مفاهيم الإسلاميين عن الدولة وجدلية الحكم (1/3)
زهير عثمان حمد
7 January, 2024
7 January, 2024
أزمة أو إشكالية بناء الدولة في بلدنا يجرنا قاصدًا إلى معرفة منطلق تشكل الدولة السودانية، وعليه لم يكن هذا التشكل بمحض إرادة شعب السودان وساسته، وإنما بفعل التكالب والتنافس للبيوت الطائفية التي سيطرت علي الفضاء العام في تلك الحِقْبَة التي شهد السودان فيها قيام مؤتمر الخريجين وبعض الأحزاب التي لم تكون لها رؤية سياسية واضحة للدولة وأداره الشأن العام بعد خروج المستعمر الذي كُلِلَ في النهاية برسم خريطة سياسية استعمارية تتنافى تمامَا مع مقومات السكان والتكوين الإثني للامة، وعليه كيف كان للاستعمار الأثر البالغ في تكوين الدول الحديثة ليس في السودان فقط بل في كل القارة الإفريقية؟ وللإجابة عن هذه الإشكالية لابد من البحث عن معرفة الدور الذي لعبه مؤتمر برلين في إعطاء إشارة تقسيم القارة، بالإضافة إلى معرفة الآثار التي خلفتها الاتفاقيات والمعاهدات الأوربية عقب المؤتمر، وكذا معرفة نتائج السياسة الاستعمارية على شعوب القارة عقب الاستقلال وهنا لا يضيق المجال للتفاصيل
بالرغم أننا ورثنا جملة من المشاكل أعاقت البناء الوطني وتأتي في مقدمتها مشكلة أدارة الدولة بواسطة تحالف وطني يتراضي عليه الجميع وكتلك مشكلة الحدود السياسية التي وضعها الاستعمار، بالإضافة إلى الممارسات والسياسات المختلفة التي مورست على المجتمع طوال مدّة الإدارة والاحتلال التي جعلتنا نفقد هويتنا وسلبتنا الانتماء إلي جذور الثقافة المحلية، بل أصبحنا نرزح تحت ثقافة المستعمر وأتباعها حتى اليوم
والإسلاميون يصنفوا ما بين إصلاحي وسلفي وجهادي وغير ذلك على أساس مستوي فهمهم تسامحهم وكتلك درجة انفتاحهم على الشراكة في العمل السياسي وحقوق الإنسان وهل يظنون أن الممارسة الديمقراطية أقتداء بالغرب أم الشوري هي التي من المفترض أن تسود حسب فكرة جماعة وفئة وأطروحات في الصراع السياسي ، إلا أن البحث في طبقات الوعي السياسي للإسلاميين يكشف بنية مشتركة خضعت لتحولات عديدة ومستمرة منذ اللحظة الأولى التي تلقّى فيه المسلمون مفهوم الدولة الحديثة إبّان الحقبة الاستعمارية الأوربية الأولى في العصر الحديث، ومن الصعب قَبُول تصنيفات قادرة على التمييز جوهريًا بين الإسلاميين على مستوى الفكر السياسي، ذلك أن المشكلة الجوهرية واحدة في هذا الفكر، أعني مفهوم الدولة وأظن أن كل التباينات التي تسم الفكر الإسلامي السياسي على المستوى السياسي ترجع إلى الخلل نفسه، فإن القراءة التاريخية للفكر الإسلامي السياسي يجب أن تلحظ تحولات الوعي بمفهوم الدولة تحديدًا وتأثيرات الميراث السياسي الفقهي والتاريخي عليه، حتى الآن فإن الدراسات المقدمة في مفهوم الدولة لدى الإسلاميين , الرؤية الجديدة بعد قيام الدولة الوطنية الحديثة المحدودة بإطار جغرافي ثابت وسلطة وشعب في ظل تفاهم دستوري
خلقت وبأثر من تداخل مفهوم الأمة والخلافة مفهومًا مختلط هو الدولة الإسلامية الذي نشهده لأول مرة ربما في كتابات الفقهاء وليس في كتابات حركيين إسلاميين، إذ يبدو أن شيخ الأزهر عبد الوهاب خلاف أول من أوجد هذا المصطلح، في كتابه الصغير بعنوانه ذي الدلالة السياسة الشرعية أو نظام الدولة الإسلامية، وكان من السهل أن تقود هذه الفكرة المختلطة بين مفهوم الخلافة ومفهوم الدولة الحديثة الإمام حسن البنا ليرفع هذا التعبير (الدولة الإسلامية) باعتباره شعارًا في رسائله الشهيرة، والحقيقة الجوهرية في مفهوم الدولة الإسلامية" هي صورة الدولة وظل الخلافة" والواقع أن المفهوم هذا لما يكون مضمونًا نضاليًا لاستعادة الإسلام عبر استعادة الخلافة، أو لاستعادة الخلافة من أجل استعادة الإسلام، فقد حدث تطابق تام بين الإسلام والخلافة، ومن إشارات هذا النضال أن تكون فكرة الدولة الإسلامية بحد ذاتها مبنية مؤقتة؛ كما تشير كتابات الإسلاميين وعلى رأسهم الإمام البنا
