مع هيلدا جونسون… من نيفاشا لشاطئ النيل (1) … بقلم: عادل الباز
في أول لقاء كان الزمان غير الزمان والمكان مخلتف.... ما أبعد شاطئ النيل الأزرق من منتجع نيفاشا بكينيا. كنت على طرف قصِيٍّ بمنتجع نيفاشا في بداية العام 2005 حين شاهدت تلك الجميلة هيلدا جونسون تتوسط اثنين من المفاوضين، وتتحدث بحماسة بالغة، تناقش بصوت مرتفع، ويداها تلعبان في الهواء. تلك هي طريقتها في الحديث حتى الأمس، حين التقيت بها للمرة الرابعة.
الثانية كانت بنيفاشا أيضا حيث قابلتها أكثر من مرة حين بدأ اسمها يلمع في دهاليز مفاوضات نيفاشا كوسيط نشط بين طرفيها، ولكن دورها الحقيقي لم يظهر بشكل كامل إلا حين أصدرت كتابها الجديد (تحقيق السلام في السودان_ داخل القصة). وقفت هيلدا في الكتاب على دقائق حقائق التفاوض ودورها في تسيهل أخطر اللقاءات بين الأستاذ علي عثمان وجون قرنق، وتلك قصة أخرى سأعود إليها لاحقاً.
اللقاء الثالث بأوسلو أثناء اجتماع المجموعة الدولية لدعم السلام في السودان الذي تمخض عن كذبة كبيرة لا دعم ولا يحزنون، وهذه بعض من قصة خذلان المجتمع الدولي للسلام في السودان. في تلك الليلة حين شرعت الفرقة الموسيقية في عزفها البهي بقاعة جائزة نوبل، نهضت هيلدا من مقعدها وطاحت بشعرها الأشقر الطويل وراء ظهرها وأخذت بيد د. جون قرنق الراقص الماهر ومضت به إلى حلبة الرقص.. يا له من رقص بديع... القائد الأسمر الفارع يأخذ بين يديه تلك الشقراء ويعرضان فنوناً من الرقص... من الذي علّم قرنق الرقص على موسيقا الراب؟، ومن علّم هيلدا فنون رقص الدينكا؟!!. كان فاصلاً من الرقص لا ينسى، ولكن كانت لقطة الحفل أطلت حين انعطفت هيلدا إلى حيث يجلس طه وهي تلح على (شيخ علي) ليدخل الحلبة، لتمارس هي هواياتها في الرقص بين الزعيمين. من قال لهيلدا إن(شيخ علي) من قوم يحبون الغناء والرقص، ولهم فيه إبداعات؟، ولكن ليس (لشيخ علي) حظ من ذلك رغم أنه من المحبين للفنون. اشرأبت الأعناق لترى كيف يخرج (شيخ علي) من هذا المأزق... هيلدا تمد يدها وجون قرنق يقهقه وهو يرى الحرج الذي أدخلت فيه هيلدا (شيخ علي) حين مدت يدها لتأخذه للحلبة، وفي تلك اللحظة تولى د. جون إنقاذ صديقه من بين يدي هيلدا ليأخذها مرة أخرى للحلبة لمواصلة الرقص البديع.
هذه المرة جاءت لي الفرصة على طبق من ذهب حين قدم لي الأمير أنيس حجار دعوة لحضور غداء أمس الأول بباخرة فاخرة بالنيل بمناسبة زيارة هيلدا جونسون للسودان، فضحكت وقلت له: (تصور لقد فرغت من قراءة كتابها قبل أيام وهذه فرصة لحوار). أنيس حجار إنسان من طراز فريد ومعدن نادر من الرجال.... لعب أنيس حجار أدواراً مهمة في السلام بالسودان، كلها كانت وراء الكواليس، ويوماً ما سيعرف الناس الأيادي البيضاء التي قدمتها أسرة حجار لهذا الوطن. لأنيس روح سمحة ونفس ذكية وابتسامة لا تفارقه وما هرعنا له في شيء إلا كان أول المساهمين في كوراث الوسط الصحفي التي لا تنتهي. المهم صعدنا الباخرة تتقدمنا هيلدا ونفر كريم من الأطياف السياسية والاجتماعية. نهضت بعد حين إلى حيث تجلس هيلدا وقلت لها: (لقد قدمتِ مساهمة رائعة للمكتبة السودانية بإصدار كتاب ممتع ومفيد). لم تصدق أن أحداً في السودان قد قرأ كتابها الذي صدر حديثاً، فأبدت دهشتها من سرعة وصول الكتاب إلى السودان. فسألتني إن كنت قد قرأت الكتاب فعلاً؟. (فأجبتها بنعم، قبل أيام أنهيت قراءته). كان صديقي الدبلوماسي المثقف خالد موسى قد أهداني الكتاب الذي وصله توّاً من وراء البحار. الكتاب وما جاء فيه كان محور حواري مع هيلدا بعد أن ذكرتها بليلة أوسلو ورقصة المحارب لأجل الحرية (قرنق) والإسلامي الحذِر (طه) بتعبير هيلدا في الكتاب.