مع د. لوكا بيونق.. بعد الإستقالة
لست إنتهازياً ولا أريد تحقيق بطولات من مأساة أبيي
لا أفتخر بأن أكون سفيراً في بلد يُدار بعقلية المؤتمر الوطني
أنا نادم على وداع موظفي مجلس الوزراء بهذه الطريقة
حاوره: فتح الرحمن شبارقة
الإستقالة المفاجئة التي تقدم بها أمس الأول د. لوكا بيونق من موقعه كوزير لوزارة مجلس الوزراء، بررها - كما هو معلومٌ - بالإحتجاج على دخول القوات المسلحة إلى أبيي. لكن، ماذا بشأن هجوم الجيش الشعبي على القوات المسلحة وقتل نحو «22» منهم؟، وما هي الأسباب الحقيقية وراء الإستقالة؟، وما قيمتها بينما لم يتبق للوكا غير ما يزيد قليلاً عن الشهر في مجلس الوزراء ينفض بعده سامر الشراكة وحكومتها؟، ألا تعني إستقالته دون غيره من قيادات الحركة في الجهاز التنفيذي، أن قضية أبيي تهم أبناءها فقط في الحركة وليس سواهم؟، هل أراد د. لوكا الإستثمار في أزمة أبيي بتسجيل موقف يُحسب لصالحه ويُعلي من أسهمه بهذه الإستقالة؟.. بالطبع، ليس هناك من يصلُح للإجابة على هذه التساؤلات غير الوزير السابق د. لوكا بيونق نفسه، ولما كان لوكا مُتواجداً هذه الأيام بجوبا، فقد إكتفت (الرأي العام) بمحاورته صبيحة أمس عبر الهاتف، وكانت هذه الحصيلة:
* دعنا نبدأ بسؤال متوقع عن ماهية الحيثيات التي دفعتك لتقديم إستقالتك؟
- دعني أولاً أن أؤكد أنني كنت أعمل دائماً ومنذ أيام التفاوض على خلق علاقات جيدة بين الشمال والجنوب، وكنت أنظر للرؤية المستقبلية للسودان، وكنت ألاحظ أن المؤتمر الوطني لا ينتبه لذلك، ولكن الأحداث الأخيرة في أبيي هي التي قادتني إلى تقديم إستقالتي بصورة مُباشرة، فحل إدارية أبيي ودخول الجيش للمنطقة وإعلانها منطقة حرب يشكل إنتهاكاً كبيراً لإتفاقية السلام الشامل. وأنت لك أن تتخيّل أن الدولة بكاملها تلجأ لتصرف عسكري بهذا الحجم الذي قاد لنزوح الآلاف. والوضع بأبيي الآن بشع نتيجة لتضخيم الدولة لتصرف من (عسكري) أحمق من الجيش الشعبي أطلق النار بشكل غير مبرمج ومعزول وإنفرادي من غير قصد، ثم إنطلقت بعد ذلك النيران من الجيش في كل الإتجاهات، فهل يستحق ذلك التصرف كل هذا الرد من الدولة؟ ألم أقل لك إنّهم لا ينظرون إلى المستقبل.
* وكيف تنظر أنت إلى المستقبل على ضوء الأحداث الأخيرة في أبيي؟
- قبل الأحداث الاخيرة أنا دائماً ما كنت أتفاءل، ولكن بعد أن حدث ما حدث فحتى لو خرج الجيش من أبيي فأنا متشائم بأن المستقبل (حيكون بطّال).
* أنت تنسى فيما يبدو ان ما قام به الجيش في أبيي كان رد فعل وليس الفعل ذاته، رد فعل على قتل جنوده هناك؟
- في الفترة الفائتة كان في منطقة أبيي مناوشات وأحداث عديدة والوضع من يوم 1/5 لم يكن مهيأً وعندما تم إتخاذ قرار نقل القوات المسلحة السودانية وقوات الأمم المتحدة لشمال أبيي كنا حريصين على سلامة طوفهم وكان معهم قائد الجيش الشعبي المسؤول في القوات المشتركة. فلا يُعقل أن يهاجم الجيش الشعبي الطوف وهو يعلم تماماً أن قائده معهم.
* أعرف أن العديد من رجال الجيش قد قُتلوا، لكن ما الذي حَدَثَ للقائد من الجيش الشعبي الذي قلت إنه رافق القوات المسلحة والأمم المتحدة أثناء إنسحابهما؟
- إحترقت عربته بالكامل.
* أنت كنت وزيرا إتحاديا، وإستقالتك تقدم فيما أعلم لرئيس الجمهورية وليس رئيس الحركة الشعبية، لماذا قدمت إستقالتك لسلفا كير؟
- قدمتها لسلفا كير لأنه ما كان ممكناً أن أقدمها للبشير بعد ما شهدته أبيي من أحداث اخيراً.
* أن تستقيل قبل شهر من نهاية الفترة الإنتقالية كأنك أردت الضغط بها كي تثبت لنفسك وضعاً معيّناً في الجنوب بعد أن يصورك البعض كبطل ربما؟
- أقول لك صادقاً أنا لا أريد تحقيق أية بطولات من المأساة وموت الناس في أبيي، ولا يعني لي شيئاً أن أكون وزيراً، ولكن كان لابد أن يكون لي موقف سياسي. والمشكلة ليست في الزمن وإنما في ضرورة تثبيت موقف إن شاء الله قبل يوم واحد من نهاية الفترة الإنتقالية.