كان هدف الخطاب الإسلامي الذي أخذ في الصعود في فضاء السياسة السودانية منذ خمسينيات القرن المنصرم هو نصرة الدين، وإعادة تأطير الحياة العامة بمناهج الإسلام في أمور الدنيا اقتصادًا وفكرًا وسياسة، تهدف إلى خلافة الأرض وأعمارها بإحياء الدين وتجديده، بما يعزز سيادة جماعة الإسلام في الدنيا وصلاح الفرد في العالم الآخر وكانت المواجهات المبكرة لتيار الإسلاميين مع تيارات الاشتراكيين والشيوعيين في دعوتهم لمحاربة الإمبريالية وتفحش البرجوازية في بلد ناهض في محيطه، ومتشوق إلى العدالة والتنمية المتوازنة والكرامة الإنسانية, لقد كان الصراع الأول لتيار الإسلاميين واليسار السوداني نخبويًّا وعتيقًا بين طلاب جامعة الخُرْطُوم ذات حضور لكل التيارات من ليبرالية إلي اليسارية، لتخرج بعده الجماعة إلى مجتمع السودان بكتابات روادها وندواتهم وحركتهم في المجال العام بفضل تجدد نظرتها على يد الدكتور حسن الترابي
في أوان تصاعدت معه الاشتراكية وبرقت شعاراتها، وتنامى التوجه القومي في المحيط العربي وارتفعت حدته لقد كان الخطاب الإسلامي لجماعة الاتجاه الإسلامي، بقيادة الدكتور حسن الترابي، وقتها تربويًا وعظيًّا هدفه تعزيز مكانة الدين في نفس الفرد، وخلق عُلاقة بين شعائره التعبدية وحياته العامة بما يمكنه من تَرْجَمَة روح أعتقاده وعبادته إلى واقع حياته المعيش لقد ترعرعت الجماعة في أجواء صفوية بين طلاب الجامعة في سجالاتهم مع اليسار، فحتى قُبيل التوافق بين أحزاب المعارضة المسلحة وقتها مع نظام جعفر النميري، الذي عُرف بالمصالحة الوطنية في عام 1977، كانت الحركة الإسلامية مجهولة في أوساط المجتمع السوداني، حيث لا يميز غالب الناس بينها والحركة الوهابية المهمومة بمحاربة ما تصفه بابتداع تيار المتصوفة في المجتمع السوداني
هذا علاوة على سلوك نظام النميري (في بداية حكمه) الذي عمد إلى الإخفاء القسري لقيادات الحركة لشل حركتها، وسعيه إلى تشويه صورتها ولما كان العداء الشديد للأصولية الوهابية وَسْط عامة المجتمع السوداني بحكم أنماط تدينه ذات الأساس العرفاني , الصوفي الراسخ، فقد وُضعت الحركة الإسلامية وتيارات السلفية في سلة واحدة؛ ما دفع قادتها إلى إنتاج خطاب فكري وسياسي يواكب تلك المرحلة، حيث برز الإسلاميون بخطاب إسلامي إصلاحي شمل الدعوة لتحرير المرأة، خاصة لدى الشيخ الترابي في مقاربته (المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع)، التي مثلت نقلة نوعية في الفقه والممارسة الحركية للإسلاميين، الذي أسهم بصورة واضحة في انخراط المرأة تفاعلًا داخل تنظيم وهنالك مفاهيم كثيرة جاءت بعد تاسيس الجماعة على خلاف ما قامت عليه في السابق, فالتجديد في بناء الحركة بدأ منذ أن خطَت لنفسها طريقًا وطريقة لمجابهة الواقع المحتمل بالنظر إلى تجرِبة الإخوان المسلمين المريرة بمصر من تنكيل وترهيب وتخوين فكان الفِرَاقَ وكأن لسان الحال يقول مكره أخاك لا بطل, ولا يستطيع حتى أعداء الحركة الإسلامية أن ينكروا أنها استطاعت أن تثبت إقدامها وتتغلغل في صميم المجتمع ليس مما تحمله من بشريات المقصد منه الانفكاك من التطرف بل لمزيدا من التعقيد للحياة السياسية السودانية أيضا لا حمل لواء التفاعل والتعامل مع الأخر من منطلق الحُوَار الحضاري قدمت أبغض تجرِبة لإدارة الدولة السودانية بعد خروج الاستعمار و هي الأزمنة المريرة التي عاني منها أهل السودان بسبب وجود الحركة الإسلامية علي سدة السلطة, بدآت من حصار وابتلاءات كثيرة جعلتنا في وضع اليوم الذي أقرب لغياب الدولة أو الفوضي بالمعني ألأضخ لذلك تجد قادتهم الآن يصرعون من العودة للسلطة التي كانت لديهم مطلقة دون قيد بل هم أوجد فقه الضرورة و فكرهم التسلط والقمع لمن خالفهم الرأي بالرغم أختلاف هذا السلوك مع القيم الإسلامية.
