وفي معسكرات الصومال، وشرق وغرب أفريقيا وفي كل مناطق النزاع والصراع والكوارث، سودانيون متميزون معتدلون متواضعون، بعضهم يذوب بسرعة في النسيج المحلي ويصبح صديقا للشعب والعامة لأن نموذج التدين السوداني معقم ومطهر من التطرف والغلو، هذا بالإضافة للأمانة والهمة العالية في الإنجاز دون التفكير في الذات والثراء الشخصي إطلاقا. شجاعة لا حد لها ونماذج ذلك ... السفارة الوحيدة التي لم تغلق أبوبها في الصومال هي السفارة السودانية، آخر الخارجين من مذبحة رواندا كان سودانيا ولم يبق له إلا أن يتأخر حتى يكرر تجربة عامل اللاسلكي في "تقليد التايتانيك"، وهو يعمل حاليا إداريا في هيئة آل مكتوم الخيرية في رواندا. سعادة الأمين العام ... بضدها تتمايز الأشياء، والتطرف لا يمكن إجهاضه إلا بمنح مساحة أوسع للمعتدلين المتواضعين من كل جنس ومكان، ولكنني فخور بأهلي وواثق أن لديهم القدح المعلى بإذن الله. ........................... makkimag@gmail.com //////