* لكن توقيت الإستقالة قبل شهر من نهاية الفترة الإنتقالية يجعلها غير مؤثرة وهو ما يرجح من فرضية التكسب السياسي بها؟
- أنا ما ممكن أكون (إنتهازياً) وأحاول تحقيق مكاسب مما حدث في أبيي، وأنت بعد شهر ستستغرب إني لن أكون جزءاً من الحكومة. فأنا من الممكن ألاّ تكون عندي رغبة للعمل في الحكومة المقبلة بالجنوب، فأنا كنت وزيراً في مكتب الرئيس بالجنوب، ووزير رئاسة مجلس الوزراء في الخرطوم، وأريد بعد هذا أن أعمل عملاً مهماً لنفسي ولأطفالي.
* عندما تقدمت بإستقالتك هل كنت منطلقاً من موقف شخصي أم كنت تعبر عن موقف الحركة؟
- في النهاية هذا موقف شخصي، لكن عندما جئت إلى جوبا وجدت شعوراً بالإحباط ومظاهرات وضغطاً بسبب الذي حدث في أبيي، ويمكنك أن تنظر لبيانات الإدانة لما حدث بأبيي على المستوى العالمي، فما أقدمت عليه إذاً يمكن أن يكون شعوراً شخصياً، لكنه شعور عام عند كل الناس بسبب ما حدث في أبيي وستكون له عواقب وخيمة. وبعض أعضاء الحركة الموجودين في الجهاز التنفيذي كانوا يقولون بضرورة إتخاذ موقف موحد ولكن كان لابد لي أنا من أن أُعبِّر عن نفسي.
* أن تستقيل لوحدك، ألا يؤكد ذلك بأن قضية أبيي لا تهم غير أبنائها فقط في الحركة؟
- نحن في النهاية لدينا واقع محلي في المنطقة وواقع قومي وواقع عالمي، وهذه الأشياء مهمة بالنسبة لنا، فأنا ولدت هناك ومنطقة أبيي هي أساس وجودي حتى وإن كنت وزيرا قوميا فكيف يكون شعوري عندما تعلن منطقة حرب.
صمت برهةً ثم واصل:
(خليني أنا، إنت الآن لو حصل في منطقتكم مثلما حصل في أبيي وجاء ناس خربوا منطقة الشبارقة وإنت كنت في المؤتمر الوطني حتقعد فيهو تاني كيف)..؟
* المجتمع الدولي الذي ظل يقف إلى جانبكم ولا ينتقدكم طوال الفترة الفائتة، إنتقدكم هذه المرة في إعتدائكم على قافلة الجيش والأمم المتحدة؟
- الإنتقاد كان للهجوم ولم يكن للجيش الشعبي، وهم عندهم الحق في الإنتقاد عندما يكون هنالك بعض الإنفلاتات.
* د. لوكا، أنت مُتهمٌ بأنك ضمن المتهمين الأربعة بتعكير الأجواء وخلق الأزمات في أبيي؟
- شوف أنا زول من عائلة كبيرة وعريقة عُرفت بالحكمة والحوار وحلحلة قضايا الناس، والوالد تزوج من أجل تدعيم العلاقات وأنت تعرف علاقته بالمسيرية كيف كانت، ودخلنا في الحركة نتيجة للأوضاع التي كانت سائدة في المنطقة وكان لابد أن يكون لدينا بعض المواقف. وأعتقد إنني اسهمت في حلحلة بعض الأزمات، ودائماً أُفكِّر في كيفية الحفاظ على السلام ولكن ما حدث في أبيي سيكون نقطة لتوتر العلاقات بين الشمال والجنوب.
* كثيرون يرون أن الوضع بعد دخول الجيش هو الوضع الطبيعي، حيث المسيرية شمال بحر العرب ودينكا نقوك جنوبه؟
- طبيعي بالقوة؟
* ليس بالقوة وإنما بالحق التاريخي وبتاريخ التعايش في المنطقة؟
- إذا كنا نفرض الواقع بالقوة فلماذا ذهبنا إلى المحكمة في لاهاي لتحدد حدودها، هناك حكم إداري وحكم بالأعراف المدنية والمحاكم، وفي فعل عسكري كالذي حدث في أبيي.
* ما هو الحل من وجهة نظرك؟
- أهم شئ بالنسبة لنا أنّ تولد الدولة الجديدة ويكون عندها وجود.. وحدود أبيي واضحة، وقرار المحكمة واضح، وكانت مؤسسة الرئاسة قد كلفت الإتحاد الأفريقي بتقديم مقترحات للحل في إطار الواقع الموجود قبل الأحداث الأخيرة في أبيي ولكن بعدها أنا أرى أن هناك إستحالة في إجراء الإستفتاء..
* هل كنت تشعر بغربة خلال قيامك بمهام الوزارة من جهة أنك وزير أجنبي في دولة أخرى؟
- لم أشعر بذلك، والسودان مازال دولة موحدة، وكنت أرى أن يستفيد منا الناس حتى بعد الإنفصال.
* بعد الإستقالة، ما هو أكثر ما تندم عليه سيد لوكا؟
- كنا نرتب ليوم ختامي تكون فيه جلسة وداع خاصة في مجلس الوزراء ويتم الإنفصال بطريقة جميلة لأنني وجدت صداقات جميلة بشكل غير عادي، وكنت أود أن أودع الموظفين في مجلس الوزراء، وبالتالي أنا نادم على وداع المواطنين بهذه الطريقة، فأنا لست إنفعالياً، ولكن أُجبرت على هذا الخيار.
* قبل إستقالتك رشّحك البعض من واقع علاقاتك الواسعة مع الكثيرين في الشمال لأن تكون سفيراً لدولة الجنوب في الخرطوم..؟
- سفير في وضع مثل هذا؟ لا أعتقد أن أي سفير يمكن أي يؤدي شغل كويس في البلد دي، ولا أفتخر أن أكون سفيراً في بلد تدار بعقلية المؤتمر الوطني.