ونعود
zuhairosman9@gmail.com
بالرغم أننا ورثنا جملة من المشاكل أعاقت البناء الوطني وتأتي في مقدمتها مشكلة أدارة الدولة بواسطة تحالف وطني يتراضي عليه الجميع وكتلك مشكلة الحدود السياسية التي وضعها الاستعمار، بالإضافة إلى الممارسات والسياسات المختلفة التي مورست على المجتمع طوال مدّة الإدارة والاحتلال التي جعلتنا نفقد هويتنا وسلبتنا الانتماء إلي جذور الثقافة المحلية، بل أصبحنا نرزح تحت ثقافة المستعمر وأتباعها حتى اليوم
والإسلاميون يصنفوا ما بين إصلاحي وسلفي وجهادي وغير ذلك على أساس مستوي فهمهم تسامحهم وكتلك درجة انفتاحهم على الشراكة في العمل السياسي وحقوق الإنسان وهل يظنون أن الممارسة الديمقراطية أقتداء بالغرب أم الشوري هي التي من المفترض أن تسود حسب فكرة جماعة وفئة وأطروحات في الصراع السياسي ، إلا أن البحث في طبقات الوعي السياسي للإسلاميين يكشف بنية مشتركة خضعت لتحولات عديدة ومستمرة منذ اللحظة الأولى التي تلقّى فيه المسلمون مفهوم الدولة الحديثة إبّان الحقبة الاستعمارية الأوربية الأولى في العصر الحديث، ومن الصعب قَبُول تصنيفات قادرة على التمييز جوهريًا بين الإسلاميين على مستوى الفكر السياسي، ذلك أن المشكلة الجوهرية واحدة في هذا الفكر، أعني مفهوم الدولة وأظن أن كل التباينات التي تسم الفكر الإسلامي السياسي على المستوى السياسي ترجع إلى الخلل نفسه، فإن القراءة التاريخية للفكر الإسلامي السياسي يجب أن تلحظ تحولات الوعي بمفهوم الدولة تحديدًا وتأثيرات الميراث السياسي الفقهي والتاريخي عليه، حتى الآن فإن الدراسات المقدمة في مفهوم الدولة لدى الإسلاميين , الرؤية الجديدة بعد قيام الدولة الوطنية الحديثة المحدودة بإطار جغرافي ثابت وسلطة وشعب في ظل تفاهم دستوري
خلقت وبأثر من تداخل مفهوم الأمة والخلافة مفهومًا مختلط هو الدولة الإسلامية الذي نشهده لأول مرة ربما في كتابات الفقهاء وليس في كتابات حركيين إسلاميين، إذ يبدو أن شيخ الأزهر عبد الوهاب خلاف أول من أوجد هذا المصطلح، في كتابه الصغير بعنوانه ذي الدلالة السياسة الشرعية أو نظام الدولة الإسلامية، وكان من السهل أن تقود هذه الفكرة المختلطة بين مفهوم الخلافة ومفهوم الدولة الحديثة الإمام حسن البنا ليرفع هذا التعبير (الدولة الإسلامية) باعتباره شعارًا في رسائله الشهيرة، والحقيقة الجوهرية في مفهوم الدولة الإسلامية" هي صورة الدولة وظل الخلافة" والواقع أن المفهوم هذا لما يكون مضمونًا نضاليًا لاستعادة الإسلام عبر استعادة الخلافة، أو لاستعادة الخلافة من أجل استعادة الإسلام، فقد حدث تطابق تام بين الإسلام والخلافة، ومن إشارات هذا النضال أن تكون فكرة الدولة الإسلامية بحد ذاتها مبنية مؤقتة؛ كما تشير كتابات الإسلاميين وعلى رأسهم الإمام البنا
كان هدف الخطاب الإسلامي الذي أخذ في الصعود في فضاء السياسة السودانية منذ خمسينيات القرن المنصرم هو نصرة الدين، وإعادة تأطير الحياة العامة بمناهج الإسلام في أمور الدنيا اقتصادًا وفكرًا وسياسة، تهدف إلى خلافة الأرض وأعمارها بإحياء الدين وتجديده، بما يعزز سيادة جماعة الإسلام في الدنيا وصلاح الفرد في العالم الآخر وكانت المواجهات المبكرة لتيار الإسلاميين مع تيارات الاشتراكيين والشيوعيين في دعوتهم لمحاربة الإمبريالية وتفحش البرجوازية في بلد ناهض في محيطه، ومتشوق إلى العدالة والتنمية المتوازنة والكرامة الإنسانية, لقد كان الصراع الأول لتيار الإسلاميين واليسار السوداني نخبويًّا وعتيقًا بين طلاب جامعة الخُرْطُوم ذات حضور لكل التيارات من ليبرالية إلي اليسارية، لتخرج بعده الجماعة إلى مجتمع السودان بكتابات روادها وندواتهم وحركتهم في المجال العام بفضل تجدد نظرتها على يد الدكتور حسن الترابي
في أوان تصاعدت معه الاشتراكية وبرقت شعاراتها، وتنامى التوجه القومي في المحيط العربي وارتفعت حدته لقد كان الخطاب الإسلامي لجماعة الاتجاه الإسلامي، بقيادة الدكتور حسن الترابي، وقتها تربويًا وعظيًّا هدفه تعزيز مكانة الدين في نفس الفرد، وخلق عُلاقة بين شعائره التعبدية وحياته العامة بما يمكنه من تَرْجَمَة روح أعتقاده وعبادته إلى واقع حياته المعيش لقد ترعرعت الجماعة في أجواء صفوية بين طلاب الجامعة في سجالاتهم مع اليسار، فحتى قُبيل التوافق بين أحزاب المعارضة المسلحة وقتها مع نظام جعفر النميري، الذي عُرف بالمصالحة الوطنية في عام 1977، كانت الحركة الإسلامية مجهولة في أوساط المجتمع السوداني، حيث لا يميز غالب الناس بينها والحركة الوهابية المهمومة بمحاربة ما تصفه بابتداع تيار المتصوفة في المجتمع السوداني
هذا علاوة على سلوك نظام النميري (في بداية حكمه) الذي عمد إلى الإخفاء القسري لقيادات الحركة لشل حركتها، وسعيه إلى تشويه صورتها ولما كان العداء الشديد للأصولية الوهابية وَسْط عامة المجتمع السوداني بحكم أنماط تدينه ذات الأساس العرفاني , الصوفي الراسخ، فقد وُضعت الحركة الإسلامية وتيارات السلفية في سلة واحدة؛ ما دفع قادتها إلى إنتاج خطاب فكري وسياسي يواكب تلك المرحلة، حيث برز الإسلاميون بخطاب إسلامي إصلاحي شمل الدعوة لتحرير المرأة، خاصة لدى الشيخ الترابي في مقاربته (المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع)، التي مثلت نقلة نوعية في الفقه والممارسة الحركية للإسلاميين، الذي أسهم بصورة واضحة في انخراط المرأة تفاعلًا داخل تنظيم وهنالك مفاهيم كثيرة جاءت بعد تاسيس الجماعة على خلاف ما قامت عليه في السابق, فالتجديد في بناء الحركة بدأ منذ أن خطَت لنفسها طريقًا وطريقة لمجابهة الواقع المحتمل بالنظر إلى تجرِبة الإخوان المسلمين المريرة بمصر من تنكيل وترهيب وتخوين فكان الفِرَاقَ وكأن لسان الحال يقول مكره أخاك لا بطل, ولا يستطيع حتى أعداء الحركة الإسلامية أن ينكروا أنها استطاعت أن تثبت إقدامها وتتغلغل في صميم المجتمع ليس مما تحمله من بشريات المقصد منه الانفكاك من التطرف بل لمزيدا من التعقيد للحياة السياسية السودانية أيضا لا حمل لواء التفاعل والتعامل مع الأخر من منطلق الحُوَار الحضاري قدمت أبغض تجرِبة لإدارة الدولة السودانية بعد خروج الاستعمار و هي الأزمنة المريرة التي عاني منها أهل السودان بسبب وجود الحركة الإسلامية علي سدة السلطة, بدآت من حصار وابتلاءات كثيرة جعلتنا في وضع اليوم الذي أقرب لغياب الدولة أو الفوضي بالمعني ألأضخ لذلك تجد قادتهم الآن يصرعون من العودة للسلطة التي كانت لديهم مطلقة دون قيد بل هم أوجد فقه الضرورة و فكرهم التسلط والقمع لمن خالفهم الرأي بالرغم أختلاف هذا السلوك مع القيم الإسلامية.
ونعود
zuhairosman9@gmail.com